فى عام 2014 حصل الفرنسى باتريك موديانو على جائزة نوبل فى الآداب، وفى وقتها بدأت ترجماته إلى العربية تنشر، ومن الروايات التى ظهرت فى ذلك الوقت رواية "حتى لا تتيه فى الحى" والتى صدرت ترجمتها عن منشورات ضفاف، قام بالترجمة توفيق سخان.
ومن أجواء الرواية:
انطفأت أضواء النيون على السطح حتى يتنبه هذان الزبونان الأخيران أن المقهى سيغلق أبوابه. بقى بيران دو لارا صامتًا فى العتمة. تذكر دراغان قاعة السنما تلك بمونبارناس حيث كان قد دخل المساء السابق ليحتمى من المطر، لم تكن الصالة دافئة، كما أن المتفرجين القلائل لم ينزعوا معاطفهم. غالبًا، فى السينما،يغمض العينين. فقد كانت أصوات الفيلم وموسيقاه أكثر إيحاء من الصورة. يستحضر جملة من فيلم ذلك المساء، قيلت بصوت باهت، قبل أن تتألق الأضواء من جديد، وقد تخيل أنه هو ذاته من يتلفظ بها: "حتى أصل إليك، يا له من طريق غريب كان على أن أسلكه.
ولد باتريك موديانو فى عام 1945، يحمل أو تحمله نصوص تعكس ضياعا عاما وتردفه بضياع خاص تمثل فى فقدانه لأخيه رودى فى سن مبكرة وبعلاقة متوترة مع والده وحالة من التشرد النفسى والاجتماعى حاول حسب مفردات التحليل النفسى أن يشد عن طوقها بين طوايا نصوصه، فمنذ روايته الأولى الصادرة سنة 1968، "ساحة النجمة،" يحضر رودى عِلة للحكاية والعامل الأساس فى رواياته التى تطرقت لمرحلة الطفولة.
ومع قلة الإحالات إلى هذا الجانب المؤلم من حياته، فإن الروايات المتأخرة زمنيا من قبيل الأفق (2010) وعشب الليالى (2012) وحتى لا تتيه فى الحى (2014) التى صدرت قبيل حصوله على وسام نوبل تحمل ندوب هذا الفقد الأول فيكون البطل فى طفولته شخصا متوحدا يحيا تحت رحمة أشخاص كبار إما يعكرون صفو وجوده مثل جون بوسمانس الذى لا تربطه بوالديه سوى سجلات الحالة المدنية أو شخص تخلى عنه والداه وتؤرقه ذكريات الطفولة كما هو الحال بالنسبة لجون دراغان، بطل حتى لا تتيه فى الحى، يحدث هذا اللقاء مرتين أو ثلاث. وكل مرة يحدث ذلك نجد أن صورة الابتزاز المادى هى الطاغية أو حالة من اللامبالاة والجفاء.