أواصل الكتابة عن الموسيقار الكبير كمال الطويل، لليوم الخامس، ويوافق خامس أيام رحيله «13 يوليو-مثل هذا اليوم-2003».. «راجع ذات يوم 9 و10 و11 و12 يوليو2019».. أكتب من أوراقى التى تحفظ تفاصيل لقائين به عام 1997، وأصل إلى محطة مهمة سألته فيها عن سر ابتعاده عن أم كلثوم فى ستينيات القرن الماضى، بينما تعاونت مع محمد الموجى وبليغ حمدى.
كان «الطويل» هوالأسبق من الملحنين الجدد الذين بزغ نجمهم ولعلع إبداعهم مع ثورة 23 يوليو 1925، فى التعاون مع أم كلثوم فى ثلاثة ألحان وطنية وصوفية هى «والله زمان ياسلاحى»، كلمات صلاح جاهين أثناء العدوان الثلاثى عام 1956، و«لغيرك مامددت يدى»، و«غريب على باب الرجاء» كلمات طاهر أبوفاشا للبرنامج الإذاعى «رابعة العدوية» عام 1955، وتحول إلى فيلم سينمائى فيما بعد.. يضع الفنان سليم سحاب فى كتابه «أعلام موسيقية» أغنيتى الطويل فى «رابعة العدوية» ضمن الأسلوب الصوفى الذى عرفه الطويل فى بداياته، ويرى أنه فى اللحنين كان واقعا بين نارين، مشاركة العملاق رياض السنباطى فى تلحين أغنيات البرنامج مع محمد الموجى، أما النار الأخرى فهى أن من تغنى له سيدة الغناء العربى ولأول مرة هو ملحن ناشئ «قبل نشيد والله زمان ياسلاحى»، لذلك جاءت هاتان الأغنيتان، وبالذات «غريب على باب الرجاء» متأثرين جدا بأسلوب السنباطى الصوفى السامى».
هذا التعاون المبكر بين أم كلثوم والطويل كان من شأنه تعزيز فرص اللقاء فى ألحان أخرى خاصة فى مجال الأغنية العاطفية، ولأن هذا لم يحدث.. سألت الطويل عن سره، فجلجلت ضحكته قائلا: «ياه أنت بتفكرنى بحاجات قديمة».. وانتعشت ذاكرته وكأن ماحدث مر من دقائق.. قال: «هذه حكاية عاصرها الكاتب الصحفى الكبير مصطفى أمين، كنا كل أسبوع نلتقى فى بيته ويحضر كامل الشناوى والكاتب الساخر أحمد رجب، وأحيانًا أنيس منصور، وأم كلثوم، وأحيانًا زوجها الدكتور حسن الحفناوى، والموسيقار محمد عبدالوهاب، ومجدى العمروسى «اللى بيألف كتب الأيام دى»، «كان هذا التوصيف للعمروسى من الطويل تعبير عن غضبه منه، وكان للعمروسى كتاب صدر قبل نحو ثلاث سنوات عن عبدالحليم حافظ بعنوان «أعز الناس» وآخر بعنوان «كراسات الحب والوطنية» يوثق أغانى عبد الحليم وتاريخها».
يواصل «الطويل»: «كنت أذهب إلى هذا اللقاء أنا وأحمد بهاء الدين وفتحى غانم، يتحدث بهاء فى السياسة والفكر والثقافة، وفتحى غانم فى الأدب والثقافة.. كانت أم كلثوم تحب هذا المناخ، وأنا أحبه أيضًا..وفى مرة أعطتنى ثلاثة نصوص من بينها أغنية «لسه فاكر قلبى يدى لك أمان، ولا فاكر كلمة هتعيد اللى كان» للشاعرعبدالفتاح مصطفى، وأغنية دينية تأليف بيرم التونسى.. وأنا عندى طبيعة لما ألحن يهمنى أن أكون والمطرب أصدقاء قبل أى شىء، وأنا تعمقت علاقتى بأم كلثوم بعد ألحان «والله زمان ياسلاحى» وأغنيتى «رابعة العدوية»، يعنى الكيمياء بينى وبينها طيبة وطبيعية، وكان تصرفى معها دائما على هذا الأساس».
يضيف: «أخذت الكلمات وسافرت مع زوجتى إلى أوروبا، وغلطتى أننى لم أخبرها، وبعد عودتى جاء لى مجدى العمروسى وقال لى: عايز أقول لك حاجة مهمة حصلت وأنت مسافر.. قلت له: إيه يا مجدى اللى حصل؟.. أجاب: كنت عند مصطفى أمين من 15 يوما، وكان عنده أم كلثوم وزوجها الدكتور حسن الحفناوى.. سمعت أم كلثوم بتقول: أنا نفسى أعرف كمال الطويل بيسافر هو وزوجته إزاى فى الوقت اللى الناس عندها ظروف ملخبطة.. رد مجدى عليها حسب روايته للطويل: «كمال سافر ياست زى لما بتسافرى أنت وزوجك».. يكشف الطويل رد فعله على ما سمعه: ”اندهشت من أم كلثوم.. سألت نفسى: إزاى بتقول كده، وأنا كل أسبوع بشوفها ومعايا فتحى غانم وأحمد بهاء الدين؟..غضبت منها جدا وأعطيت تعليمات عندى فى البيت: «لواتصلت أم كلثوم فى أى وقت أنا مش موجود».
يواصل الطويل: «اتصلت أكثر من مرة، وأنا أتجاهل.. اشتكت لمصطفى أمين.. حاول يعرف منى السر، وسبب عدم تلحينى للأغنيتين، فأتعلل بأى ظرف.. مرة أقول له: «مزاجى مش حلو» ومرة: «أصل كان عندى ظروف»، فيتعجب ويسكت».. يؤكد الطويل: «زهقت أم كلثوم، وأعطت «لسه فاكر» لرياض السنباطى، ودخل مصطفى أمين السجن «21 يوليو1965»، وأفرج عنه السادات «17 يناير 1974»، وفى زيارة من زياراتى له فكرنى بالحكاية.. سألنى: «عايز أعرف إيه سبب زعلك من أم كلثوم السنين دى كلها؟».. حكيت له.. فوجئت برده غاضبا..صوته كان حادا، قال لى: «ضحكوا عليك.. إزاى ماقدرتش تفهم إن ده ملعوب بيتعمل عشان يبعدوك عنها.. السهرة كانت عندى فى البيت والموضوع محصلش.. مفهمتش أنت: ليه مجدى العمروسى عمل اللى عمله، وهو يعرف إنك مندفع وعصبى فى الأمور اللى تمس كرامتك؟..إيه مصلحته؟.أجاب هو: «ده مقلب دبره عبد الحليم ومجدى لأن فى اعتقادهما أنك لو نجحت مع أم كلثوم، وده شىء متوقع هتنصرف عن عبدالحليم».. يعلق الطويل: «عرفت الحقيقة لكن للأسف أم كلثوم كانت ماتت».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة