تكون الوفد الذى رافق جمال عبدالناصر فى زيارته إلى موسكو يوم 4 يوليو 1968 من، أنور السادات، رئيس مجلس الأمة، ومحمود رياض وزير الخارجية، والفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة.
على مائدة المفاوضات بين القادة السوفيت والوفد المصرى بقيادة عبدالناصر، كان هناك شخص آخر ضمن الوفد المصرى، لم يسبق للقادة السوفيت أن رأوه فى أى مباحثات مصرية سوفيتية سابقة..يذكر الفريق أول محمد فوزى «وزير الحربية»11 يونيو 1967 إلى 13 مايو 1971 «فى مذكراته» حرب الثلاث سنوات 1967-1970: صاحب الوفد المصرى، ياسر عرفات الذى قدمه الرئيس عبدالناصر إلى القيادة السوفيتية لأول مرة، ويذكر محمود رياض فى الجزء الأول من مذكراته «البحث عن السلام.. والصراع فى الشرق الأوسط»: فى تلك الزيارة التى قام بها عبدالناصر إلى موسكو، اصطحب معه ياسر عرفات وقدمه إلى القادة السوفيت لأول مرة.
أقدم عبدالناصر على هذه الخطوة بعد أول لقاء له مع قادة حركة فتح الفلسطينية فى منزله بمنشية البكرى بالقاهرة «راجع، ذات يوم، 4 يوليو 2019»، يؤكد هيكل فى كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، سلام الأوهام، أوسلو ما قبلها وما بعدها»: كان ضروريا فى هذه المرحلة تقديم منظمة التحرير الفلسطينية إلى المجتمع الدولى لكى تكتسب شرعية قبول الرأى العام العالمى بمثل ما اكتسبت الشرعية الفلسطينية والشرعية العربية، وكان لابد أن تمارس هذه العملية بطريقة محسوبة».. يذكر هيكل: «جرى إلحاق» عرفات بالوفد المصرى المسافر إلى موسكو، وكان إلحاقه تحت وصف «مستشار للوفد»، بجواز سفر مصرى لمهمة باسم «عبدالفتاح إبراهيم»، وكان الهدف من الاسم المستعار ألا تنتبه إسرائيل إلى عملية إقامة اتصال بين منظمة التحرير والاتحاد السوفيتى وقيادته.
وفيما يذكر «هيكل» أن ياسر عرفات أصبح اسمه المستعار «عبد الفتاح إبراهيم»، يذكر يفجينى بريماكوف، مراسل جريدة البرافدا السوفيتية فى القاهرة وقتئذ، ورئيس الوزراء الروسى فى عهد بوتين، أن الاسم المستعار كان «محسن أمين»، ويكشف فى مذكراته «الكواليس السرية للشرق الأوسط» ترجمة: نبيل رشوان»: اعتبر عرفات عضوا فى الوفد المصرى بجواز سفر دبلوماسى باسم «محسن أمين»، وقدمه ناصر للقادة السوفيت بوضعه الحقيقى.
كتب هيكل تفاصيل أخرى عن هذه الزيارة تتعلق بمرض عبد الناصر.. يذكر فى مقال بعنوان: «ناصر لم يصنع مصر.. هى صنعته المنشور فى «الأهرام، 19 أكتوبر 1970»، أى بعد رحيل عبدالناصر «يوم 28 سبتمبر 1970، وكيف تعامل مع عرفات فى الطائرة، يقول: روعت حين وجدته فى الطائرة لا يستطيع الجلوس فى مقعده من شدة الألم، وفرش له الأطباء سريرا فى الجزء المخصص له فى مقدمة الطائرة، وكنت أحاول أن أخفى الإنزعاج، ولكنه لمح آثاره، فقال برقة لم يستطعها غيره: سوف أنام بعض الوقت وحين أستيقظ سوف يكون الألم أخف، وجلسنا بجواره «أنور السادات وأنا» على كرسيين متواجهين فى الطائرة، كنا ساكتين لنعطيه فرصة للنوم، لكن نظرات عيوننا لم تكن ساكتة، واستيقظ والطائرة فوق بولندا، وعاد إلى كرسيه معنا، لكننا لم نشعر أن آلامه قد خفت حدتها، وحاول هو تغيير الموضوع، فقال لى: أطلب ياسر عرفات ليجىء فيجلس معنا هنا بعض الوقت، حتى لا يشعر بالغربة مع بقية أعضاء الوفد من ركاب الطائرة، وكان ياسر عرفات معنا على الطائرة ذاهبا لموسكو، ولم يكن يعرف بوجوده أحد، ولا كان أحد فى العالم قد سمع باسمه بعد، ولكن جمال عبدالناصر أراد أن يأخذه معه إلى موسكو ليفتح للمقاومة الفلسطينية بابا يكون لها مصدر سلاح، وحين جاء ياسر عرفات وجلس بجواره، كان هو قد سيطر تماما بإرادته القوية على آثار الألم ومظاهره على ملامحه، وشهدته فى مراسم الاستقبال الرسمى فى مطار «فينوكوفو»، وأنا أعلم كم يكلفه الوقوف والمشى، وظلت سيطرته كاملة على آلامه، حتى وصل إلى قصر الضيافة، وأجرى اجتماعا تمهيديا مع الزعماء السوفيت، وتمشى معهم فى حديث ودى فى حديقة قصر الضيافة الواقع على ربى تلال لينين، وبريجنيف يريه لأول مرة أشجار الكريز، ثم صعد إلى غرفة نومه.
سألت الكاتب والباحث فى الشأن الروسى الدكتور سامى عمارة عما إذا لديه المزيد حول هذه الزيارة وخصوصيتها بالنسبة لعرفات.. أجاب لى، أنه جرى حديث شفهى له مع «عرفات»، بحضور سفيره فى موسكو خيرى العريضى حول هذه الزيارة، يؤكد: قال عرفات فى معرض حديثه معنا لصحيفة الشرق الأوسط أنه، وإمعانا فى السرية، شاءت القيادة المصرية أن أنزل مع السادات فى غرفة واحدة فى بيت الضيافة رقم ٣٦ على ضفاف نهر موسكو المخصص فى السابق لأعضاء المكتب السياسى للحزب الشيوعى السوفييتى.. قالها أبوعمار بنبرة تشى بـ«القرف» من جيرته للسادات خلال تلك الزيارة، قالها وتحول إلى موضوع آخر فى إشارة إلى عدم رغبته فى استعادة ذكرياته حول السادات، واستمر الحدث لليوم التالى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة