فى محاولة أخيرة منه لرأب الصدع مع الحكومة اليمنية ولملمة أزمة "جمود" اتفاق ستكهولم، قام المبعوث الأممى باليمن مارتن جريفيث بجولة لكل من الإمارات وروسيا ومسقط ، حيث تعد مسقط محطته الأخيرة قبل التوجه إلى صنعاء، حيث يلتقى مع وفد من جماعة الحوثى برئاسة محمد عبد السلام ، لبحث سبل استكمال تنفيذ اتفاقات السويد بعد ستة أشهر من دخولها حيّز التنفيذ، في محاولة لخفض التوتر وإنعاش فرص السلام بين الاطراف اليمنية المتحاربة.
و بات واضحاً أن العد التنازلي لنهاية مدة عمل جريفيث قد بدأ، عقب إعلان الحكومة اليمنية منحه ما وصفته بـ"الفرصة الأخيرة"، للعدول عن جملة من الممارسات والسياسات التي اتبعها طوال الأشهر الماضية، في وقت يقف فيه دور الأمم المتحدة في اليمن أمام سيناريوهات محدودة، بين الإبقاء على جريفيث أو الاستعداد لتعيين خلف له.
ويريد الوسيط الدولي، إعادة الأطراف الى اجتماعات مشتركة لتنفيذ اتفاق الحديدة على وجه الخصوص، في وقت تواجه فيه الهدنة الهشة هناك مخاطر الانهيار الوشيك، كما تمر العلاقة بين الحكومة اليمنية والمبعوث الاممى بتوتر غير مسبوق على خلفية اتهام الأخير بالانحياز للطرف الحوثى والتواطؤ مع الميليشا، وهى الرسالة التى بعث بها الرئيس اليمنى للأمين العام للأمم المتحدة فند فيها الاتهامات الموجهة له.
ربما هذا التوتر هو ما دفع جريفيث للتحذّير أمام مجلس الأمن الدولي الأخيرة من أنه رغم انسحاب الحوثيين من موانئ مدينة الحديدة، إلا أن اليمن لا يزال يواجه خطر تجدّد الحرب الشاملة.
تصعيد عسكرى
وتأتي المساعي الأممية، على وقع تصعيد عسكرى كبير خاصة في المنطقة الحدودية مع السعودية ومحافظات تعز والبيضاء والضالع، فضلا عن خروقات واسعة للهدنة في محافظة الحديدة الاستراتيجية على البحر الأحمر.
اتهامات الحكومة للمبعوث الأممى
منذ توليه الملف اليمنى فى فبراير 2018 كمبعوث أممى خلفا للموريتانى إسماعيل ولد شيخ يحاول البريطانى مارتن جريفيث محاولات مستميتة لحفظ ماء الوجه أمام مجلس الأمن، تلك المحاولات التى باتت مؤخرا بلا جدوى، حيث وجهت له الحكومة اليمنية اتهامات عديدة بالانحياز للطرف الحوثى وخرق القوانين الدولية ، فهل ذهبت محاولات جريفيث للحل أدراج الرياح؟
وفى سبيل إحراز تقدم بالملف المتأزم ، دعا أطراف النزاع للجلوس إلى طاولة المشاورات فى السويد، وهى التى عرفت بمشاورات ستكهولم ، والتى تواجه عرقلة فى تنفيذ بنودها المتفق عليها رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر وقبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن الأخيرة سعى جريفيث للضغط على أطراف النزاع لتنفيذ الاتفاق الخاص بالحديدة ولو بشكل جزئى والذى نص على انسحاب الحوثيين من ميناءى الصليف ورأس عيسى والحديدة، تحت إشراف القوات التابعة للأمم المتحدة ، فجاء التنفيذ مؤخرا غير مطابق لشروط الاتفاق ـ بحسب وصف الحكومة اليمنيةـ حيث انسحبت القوات الحوثية انسحابا أحادى الجانب وهو ما لم تعترف به حكومة هادى .
وفى الوقت نفسه بعث الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مؤخرا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، تتهم مبعوث الأمم المتحدة بالانحياز للطرف الحوثي، وقال هادي في الرسالة إن جريفيث "عمل على توفير الضمانات للميليشيات الحوثية للبقاء في الحديدة وموانئها تحت مظلّة الأمم المتحدة".
وأضاف هادي في رسالته: "سنعطي فرصة أخيرة ونهائية للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مارتن جريفيث لتأكيد التزامه الحرفي المرجعيات الثلاث في كل جهوده وإنفاذ اتفاق ستوكهولم على ضوئها".
وعلى الرغم من أن رد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، على رسالة هادى، جاء بتأكيد ثقة الأول فى مارتن جريفيث، وعلى استمرار الأخير في مهامّه، إلا أن مصادر وثيقة الصلة بالحكومة اليمنية، أكدت أن هذا لا يحمل الضمانات الكافية على أنّ جريفيث سيبقى في كل الأحوال قائداً لجهود المنظمة الدولية لاستعادة العملية السياسية في البلاد، بقدر ما يمثل موقفاً دبلوماسياً يحفظ ماء الوجه للمبعوث، بعد جملة الاتهامات التي واجهته، سواء من الجانب الحكومي الرسمي أو من حملات الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة.
موقف الحكومة اليمنية من جريفيث
من جانبه وصف وزير الإعلام اليمنى الدكتور معمر الإريانى ما فعله مارتن جريفيث بأنه خرق للقواعد والأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية حيث استمر المبعوث الدولي لليمن ، فى عقد لقاءات ثنائية مع زعيم الميليشيا الحوثية طيلة الفترة الماضية، رغم كونه أحد المشمولين بالعقوبات الدولية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لدوره في إعاقة العملية السياسية باليمن.
ليس هذا فحسب بل إن المبعوث الدولي وجه الشكر لزعيم الميليشيا في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، وهو ما يمثل سابقة خطيرة في تاريخ الأمم المتحدة، على حد وصف الحكومة الشرعية باليمن، ويثير هذا الكثير من علامات الاستفهام حول توافق أداء بعثتها في اليمن مع القانون الدولي وميثاق وأنظمة عمل الأمم المتحدة ، وأكد الأريانى أن الأمر ذاته ينطبق على الإفادة الأخيرة لجريفيث لمجلس الأمن بخصوص مسرحية الانسحابات الأحادية من موانئ الحديدة، والذي تم دون تنسيق أو اشراف ورقابة من الحكومة الشرعية حسب الاتفاق ، فى أكبر عملية تضليل للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن .
من هو مارتن جريفيث؟
كان جريفيث مديرا للمعهد الأوروبي للسلام ومقره بروكسل، وله خبرة طويلة في حل النزاعات والتفاوض والتوسط والشؤون الإنسانية، ووقع عليه الاختيار ليكون ثالث وسيط خلال سبع سنوات يتم تكليفه بملف النزاع اليمني.
ويعد مارتن جريفيث واحدا من أهم الدبلوماسيين حول العالم ويصنف وفقا للأمم المتحدة وسيطا دوليا كبير وهو أول مدير تنفيذى للمعهد الأوروبى للسلام، وقد شغل المنصب بين عامى 1999 ـ 2010.
فى منتصف إبريل بالعام 2014 نال جريفيث شهرة واسعة فى العالم العربى بعد أن تقلد منصب، رئيس مكتب الأمم المتحدة فى دمشق، وممثل الوسيط الأممى الأخضر الإبراهيمى فى الأزمة السورية، خلفا لمختار لمانى،و قام بدور دبلوماسى كبير فى عملية انتقال الوساطة فى الأزمة السورية من الأخضر الإبراهيمى إلى ستيفان دى ميستورا، ولذلك يعد أحد الخبراء الأمميين القلائل فى الشؤون العربية بوجه عام.
وأكد جريفيث فى أكثر من تصريح له أن الحرب فى هذا اليمن تختلف عن الحرب فى سوريا، ففى سوريا الحل أمر ممكن، ولكن فرص الحل تتضاءل فى اليمن مع مرور الوقت، فالأزمة فى اليمن ذات بعد إنسانى، وهى أسوأ من العراق وسوريا.