مع تصاعد التوترات بين الغرب وإيران باتت هذه الدولة "تحت مجهر الثقافة الغربية"، وتتوالى كتب جديدة تجمع ما بين السياسة والثقافة فى محاولات لفهم محددات السلوك السياسى الإيرانى.
وفى كتاب جديد صدر بعنوان "المهمة الإنجليزية..فهم إيران" تناول وزير الخارجية البريطانى السابق جاك سترو جوانب متعددة للثقافة الإيرانية وتجول فى أروقة التاريخ مع أسماء كبيرة لشعراء إيرانيين وحتى فى صناعة السجاد والمطبخ الإيرانى.
ويرى جاك سترو، الذى زار طهران من قبل عدة مرات أن "إيران تحت السطح بعيدة كل البعد عن الهدوء" ،ويؤكد أن "ثمة عقدة خوف تاريخية للإيرانيين من التدخل الخارجى والنفوذ الأجنبى" حتى أنه أثناء زيارة قام بها سترو لايران منذ نحو أربعة أعوام أبدى بعض عناصر الحرس الثورى الإيرانى فى منشورات قاموا بتوزيعها عدم ترحيبهم بزيارته معتبرين أن هذه الزيارة تستهدف زعزعة الأوضاع داخل إيران.
وفى عام 2001 كان جاك سترو أول مسئول بريطانى كبير يقوم بزيارة لطهران منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وهو يرى أن "الملالى اختطفوا هذه الثورة" غير أنه يذهب لوجود فصيل إصلاحى بين نخبة الملالى الحاكمة لافتا لشخصيات يصفها "بالإصلاحية" مثل الرئيس الإيرانى الأسبق محمد خاتمى.
وهذا الكتاب الجديد الذى حظى باهتمام ملحوظ فى الصحافة الثقافية الغربية أثار جدلا فيما يتعلق برؤية جاك سترو حول "وجود فصيل إصلاحى فى النخبة الإيرانية الحاكمة يتعين دعمه من الغرب لاضعاف الفصيل المتشدد بقيادة المرشد الأعلى على خامنئي".
وهذا الجدل يعبر عن شكوك غربية بشأن حقيقة وجود "فصيل إصلاحى فى النظام الإيرانى" حيث يرى محللون أن الأمر مجرد "توزيع للأدوار داخل هذا النظام الذى يخضع تماما لقبضة الخامنئي" فيما تتردد مصطلحات مثل "دبلوماسية الخداع الإيرانية".
ورغم التوترات التى تثيرها ايران فى الخليج وتهديد حرية الملاحة عبر مضيق هرمز ، رأى وزير الخارجية البريطانى السابق جاك سترو الذى كان من المؤيدين للحرب على العراق ان السبيل العقلانى لتغيير سلوك ايران يكمن فى "الجهود الدبلوماسية" منتقدا اقدام إدارة الرئيس المريكى دونالد ترامب على الغاء "الاتفاق النووى مع ايران".
وذهب سترو إلى أن "سياسات حافة الهاوية التى تنتهجها ايران منذ عقود بقيادة المرشد على خامنئى تنبع من خشية النخبة الايرانية الحاكمة من التدخلات الأجنبية وقلقها فى الوقت ذاته من احتمالات التغيير فى الداخل الإيراني" وهى نظرة قد تفسر التوترات الحالية التى تثيرها ايران فى مضيق هرمز والخليج.
وفى سياق ما وصفه معلقون "بحرب المضائق" وعقب احتجاز ايران لناقلة نفط بريطانية فى الخليج ، اقترحت لندن تشكيل قوة بحرية بقيادة أوروبية لضمان سلامة الشحن البحرى عبر مضيق هرمز فيما تنظر طهران بقلق للتحركات الأوروبية ناهيك عن الأمريكية لتشكيل قوة لحماية الملاحة.
وفى كتاب جديد صدر بعنوان :"ايران ومضيق هرمز" تناولت الكاتبة والأكاديمية الفرنسية ليا ميشلى محددات الاستراتيجية الإيرانية حيال مضيق هرمز الذى مرت منه فى العام الماضى نسبة تصل الى 24 فى المائة من مجموع الصادرات النفطية العالمية.
ومع محاولات طهران لعرقلة حرية الملاحة فى مضيق هرمز ترى ليا ميشلى ان الغرب لايمكن ان يتسامح مع هذه المحاولات لو استمرت واتخذت وتيرة منتظمة معتبرة ان الولايات المتحدة لن تقف فى نهاية المطاف مكتوفة اليدين امام العبث الإيرانى فى هذا المضيق.
وتؤكد ميشلى المتخصصة فى الجغرافيا السياسية والتاريخ بجامعة السوربون فى باريس أهمية مضيق هرمز باعتباره مدخل الخليج وممرا مائيا استراتيجيا للنفط فيما يمر عبر هذا المضيق مايصل الى 90 فى المائة من صادرات النفط الإيرانية ذاتها.
ويبدو جليا ان الاهتمام الغربى بالثقافة الايرانية يأتى لأسباب عملية وبنظرة منفعية لتحقيق مصالح الغرب" ومن هنا فان القراءات الغربية للتجربة الايرانية غزيرة ومستمرة ومتجددة كما يتجلى فى كتاب صدر بالانجليزية بعنوان :"ايران الثورية:تاريخ الجمهورية الاسلامية" ,وفى هذا الكتاب سعى المؤلف مايكل اكسورثى لاستكشاف جديد للتطورات فى ايران منذ ثورة 1979 والتى أفضت لما يسميه "بديمقراطية زائفة".
فالنظام السياسى فى ايران متوتر وقضية الديمقراطية لم تجد حلا كما يقول المؤرخ البريطانى والدبلوماسى السابق مايكل اكسورثى الذى ذهب فى كتابه الى انه منذ عام 2009 قررت الحلقة العليا للنظام التخلى عن سياسة الزعيم الراحل الخمينى فيما يتعلق بالتوازن بين الفرقاء والأجنحة المتعددة والاتجاه بدلا من ذلك لأسلوب القوة الغاشمة ضد المعارضين.
وقد تكون "الثقافة" هى الساحة الأكثر خطورة وتعقيدا فى المشهد الايرانى الراهن ، وفى بلد يحظى بموروث ثقافى وحضارى عريق وقدم للانسانية روائع تشهد على الثراء الابداعى للانسان الايراني.
وعداء الملالى الذين وصلوا لحكم ايران عام 1979 ظاهر لكل مايتصل بالحداثة التى ترتبط فى اذهانهم بالغرب وسط مخاوف ظاهرة فى دوائر القيادة الايرانية من المؤثرات الثقافية الغربية على الشباب.
والمرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية" على الخامنئى لم يتورع من قبل عن التدخل حتى فى تحديد "أجندة الشعر والشعراء" فى بلاده التى كان الشعر فى قلب السياسة بها على مدى قرون بينما كان الخامنئى قد بدا بالتحدى الذى تشكله ثورة الاتصالات ووسائط الاتصال الجديدة لتصوره عن "الشعر الملتزم" مشيرا لاتجاه بعض الشباب لما وصفه "بالثقافة المنفلتة" فيما اطلق تهديدات "لتلك الفئة الضالة".
وفيما يقال ان الخامنئى ذاته شاعر وله قصائد يظهرها للمقربين منه فقد يكون من الصعوبة بمكان ان يقدم شاعر حقيقى على تحديد المواضيع التى ينبغى ان يبدع فيها الشعراء او يضع لهم "اجندة" او "خارطة طريق" بدعوى تطوير الشعر او حتى " استخدام الشعر كسلاح فى حرب الحق ضد الباطل وخدمة اهداف الثورة" على حد قول خامنئي.
وكان الخامنئى قد تحدث فى لقاء مع لفيف من الشعراء الذين يقرضون شعرهم بالفارسية سواء داخل ايران او خارجها فى دول مثل باكستان وطاجيكستان وافغانستان عن "اياد تعمل لابعاد الشعراء الشباب عن مهامهم الثورية البطولية" والاتجاه لما وصفه "بالموضوعات التافهة مثل الجمال والحب".
وفى ظل هذا التصور الذى يتصادم مع جوهر الشعر كفضاء حرية وسلطة خيال لن يكون من الغريب او المستغرب ان يذهب على الخامنئى الى ان الشعراء الذين "لا يخدمون أهداف الثورة الإسلامية ولا يكتبون عما يصفه "بالموضوعات الحيوية" هم "مذنبون بجريمة وخيانة وليس لهم مكان فى الجمهورية الإسلامية".
والشعر قوة حقيقية فى الحياة والسياسة فى إيران التى عرف شعبها تاريخيا بحب الشعر لحد الولع حتى أنه لا يكاد يخلو بيت فى إيران من ديوان للشعر، غير أن المرحلة التى بدأت منذ عام 1979 مع "نظام الخمينى" تعد الأسوأ فى تاريخ الشعر والشعراء الإيرانيين الذين لم يتورع هذا النظام عن إعدام بعضهم وسجن البعض الآخر على نحو يعيد للأذهان محنة الشعراء الروس فى مرحلة حكم ستالين للاتحاد السوفييتى السابق.
ومن الشعراء الإيرانيين الذين أعدموا فى ظل نظام الخمينى والخامنئى سعيد سلطان وحيدر مهريفان وهشام شعبانى فيما اتجه عدد من كبار الشعراء الإيرانيين للحياة فى المنفى مثل محمد جلالى وهوشانج ابتهاج ومانوشهر يكتاى وهادى خورسندى وإسماعيل خوى.
وإذا كان وزير الخارجية البريطانى السابق جاك سترو قد ذهب فى كتابه الجديد إلى أن "سياسات حافة الهاوية التى تنتهجها إيران منذ عقود بقيادة المرشد على خامنئى تنبع من خشية النخبة الإيرانية الحاكمة من التدخلات الأجنبية وقلقها فى الوقت ذاته من احتمالات التغيير فى الداخل الإيرانى" فإن المشهد الحالى الذى تتصاعد فيه تلك السياسات لن يكون فى صالح المبدعين الإيرانيين ويبدو أن المزيد من زهور الإبداع ستموت فى بلد قدم للعالم إبداعات خالدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة