فى نهاية الاجتماع الأول بين الرئيس جمال عبد الناصر والقيادة السوفيتية «بريجنيف، كوسيجين، بادجرنى»، فتح عبدالناصر موضوع منظمة التحرير الفلسطينية، وأشار إلى وجود رئيسها «ياسر عرفات»، معه ضمن أعضاء الوفد المصرى، وكان يحمل جواز سفر مصرى باسم مستعار وبوظيفة مستشار للوفد، حسبما يذكر محمد حسنين هيكل فى الجزء الثالث من كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل - سلام الأوهام – أوسلو ما قبلها وما بعدها».. راجع «ذات يوم - 4 و5 يوليو 2019» يكشف «هيكل» أن القادة السوفيت الثلاثة أبدوا تحفظا واضحا إزاء ما سمعوه، ثم عبر «كوسيجين» عن رأيهم حين قال إنه يخشى أن يكون «عرفات» شخصا مغامرا، وهم لا يعرفون شيئا عنه، وقد رصدوا نشاطا لمجموعته فى سوريا، وحكمهم عليها إنها جماعة غير مسؤولة، والاتحاد السوفيتى يصعب عليه أن يتعامل معهم كحركة تحرير وطنى”، يؤكد هيكل: «ظل جمال عبدالناصر يضغط، وعلى غداء أقامه للقيادة السوفيتية فى اليوم الأخير من الزياة كان «عرفات» ضمن المدعوين، وفى نهاية الغداء وبعد حديث مع القيادة السوفيتية، أشار «عبد الناصر» إلى محمد حسنين هيكل الذى قام من مكانه واصطحب عرفات إلى حيث كان الرئيس والقادة السوفيت يتأهبون للخروج من قاعة الغداء، وتم تقديمه إليهم، وكان كل ما أمكن التوصل إليه هو أن بريجنيف طلب إلى عرفات، أن يتوجه إلى مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى ليقابل «الرفيق مازاروف» عضو المكتب السياسى المسؤول عن حركات التحرر الوطنى العام، ويتحدث معه بما يريد.
يذكر هيكل، أنه فى اليوم التالى لم يكن «مازاروف»، مستعدا أن يقابل «عرفات» بنفسه، وأحاله إلى نائبه «بوريس باناماريوف» الذى بدا أنه يستجوب ياسر عرفات بمجموعة من الأسئلة الطويلة». من أنتم؟. ماذا تريدون؟ بأى الوسائل تريدون تحقيقه؟ ما رأيكم فى قرار مجلس الأمن 242 للحل السلمى؟. كيف ترون مستقبل إسرائيل؟. وطالت المناقشة لمدة ساعتين وربع الساعة، يؤكد هيكل: «فى الاجتماع الأخير للقادة السوفيت مع عبدالناصر قبل مغادرته موسكو، أبلغه «بريجنيف» أنهم سوف يبحثون موضوع منظمة التحرير على ضوء تقرير «باناماريوف»، وسيفكرون فيما يمكن عمله فى هذا الشأن، وسيبلغونه رأيهم النهائى عن طريق غير رسمى، وعلى هذا الأساس فإن ردهم سيذهب إلى «سيرجى فينوجرداوف» «سفيرهم فى ذلك الوقت فى القاهرة»، ليقوم بإبلاغه إلى محمد حسنين هيكل باعتباره حلقة الوصل بينهم وبين جمال عبد الناصر، لأنهم حتى الآن لا يريدون أن يتعاملوا فى شأن المنظمة مع مصر عن طريق «حكومة إلى حكومة».
يكشف هيكل، أنه بعد ثلاثة أسابيع طلب «فينوجرادوف» موعدا مع هيكل، وجاء السفير السوفيتى إلى الموعد ومعه ورقة بحجم ربع صفحة من القطع العادى تحتوى على قائمة ببعض الأسلحة «منها مدافع مضادة للطائرات»، تصل تكاليفها إلى نصف مليون روبل، وقال «فينوجرادوف»: إنه لولا تدخل عبدالناصر لما فكرت القيادة السوفيتية فى التعامل مع عرفات وزملائه، لكنهم تقديرا لتدخل الرئيس وافقوا، وقرروا تقديم هذه الأسلحة التى تحتويها القائمة» يذكر الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية وقتئذ فى مذكراته «حرب الثلاث سنوات -1967- 1970»، أن هذه الصفقة قدرت بنصف مليون دولار، ويضيف: «تمكن من الحصول على موافقة القيادة السوفيتية على صفقة أسلحة ومعدات لمصر فى حدود 200 مليون جنيه، وعلى عدد من المستشارين السوفيت المطلوبين للقوات المسلحة المصرية».
يؤكد هيكل، أن القيمة المعنوية لاستجابة الاتحاد السوفيتى، كانت أهم بكثير من أسلحة تساوى نصف مليون روبل، ويكشف: «كان عرفات ومعه صلاح خلف، فى شدة السعادة لهذا المعنى بالذات حتى تم تسليم قائمة الأسلحة إليهما».
كان عبد الناصر يعانى قبل الزيارة من آلام صحية نتيجة مضاعفات مرض السكر..تكشف زوجته السيدة «تحية كاظم» فى مذكراتها «ذكريات معه»: «شعر الرئيس بألم فى ساقه استمر لأشهر، ولم أره قلل من شغله أو استراح أبدا.. قابل السفير محمد عوض القونى فأخبره أنه كانت عنده الأعراض نفسها فى ساقه، وذهب إلى بلد فى الاتحاد السوفيتى حيث توجد مياه معدنية تعالج هذه الحالة ،وعمل حمامات لمدة ثلاثة أسابيع وشفى تماما بعد فترة وكررها فى العام الذى تلاه، وأصبح لا يشعر بتعب وقد مضت عدة سنوات».
يؤكد طبيبه الخاص الدكتور الصاوى حبيب فى مذكراته: «فى أواخر عام 1967 وبالتحديد فى أكتوبر، بدأ الرئيس عبدالناصر يعانى من آلام فى الساقين وأسفل الظهر، وكانت هذه الآلام تشتد ليلا نتيجة لمرض السكر»، يكشف حبيب عن زيارات أطباء مصريين وعالميين فى تخصصات مختلفة له لفحصه، ويؤكد: «فى أول يوليو سافر الرئيس إلى موسكو فى رحلة عمل، وكان اهتمام الروس بصحته كبيرا»..يضيف: «قام الدكتور إيفيجنى شازوف، أكبر أطباء القلب فى روسيا، والمسؤول عن علاج القادة السوفيت، ومعه اثنان من أساتذة الأمراض الباطنة بالكشف على الرئيس».
يتحدث شازوف عن ذلك تفصيلا فى مذكراته «الصحة والسلطة» إعداد وترجمة الدكتور إيمان يحيى، مؤكدا أن يوم 6 يوليو – مثل هذا اليوم –1968، كان أول لقاء مع الرئيس المصرى والأطباء الروس، فماذا حدث فيه؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة