سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 30 يوليو 1990.. الموسيقار محمود الشريف يتذكر أيام عمله فى محل بقالة وصبى حلاق ونجارا.. وبطولاته فى المصارعة

الثلاثاء، 30 يوليو 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 30 يوليو 1990.. الموسيقار محمود الشريف يتذكر أيام عمله فى محل بقالة وصبى حلاق ونجارا.. وبطولاته فى المصارعة محمود الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يواصل الموسيقار محمود الشريف الكشف عن أسرار حياته فى مذكراته المجهولة، إعداد الشاعر محسن الخياط.. ونشرتها مجلة «الشاهد- شهرية- قبرص» من مارس 1989 إلى يوليو 1990..يتتبع شجرة حياته منذ بداية خروجها إلى النور.. يكشف فى سطورها أنه ولد من رحم المعاناة، من الشقاء والفقر.. «راجع-ذات يوم 29 يوليو 2019».
 
فى اليوم الثانى لوفاته «30 يوليو مثل هذا اليوم- 1990»، كان نصيبه فى وسائل الإعلام المحلية والعربية قليلا لا يتناسب مع قيمته الموسيقية العظيمة، ولم يكن هناك التفات إلى مذكراته بالرغم من أهميتها.. يتذكر«الشريف» كيف قضى طفولته بين شقيقين اكتسبا منهما، حب الموسيقى، وعنف المواجهة الجسدية..شقيقه إسماعيل الفارس الجميل عازف آلة «الترامبون»،علمه مبادئ القراءة والكتابة بالنوتة الموسيقية،أما شقيقه الثانى محمد فيصفه بأنه «كان فظا وشرسا».. يقول: «كان يعاشر الفتوات فتطبع بطباعهم».. يضيف: «عاملنى بقسوة دفعتنى إلى أن أتدرب على لعبة المصارعة، وألتحق بنادى الرمل وأصبحت يوما أحد أبطاله، لكبح جماحه، وتمر الأيام وأصبح مصارعا وأحرز بطولات فى وزن الريشة، لكنى لم أتعرض لأخى بسوء».
 
أصبح إسماعيل ومحمد من ضحايا الاحتلال الإنجليزى،أصيب إسماعيل فى ساقه برصاصة أثناء اشتراكه فى إحدى المظاهرات الكبرى بميدان المنشية ضد الاحتلال، وتركته هذه الإصابة أسير مرض عصبى حتى آخر حياته.. وتم القبض على محمد بتهمة الاعتداء على أحد «الكونستبلات» الإنجليز المكلفين بمراقبة الرفق بالحيوان.. يكشف «الشريف» تأثير الحدثين عليه فى نظرته إلى الحالة السياسية العامة السائدة وقتئذ، خاصة أن الأب الذى يبلغ السبعين من العمر سقط صريعا للمرض بسببهما، وتوفى بعد أسبوع من مرضه.. يتذكر: «فارقنا الأب وتركنا فى مفترق الطرق، ماذا تفعل أمى؟ الابن الأكبر نزيل سجن الحضرة، وإسماعيل يرقد جريحا فى المستشفى العسكرى، والقضية فى يد سلطة الاحتلال، من يمكنه فك أسرها، ماذا تملك أكبر رأس فى مصر، وأعظم رئيس للوزراء، إنهم جميعا لا يملكون قدرة العمل، فالأمر كله فى يد السفير البريطانى الحاكم الحقيقى للبلاد».
 
وقعت الأسرة فى معاناة رهيبة من أجل الحصول على لقمة العيش.. وصل الحال إلى أن تعيش فى حجرة واحدة مظلمة.. كان الشريف فى الحادية عشرة من عمره، واجه واقعه الجديد المؤلم بالعمل.
 
يؤكد: «تنقلت من صالون حلاقة إلى محل بقالة، إلى ورشة نجارة، حتى استقر بى المقام فى متجر كبير كان صاحبه متعهدا للخاصة الملكية يورد لها اللحوم والفاكهة والخضار، وأطلق أهل الحى على صاحبه لقب «أفندينا».. كان الشريف يقوم بتوصيل الطلبات إلى المنازل بالدراجة.. يتذكر: «فى إحدى جولاتى بالدراجة، توقفت عند إحدى الفيلات لأسلمها ما طلبته من المتجر، كانت تقف فى الشرفة سيدة تدندن بإحدى أغنيات أم كلثوم«إن كنت أسامح وأنسى الأسية».. كانت أحدث أغانيها، وإلى جوارها سيدة أخرى، عرفت من السفرجى أنها أم كلثوم بدمها ولحمها، والفيلا كانت لعازف العود الشهير«أمين بك المهدى» الذى كانت زوجته، وعرفت أن اسمها «إقبال» تقف إلى جوار أم كلثوم تدندن باللحن».
 
أحب «الشريف» ابنة أفندينا واسمها «ثريا»، أقلعته عن رياضة «المصارعة».. علمته قراءة الكتب والروايات، ومبادئ العزف على البيانو، وبدأ عشقه للموسيقى، كما اشترى آلة عود من الأسطى «بلبع المزين» الهاوى للموسيقى.. كان يعلق عوده فى صالون الحلاقة ذكرى لفشل حلمه بتعلم الموسيقى، اشتراه بثمانين قرشا بالتقسيط، عشرة قروش كل أسبوع.. يؤكد أن أول درس على العود تعمله فى صالون حلاقة الأسطى بلبع.. يعلق: «الحقيقة أن معظم أبناء جيلى من الموسيقيين لم يتلقوا دراساتهم فى الموسيقى فى معهد متخصص، فمثل هذا المعهد لم يكن له وجود، والدولة لم تكن تبدى حماسا لافتتاح مثل تلك المعاهد.. كان الفن فى ذلك الوقت لونا من ألوان الترف، تمارسه الطبقات الراقية، وكان من المفروض أن تجيد فتيات تلك الطبقات بالذات فن العزف على البيانو، مثل اهتمام الأسرة بديكورات المنزل.. كانت الفتاة تجيد العزف على البيانو، لأنها ليست فى حاجة إلى الأعمال المنزلية وفنون الطبخ التى كان يقوم بها رجال متخصصون.. لهذا كان ظهور فنان من أبناء الشعب فى تلك الفترة يعتبر استثناء من القاعدة، فقد علم أساتذتنا أنفسهم بأنفسهم، وجئنا نحن أبناء جيلنا لنسير على نفس الدرب».
 
يضيف: «كان محل عمى فرج بائع الأسطوانات معهدى الأول، استمعت فيه لكل ألحان من سبقونى، وكان شادر الخشب الذى يملكه أخى إسماعيل، واستقر فيه مقامى مدرسة أخرى أجود فيها بما حفظت هو معهدى الثانى، وتلقنت فن العود على يد عازف العود الشهير آنذاك جورج طاطيوس شقيق عازف الكمان الأول فى مصر يعقوب طاطيوس الذى كان يعمل فى فرقة محمد عبدالوهاب».. يؤكد أن معهده الثالث كان الندوات الأسبوعية فى الإسكندرية التى يقبل عليها الهواة والمحترفون وحُفاظ التراث، وتعرف عليها من خلال أستاذ العود الإسكندرانى الشهير محمد فخرى، وحفظت فيها كل أغانى التراث التى عاشت معى وتحددت معها شخصيتى الموسيقية».. وتستمر الذكريات
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة