القارئ محمود حمدون يكتب: غياب القمر

الخميس، 25 يوليو 2019 10:00 ص
القارئ محمود حمدون يكتب: غياب القمر سباق جرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

وقف حكم المباراة, ينظر يمينه ويساره, يستوثق من تواجد جميع المتبارين، أنهم يقفون على خط السباق لا يحيدون عنه, فتّش بأصابعه فى نعال أحذيتنا الرياضية, عبث بأفواهنا خشية وجود أدوات حادة مما يجُرّم قانون اللعبة حملها.

لفّ حولنا دورة كاملة ثم أعقبها ثانية وثالثة حتى اطمأن قلبه ورضى فرفع صافرته لفمه, ثم نفخ بكل عزم لديه, فانطلقنا كسيل عرم لا نُبقى وراءنا إلاّ سُحبا من غبار, أسرعت يحدونى أمل الفوز كما أفعل دائمًا, لكن هذه المرة درست قدرات المتنافسين جيدًا, لملمت شتات نفسى من الهزائم السابقة بعد أن وقفت على أسبابها, لُمت نفسى ويحقُ أن أفعل وكيف لا! وقد نلت المركز قبل الأخير, لذا أجهدتُ نفسى فى تدريبات قاسية ليل نهار, انقطعت عن زيارة الأهل ومسامرة الأصدقاء, حتى قهوتى السوداء شديدة المرارة هجرتها مؤقتًا حتى لا أُفتن بها.

جريت بكل قوتى وقد أقسمت بينى وبين نفسى أن تلك آخر مرة أنخرط فى مباراة, لكنّى أيضًا أدرك أنّى أخلف وعدى فبينى وبين الالتزام بالعهد بونًا شاسعًا وفلاة يهلك دون عبورها كلُ حى.

لا أعلم كم قطعت من مسافة ! , لكنّى أدركت أنى جريتُ مسافة كبيرة, قطعت خلالها شوارع المدينة وأزقّتها حتى انتهيت للطريق الصحراوى. درسُ تعلّمته من فشلى القديم : ألاّ أنظر خلفى, لذا بهذه المسابقة , لم ألتفتُ رغم صراخ وصل لسمعى, لن أتوقف لنجدة ملهوف, فتلبية الاستغاثة إعاقة, لذلك استغشيت ثيابى ووضعت أصابعى فى أذنى تجنُّبًا لضعف بطبعى.

أثناء عدوى حلّت بى مساءات كثيرة, أبصرت الشمس تعلو وتهبط حتى استعصى على الحساب والعدّ, بلى حذائى, فركلته, هرولت حافيّا فالمهمة جليلة.

أيام أو أشهر أو سنوات, لم أعد أهتم بالوقت, علمتُ أن مُدرّبى وافته المنية, أسفت لرحيله وتمتمت ببعض آيات على روحه وتذكّرت بعض مآثره معى, ذلك كله دون أن يصيبنى كدر أو يخطر ببالى أن أتوقف, ظللت أجرى حتى انتهيت لنقطة فاصلة تلتقى عندها السماء بالأرض, يختلط فيها الظلام بالنور, تمتلئ بعواء لم أميّزه أهو لذئاب جائعة أم جراء حزينة على غياب القمر من السماء !!

حيرة أصابتنى هل أتوقف الآن؟! هل أصبت فى سعيى ؟ شعرت بغبطة

وراحة كبيرة, لكن وخز ضميرى أيقظنى : هل رضيت عن أدائك ؟

قلت : نعم وأكثر , فعلت هذه المرة ما لم أفعله من قبل , بذلت من الجهد ما فاق طاقتى وغيرى بكثير , فلما لا أرضى ؟؟

ردّ على هاجسى بصوت رخيم : لكنك لم تزل مكانك لم تتحرك.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة