رصدت دراسة حقوقية أعدتها مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، استخدام بعض الدول مثل إيران التعليم من أجل نشر التطرف وتوسيع نفوذها فى العالم الإسلامى والعربى عن طريق التدخل فى المناهج الدراسية للدول المجاورة وتغييرها بما يتوافق مع سياساتها، حيث لم تكتف إيران بأدوارها التخريبية فى دعم ميليشيات موالية لها فى حربها بالوكالة على الدول العربية لزعزعة استقرارها وتوسيع نفوذها فى المنطقة، بل تمادت حتى وصلت إلى زرع أفكارها الشيعية فى المناهج الدراسية بالمناطق التى نجحت فى السيطرة عليها، إذ تنتهج سياسة الاستعمار الثقافى بإنشاء مدارس ترتكز على مناهج فكر الخمينى الفارسى.
كما حاولت عزل دول عربية عن واقعها الحضارى مثل سوريا والعراق واليمن مستغلة الأزمات التى تمر بها تلك الدول حالياً، وكذلك كان نهج الصديقة لإيران دولة قطر، حيث نشرت وزارة التعليم القطرية مؤخراً على موقعها الإلكترونى منهج التربية الإسلامية للتلاميذ من الصف السابع إلى الحادى عشر، وقد تضمن هذا المنهج إساءات للمسيحيين واليهود والبوذيين وغيرهم من غير المسلمين، وهو ما يتنافى مع مقاصد أهداف التنمية المستدامة 2030، والترويج لثقافة السلام واللاعنف والمواطنة.
إيران وسياسة الاستعمار الثقافى
وأكدت الدراسة أن إيران تسعى سعياً حثيثاً إلى بناء حواضن فى الوطن العربى للفكر المتطرف الذى تتبناه الدولة الإيرانية الحديثة، وتعتمد فى ذلك على نظرية "الاستعمار الثقافى"، وذلك من خلال المناهج الدراسية لتكون وسائل لتجييش وصناعة المليشيات التى صارت اليوم تُقاتل دفاعاً عن إيران فى المنطقة العربية، ومنها جماعة الحوثى فى اليمن وحزب الله فى لبنان وعشرات المليشيات فى العراق، وكان أبرز تلك الأدوات الملحقيات الثقافية الإيرانية في بلدان العالم الإسلامى.
وفى ذات السياق، تعتمد إيران على تقديم المنح التعليمية للطلبة فى جامعات مدعومة من ولاية الفقيه فى إيران، والتى قامت باستقطاب الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية، حيث أنه بالنظر إلى خارطة زعماء المليشيات المسلحة المدعومة إيرانياً فى العالم الإسلامى لوجدناها تربت فى محاضن الفكر المتطرف فى مدينة قم الإيرانية، أو غيرها من مؤسسات التعليم التى تدعمها وتنتشر فى عدد من بلدان العالم الإسلامى ومنها جامعة المصطفى الدولية والكلية الإسلامية فى لندن وكلية إندونيسيا الإسلامية وجامعة العلوم الإسلامية فى غانا، وفى لبنان وعدد من البلدان العربية تنتشر جامعة آزاد الإسلامية وجامعة بيام نور، ويشكل "المجمع العالمى لأهل البيت" إحدى المنظمات الإيرانية الرئيسية المرتبطة بتدجين وإعداد المتطرفين وإدارة أنشطتهم فى جميع أنحاء العالم، وتعتمد المراكز التعليمية الإيرانية فى الخارج على المناهج المعتمدة من وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيرانية.
الاستقطاب الإرهابى الإيرانى فى العراق عن طريق التعليم
ورصدت الدراسة قيام إيران بعد غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2003، وبعدما تدهورت المؤسسات التعليمية بها، بالتخطيط لغزو العراق ثقافياً، وبدأت خطتها فى إكمال ضرب مؤسساتها التعليمية وتدمير بُناها التحتية عن طريق الأطراف والميليشيات الموالية لها، ومن ثم قامت بالشروع فى بناء المدارس الموالية لفكرها ودور الأيتام، وكذلك منظمات المجتمع المدنى والتى جاءت على شكل مساعدات من الحكومة الإيرانية، وقام بإدارة تلك المنشآت أشخاص تابعين وموالين للفكر الإيرانى المتطرف، وقد بدأت إيران منذ العام 2013، بإنشاء المدارس الإيرانية بداخل العراق، وافتتحت أول مدرسة للمراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فى البصرة بتاريخ 18 يونيو 2013، لتتوسع فيما بعد وتشمل تلك المدارس محافظات عراقية عدة مثل ذى قار والنجف وكربلاء بل وبغداد أيضاً، بالإضافة إلى الموصل التى شهدت افتتاح أول مدرسة إيرانية رسمية فى مناطق الشمال السنية، وتحديداً فى محافظة نينوى، باسم مدرسة الإمام الخمينى.
وقد عملت إيران من خلال سياسة الاستعمار الثقافى للعراق، على تغيير المناهج والمواد الدراسية، وذلك من خلال إعادة كتابة تاريخ الحرب العراقية الإيرانية (من1980 إلى 1988)، وتم حذف الحقيقة التاريخية التى تقول إن القوات الإيرانية هى التى قامت بقصف المدن العراقية، وقصفت المنشآت الاقتصادية والبواخر الراسية فى شط العرب، وأن القوات العراقية قامت بالرد على العدوان يوم 22 سبتمبر 1980، أى بعد 18 يوماً من التحركات الفعلية الإيرانية لاحتلال العراق، فضلاً عن قيامها بحذف الفقرات التى وردت فى الكتب الدراسية المقررة السابقة حول دور الفرس فى إثارة الفتنة بين المسلمين خلال فترة الخلفاء الراشدين، وحذف الفقرات التى كانت تتحدث عن الدور البطولي للجيش العراقى فى حرب 1948، وحرب أكتوبر 1973.
كما تم تغيير خارطة العراق وحذف (نهر صدام) و(ميناء البكر) وإلغاء تسمية المحافظات وإعادتها إلى أسماءها القديمة، فأعادوا تسمية القادسية بالديوانية والمثنى بالسماوة وذى قار بالناصرية والتأميم بكركوك ونينوى بالموصل، علاوة على أن معظم المراكز الثقافية والمكتبات الموجودة فى العراق أصبحت تقع تحت النفوذ والسيطرة الإيرانية حتى وصل الأمر لقيام وزارة التربية العراقية بمنح عقود طباعة الكتب المدرسية للمطابع الإيرانية.
وفى إطار الاختراقات الثقافية للمجتمع العراقى، فقد قامت الدولة الإيرانية بالسيطرة على وسائل الإعلام؛ وذلك عن طريق إنشاء المحطات الفضائية التليفزيونية الطائفية الموجهة إلى الشعب العراقى، والتى بلغت أكثر من 20 محطة فضائية مثل: السلام والعدل ومحطات أهل البيت والفرات والفيحاء وآفاق وبلادى والمسمار الأولى والثانية والغدير وكربلاء والفرقان والمهدى والعدالة الأولى والثانية، وقامت بإدخال أكثر من 2000 رجل دين فى مدارس الحوزة العلمية فى محاولة منها للتأثير على قرارها والاستحواذ عليها؛ لإحداث اختراق ونفوذ فى الجانب الدينى، من خلال ربط شريحة واسعة من العراقيين بإيران تحت مسمى التشيع، وذلك من خلال إثارة الفتن المذهبية والطائفية والترويج لفكرة المظلومية، وذلك بهدف توسيع شريحة الموالين للأفكار الإيرانية المُتطرفة.
ويعتمد المخطط الإيرانى للاستعمار الثقافى للعراق يعتمد بشكل رئيسى على المدارس والمراكز الثقافية والمحاولات الناجحة المتكررة لتغيير المناهج الدراسية العراقية بما يتواءم مع سياساتها العنصرية وأفكارها المتطرفة الداعمة للإرهاب، وذلك بهدف ترسيخ مفاهيم إيديولوجيا الثورة الإيرانية فى أذهان الأجيال العربية من الأطفال، فقد انتشرت العديد من المدارس الإيرانية فى العراق ووصلت لأكثر من 14 مدرسة إيرانية تتوزع فى وسط وجنوب العراق، ويقوم بالتدريس فيها أساتذة إيرانيون، ويعملون على تدريس مناهج خاصة ملغمة بالعديد من الأفكار الإيرانية المتطرفة التى تدعو إلى العنصرية والكراهية وتعمل على زرع بذور الإرهاب فى عقول الأطفال، وتُشرف على تلك المدارس الملحقية الثقافية فى السفارة الإيرانية ببغداد، وتسعى إدارة تلك المدارس إلى استقطاب أكبر عدد من الطلبة فى العراق من خلال الامتيازات التى يحصل عليها الطالب فى هذه المدارس، حيث تقدم للطلبة ملابس ووجبات طعام، فضلاً عن المستلزمات الدراسية التى توزع بشكل مجانى، إضافة إلى تخصيص مبلغ من المال لكل طالب؛ وذلك كله من أجل دعم سياسة إيران الداخلية فى تصدير الثورة إلى خارج حدود الدولة الإيرانية، والترويج إلى فكرة أن الطائفة هى الأساس وليس القومية التى يتبعونها والدعوة إلى ولاية الفقيه وحفر ولائهم لإيران بطريقة غير مباشرة.
التدخل الإيرانى فى سوريا عن طريق التعليم
ووفقا للدراسة، تكثف إيران من جهودها فى سوريا لتطبيق سياسة الاستعمار الثقافى، وخاصة مع انطلاق الاحتجاجات السورية، فقد قامت بإنشاء المدارس والجامعات الإيرانية الداعمة للفكر الخمينى، من أجل إعداد جيل يمكن استعماله فى المستقبل من أجل خدمة مشاريع إيران التوسعية، وقامت على إثر ذلك بإنشاء 5 جامعات إيرانية بداخل الأراضى السورية وهى "المصطفى" و"الفارابى" و"أزاد إسلامى" و"كلية المذاهب الإسلامية"، وجاء آخر تلك الجامعات وهى "تربية مدرس"، والتى أعلن عن إنشاء فرعها فى سوريا، وزير العلوم والتكنولوجيا الإيرانى منصور غلامى، وتأتى خطوة تأسيس الجامعات الإيرانية فى سوريا: استكمالاً لمشروع إحكام السيطرة على العقل السورى عقائدياً وسياسياً وتكريس تبعيته للفكر الخمينى الفارسى، وذلك بعدما أسست إيران فى السنوات الماضية مدارس للمرحلتين الإعدادية والثانوية باسم "الرسول الأعظم"، ووفق منهج دراسى تطلق عليه إيران اسم (منهج آل البيت)؛ ليتم إعداد الطالب السورى وفق الأجندة العقائدية الخمينية.
كما أسست إيران مركز دراسات يجمع بين وزارة التعليم السورية ووزارة العلوم والتكنولوجيا الإيرانية، حسب ما ذكرت وكالة "سانا" الناطقة باسم الحكومة السورية، وذلك حسب اقتراح حسين راغب الحسين، رئيس لجنة الصداقة البرلمانية السورية الإيرانية، والذى أكد فى 13 نوفمبر 2018، خلال لقائه مع رئيس مجلس الشورى الإسلامى على لاريجانى في طهران، أن دماء الشهداء الإيرانيين التى سقت التراب السورى، ستسجل فى المناهج الدراسية للبلاد، بالإضافة إلى أنه فى يونيو 2017، تم افتتاح 3 مدارس ابتدائية فى مدينتى البوكمال وواحدة فى الميادين قرب محافظة دير الزور شرق سوريا، بكادر تعليمى إيرانى، حيث تم توزيع المناهج الإيرانية باللغة الفارسية على 250 طفلاً سورياً تتراوح أعمارهم بين 8 و15 سنة.
التدخل الإيرانى فى اليمن
وترصد مؤسسة ماعت فى دراستها استغلال إيران سيطرتها على المدن والمحافظات اليمنية عن طريق المليشيات الحوثية، والتى تعمدت تدمير البنية التحتية، وخاصة المدارس، والتى وصل عددها إلى 1700 مدرسة مُدمرة فى مختلف المحافظات اليمنية، وقد ارتكبت خلال عام 2017، عدداً من الانتهاكات ضد العملية التعليمية وصل إلى 279 انتهاكاً، وهو الأمر الذى حرم 4.5 مليون طفل يمنى من التعليم، ومن ثم ظهر الدور الإيرانى فى إنشاء المدارس الشيعية الإيرانية؛ لزرع الفكر الشيعى الفارسى فى عقول الأطفال اليمنية، وعملت إيران على توجيه القادة الحوثيين للتدخل في عملية تغيير المناهج التعليمية، حيث قامت بإضافة مواد تتعلق بمؤسس الجماعة المدعومة من إيران، وكذلك إضافة وتعديل المناهج لما يخدم الفكر الشيعى، الذي تتبناه الجماعة، ابتداءً من تدريس الكراسات، والخاصة بمؤسس جماعتهم حسين الحوثى فى مدارس صعدة، ووصولاً إلى إجبار الطلاب على ترديد شعاراتهم الطائفية والعنصرية فى الطابور الصباحى، وإحياء المناسبات المتعلقة بالجماعة.
كما تضمنت المناهج الدراسية اليمنية، والتى طبعت فى العاصمة صنعاء، نشر مفاهيم تمس العقيدة الإسلامية، وتغيير اسم الفاروق عمر بن الخطاب باسم محمود، فى القصص التى وردت فى بعض الكتب، فضلاً عن وضع صور لمؤسس الجماعة حسين الحوثى، بالإضافة إلى التغييرات التاريخية التى طالت ثورة 26 سبتمبر 1962، والتى يعتبرها الحوثيون انقلاباً على حكم الأئمة، إذ تعمدوا محو كل ما يشير إلى هذه الثورة، بينما جرى تغيير مفهوم الإمامة؛ ليصبح مفهوماً إيجابياً يمجد حكم الأئمة الكهنوتى.
التحريض على الكراهية فى المناهج الدراسية القطرية
وتؤكد الدراسة، أن قطر مازالت تدين بالمذهب الوهابى وتغذى كراهية الآخر من خلال مناهجها الدراسية، وقد نشرت وزارة التعليم القطرية مؤخراً على موقعها الإلكترونى منهج التربية الإسلامية للتلاميذ من الصف السابع إلى الحادى عشر، والذى امتلأ بالإساءات لمختلف العقائد الدينية، مثل المسيحية واليهودية والبوذية وغيرهم من غير المسلمين، فقد اعتبرت تلك المناهج القطرية أن "الغدر والخيانة من صفات اليهود على مر الزمان"، وأن "الصفة الملازمة لليهود فى سائر الأوقات هى الضعف والجبن"، وهذه الجمل وإن كانت تردد فى بعض الأحيان على الألسن دون ضابط إلا أنه لا يصح إدماجها ضمن العناصر التربوية للأطفال فى هذا السن الصغير، حيث تربيهم تلك الجمل على العنصرية وكراهية الآخر.
كما تضمنت المناهج القطرية إساءات للديانة المسيحية، حيث جاء فيها "أن المسيحية ديانة مُحرفة، وأن الاختلافات بين الأناجيل هى دليل على أنها ليست من عند الله"، فضلاً عن تحريضها على تكفير وقتل العلمانيين حيث تشير إلى "أن العلمانية ضد الإسلام وكل ما ورد في العلمانية بعيد كل البعد عما ورد فى كتاب الله تعالى وسنة نبيه منهجاً ودستوراً للحكم، وتفضيلها على الإسلام فيه كفر صريح بدين الله"، بالإضافة إلى تشجيع وزارة التعليم القطرية التلاميذ على الجهاد والإرهاب حيث ذكرت الآتى "ومن صور الجهاد: الجهاد بالنفس، أى المشاركة في قتال الكفار"، وفى مضمون كل هذا بل والتصريح منه دلالة دامغة على الإساءة والتحريض ضد اتباع الديانات الأخرى، بل والتشجيع على العنف والإرهاب.
وتجدر الإشارة إلى أن تلك المناهج المتعصبة، وما تقوم به دولة قطر من إعداد أجيال بأجندة مليئة بالكراهية والتعصب، يدفع للعالم بمزيد من المتطرفين والإرهابيين، وهو ما يتعارض مع كافة حقوق الإنسان، ويتنافى بشكل صريح مع (المقصد 4.7) من أهداف التنمية المستدامة 2030، والذى ينص على "ضمان أن يكتسب جميع المتعلمين المعارف والمهارات اللازمة لدعم التنمية المستدامة، بما في ذلك بجملة من السُبل من بينها التعليم لتحقيق التنمية المستدامة واتباع أساليب العيش المستدامة، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والترويج لثقافة السلام واللاعنف والمواطنة العالمية وتقدير التنوع الثقافى وتقدير مساهمة الثقافة فى التنمية المستدامة بحلول عام 2030".