"خطة أمل".. العنوان الأبرز الذى شغل الرأى العام المصرى خلال الساعات الماضية عقب إحباط الأجهزة الأمنية – وفق بيان وزارة الداخلية - مخططًا لقيادات الجماعة الإرهابية تحت ذلك المسمى، وذلك لاستهداف الدولة ومؤسساتها بالتزامن مع الاحتفال بثورة 30 يونيو، ما أدى لصدور قرار من النيابة العامة بالتحفظ على أموال متهمين متواجدين بالخارج، لاتهامهما بارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب.
القضية المُقيدة برقم 930 لسنة 2019، والمعروفة إعلاميًا بقضية "خطة الأمل" تضم البرلمانى السابق زياد العليمي، وحسام مؤنس، والصحفى هشام فؤاد، والخبير الاقتصادى عمر الشنيطي، ومدير المنتدى المصرى لعلاقات العمل حسن محمد بربري، والداعية خالد أبو شادي، ومصطفى عبد المعز عبد الستار، وأسامة عبد العال العقباوى، وأحمد عبد الجليل الغنام، وأحمد تمام، وقاسم عبد الكافى محامى أسرة القيادى الإخوانى خيرت الشاطر، المحبوسين 15 يومًا احتياطيا على ذمة التحقيقات الجارية فى القضية، لاتهامهم بمشاركة جماعة إرهابية فى تحقيق أهدافها ونشر أخبار كاذبة.
وتضم القضية وفق بيان وزارة الداخلية 5 متهمين هاربين خارج البلاد هم: أيمن نور، والإعلاميين معتز مطر، ومحمد ناصر، والقياديين الإخوانيين محمود حسين، وعلى بطيخ، حيث تنوعت الاتهامات المسندة للمتهمين حسب دور كل منهم فى وقائع القضية محل التحقيقات، لكنها تمثلت حتى الآن فى 4 اتهامات رئيسة هى الانضمام لجماعة الإخوان الإرهابية ومشاركة جماعة إرهابية فى تحقيق أهدافها، ونشر أخبار كاذبة، وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب.
الحملة الأمنية – بحسب بيان وزارة الداخلية - أسفرت نتائجها عن تحديد واستهداف 19 شركة وكيانا اقتصاديا تديره بعض القيادات الإخوانية والعناصر الإثارية بطرق سرية، كما تم العثور على أوراق ومستندات تنظيمية، ومبالغ نقدية وبعض الأجهزة والوسائط الإلكترونية وتقدر حجم الاستثمارات والتعاملات المالية لتلك الكيانات بـ250 مليون جنيه، ونشرت مقاطع فيديو تظهر مداهمة بعض الكيانات الاقتصادية،
النقراشى وقرارات التحفظ
واقعة "خطة أمل" فتحت الباب أمام تاريخ الجماعة الإرهابية ومصادرة أموالها الذى يرجع لرئيس الوزراء المصرى محمود فهمى النقراشى باشا، من خلال مصادرة أموال الجماعة الإرهابية مرتين متتاليتين، البداية فى عام 1948، حينما أمر النقراشى بحل الجماعة ومصادرة أموالها، واستند وقتها "النقراشي" فى قراره على ما كشفته تحقيقات النيابة المختصة العليا فى القضية رقم "883" لسنة 1948 قسم الجمرك، والتى عُرفت وقتها بقضية "الجوالة".
المرة الأولى فى التحفظ على أموال الإخوان
التحقيقات فى قضية "الجوالة" كشفت أن جماعة الإخوان كانت تهدف وتسعى جاهدة إلى قلب النظم السياسية للهيئة الاجتماعية من خلال الإرهاب باستخدام فريق من أعضائها دربوا تدريبًا عسكريًا وأطلق عليهم اسم «الجوالة»، كما أن الجماعة استخدمت قنابل وأسلحة ومنشورات تحريضية فى تصفية كل من يعمل على مخالفتها ولو بالكلمة فى 8 ديسمبر 1948.
وفى تلك الأثناء - أصدر "النقراشى" بصفته الحاكم المختص قرارا بحل جماعة الإخوان بجميع شُعبها وأُسرها، فضلا عن إغلاق جميع الأماكن المخصصة لنشاطها، والتحفظ على ممتلكاتها وأموالها وأوراقها وسجلاتها، وحظر وتجريم اجتماع 5 أو أكثر من أعضائها، وتسليم كل المستندات ووثائق الجمعية وأموالها لأقسام الشرطة فى جميع أنحاء الجمهورية، وكانت هذه هى المرة الأولى فى تاريخ الإخوان التى يتم فيها حل ومصادرة أموال الجماعة،
عبد الناصر وقرارات التحفظ
أما المرة الثانية التى شهدت تجفيف ينابيع الإخوان ومصادرة أموال الجماعة الإرهابية، فكانت فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1954 وتحديداَ بعد حادث المنشية، وذلك بعد أن حاولت جماعة الإخوان اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، فصدر الأمر حينها بمصادرة أموال الجماعة وممتلكاتها وحلها، ليس ذلك فقط بل طُبق قرار التحفظ على أموال الجماعة للمرة الثانية فى عهد عبد الناصر عام 1965، ولكن بشكل أوسع، وذلك خلال القبض على عدد من رموز الجماعة مثل عبد القادر عودة وسيد قطب.
السادات وقرارات التحفظ
وفى غضون 1981، قرر الرئيس محمد أنور السادات حل جماعة الإخوان والقبض على جميع قياداتها ومصادرة أموالها، رغم ما شهده ذلك العصر من انفتاح فى بداية السبعينيات مع الجماعة، والسماح للإخوان بممارسة نشاطهم بعد أن كان محظورًا فى البلاد، إلا أنه فى سبتمبر 1981 قرر التحفظ على أعضاء قيادة جماعة الإخوان وعلى رأسهم المرشد العام آنذاك عمر التلمسانى، وهو الأمر الذى انتهى باغتيال السادات.
مبارك وقرارات التحفظ
قرارات التحفظ على أموال جماعة الإخوان الإرهابية لم تغيب عن فترة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ففى غضون عام 2006 تم القبض على العشرات من قيادات الجماعة الإرهابية، وتم تقديمهم للمحاكمة بتهمة غسيل أموال، على رأسهم خيرت الشاطر النائب الثانى للمرشد وبعض رجال أعمال بالجماعة، حيث تضمن القرار إغلاق شركات ودور نشر ومطابع كانت تملكها أعضاء بالجماعة، كما أصدر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قرارًا بمنع 29 من قياديى الجماعة وأسرهم من التصرف فى أموالهم وممتلكاتهم السائلة والعقارية.
وفى غضون 2008، قضت المحكمة المختصة على النائب الثانى للمرشد العام للجماعة محمد خيرت الشاطر و39 آخرين من قيادات «الإخوان»، بأحكام بالسجن على 25 منهم بمدد تتراوح ما بين ثلاث إلى 10 سنوات، ومصادرة ممتلكات عدد منهم، كما قضت المحكمة بالحبس سبع سنوات على الشاطر ورجل الأعمال حسن مالك، مع مصادرة جميع ممتلكاتهما فى العديد من الشركات، بينما عاقبت كل من رجال الأعمال المعروفين يوسف ندا وفتحى الخولى وتوفيق الراعى وإبراهيم الزيات غيابيًا بالحبس عشر سنوات.
ثورة يونيو وقرارات التحفظ
وفى غضون 2013، وتحديداَ بعد ثورة 30 يونيو قررت لجنة حكومية منع 115 قياديًا بجماعة الإخوان الإرهابية، من التصرف فى كافة ممتلكاهم العقارية والمنقولة والسائلة وكافة حساباتهم المصرفية أو الودائع والخزائن المسجلة بأسمائهم لدى البنوك، بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي، وذلك تنفيذًا لحكم قضائي، ثم صدر القرار وفقًا للقانون رقم 22 لسنة 2018 والخاص بتشكيل لجنة التحفظ والإدارة والتصرف فى أموال الجماعات الإرهابية الذى أقره البرلمان.
وجاء قرار التصديق على إنشاء لجنة قضائية مستقلة تختص دون غيرها باتخاذ كافة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة باعتبار جماعة أو كيان أو شخص ينتمى إلى جماعة أو جماعات إرهابية، ومصادرة أموال وممتلكات كل من يصدر بحقه حكم قضائى متضمنا إدراجه ككيان إرهابى أو شخص إرهابى أو جماعة إرهابية ووفقًا للمادة السادسة من القانون رقم 22 لسنة 2018 الخاص بتشكيل لجنة التحفظ على أن "لكل ذى صفة أو مصلحة أن يتظلم من القرار الصادر من اللجنة خلال 8 أيام من تاريخ إعلانه إعلانا قانونيا أمام محكمة الأمور المستعجلة".
وفى هذا الشأن، يقول الحقوقى محمود البدوى، الخبير القانونى والمحامى بالنقض، إن من أبرز قرارات التحفظ عقب ثورة 30 يونيو الذى جاء بحق 1589 متهمًا حيث بلغت الاموال المتحفظ عليها نحو 250 مليار جنيه، ووصلت قيمة الأصول والممتلكات التابعة والخاضعة لتصرف الجماعة فى مصر لأضعاف هذا الرقم.
وبالفحص والتحليل لحجم هذه الأرقام – وفق "البدوى" فى تصريح لـ"اليوم السابع" – نكتشف حجم اقتصاد جماعة الإخوان الإرهابية الموازى والذى جمعته بوسائل غير شرعية، سواء كان ذلك بتبرعات المصريين، أو من خلال تلقى التمويلات الخارجية، وأن هذه الأموال أصبحت أخيراَ فى الخزينة العامة للدولة لتصبح ملكاَ للشعب المصرى وليس للجماعة الإرهابية، وذلك بعد أن حاولت الجماعة صنع "حصالة" تجمع فيها أموال المصريين من التبرعات طوال ما يقرب من 100 سنة.
بفضل الجهود الأمنية والقضائية تعود الأموال كاملة إلى الشعب بعد أن ظلت فى أيدى الجماعة، ليس ذلك فقط بل كانت الجماعة تعمل دائماَ للسيطرة على عقول الأطفال الصغار عن طريق السيطرة على 104 من المدارس، وكذا استغلال الحالة الصحية للمواطنين من الفقراء والبسطاء وإنشاء عدد من المستشفيات وإدارة أموالها وأرباحها لصالح الجماعة الإرهابية والتى وصلت على مستوى الجمهورية لـ39 مستشفى، وكذا السيطرة على شركات الصرافة للتلاعب فى الدولار والعملات الأجنبية الأخرى فى السوق السوداء لخلق أزمات اقتصادية – الكلام لـ"البدوى".
وفى الحقيقة هناك عدد من المكاسب الجوهرية نتيجة قرارات مصادرة أموال الجماعة والتحفظ عليها تتمثل فى عودة الأموال مرة أخرى للدولة عن طريق دخولها الخزانة العامة، وأصبحت جزءا من الاقتصاد الرسمى، وليس موازيا، فضلاَ عن أن مصادرة هذه الأموال يساهم بشكل رئيسى فى تجفيف منابع تمويل العمليات الإرهابية التى تنفذها الجماعة، كما أن قرارات التحفظ على أموال الجماعة تعمل بشكل كبير على عودة هيبة وقوة الدولة لمواجهة الكيانات الموازية، اقتصاديا وسياسيا، وكذا ضمن هذه المكاسب هو انتهاء تنظيم الإخوان ماليا واقتصادياً.