فى يونيو الشهر الماضى أكثر المتفائلين داخل إيران استبعدوا وضع وزير الخارجية ، محمد جواد ظريف ، "ذو الميول الغربية والساعى للانفتاح على أمريكا" فى واشنطن فى نهاية الأمر على لائحة العقوبات، عندما فُرضت عقوبات على 8 من كبار قادة الحرس الثورى والمرشد آية الله على خامنئى، لكن فرض عقوبات على رأس الدبلوماسية الإيرانية خلق حالة من الصدمة فى الأوساط السياسية الإيرانية لاسيما فى تيار روحانى والمعتدلين، فالرجل كان يعوًل عليه فى الداخل حل الصراع الدائر مع واشنطن، عبر علاقاته الواسعة بالنخب السياسية فى واشنطن، وتغلغله فى دوائر صنع القرار الأمريكى.
رسميا حاول الرئيس حسن روحانى اخفاء غضبه، لأن ظريف يمكن وصفه بذراعه الدبلوماسى الذى يمده نحو الغرب، ووصف الخطوة بـ"عمل صبياني"، مذكرا الولايات المتحدة الأمريكية، التى تريد التفاوض مع إيران مجددا بأن "طريق المفاوضات مع طهران يمر عبر وزارة الخارجية الإيرانية ووزيرها محمد جواد ظريف"، وأضاف روحاني ، أن أمريكا تدعو إلى المفاوضات بينما تفرض عقوبات على وزير الخارجية وهذا أمر بعيد عن الحكمة، معتبرا في هذا السياق أن "أركان البيت الأبيض ترتعد من لقاءات ظريف الصحفية".
لعل العقوبات وضعت ظريف فى خانة واحدة مع آية الله على خامنئى، الذى طالته عقوبات هو الأخر فى 24 يونيو الماضى، ولم تفرق بين تياره الذى يبدى مرونة أمام الغرب وسياسة التشدد والصرامة فى التعامل مع واشنطن، والتى يتزعمها المرشد، لطالما لم يؤثر توجه ظريف فى الانصياع مجددا لطاولة مفاوضات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وأصبح أداة فى يد النظام لانتزاع ما يريده فقط، على نحو ما قال مسؤول أمريكي إن إدارة الرئيس ترامب ، لا تعتبر ظريف صانع قرار ولا تعتبره نقطة الاتصال الرئيسية فى محادثات محتملة وسترغب فى التواصل مع شخص له دور كبير فى صنع القرار.
ويمكن القول أن أولى تداعياتها هى تعزيز من مكانته بين المتشددين، الذين نعتوه بالخيانة فى 2015 عقب ابرام الاتفاق النووى، واتهموه بعدم مراعات الخطوط الحمراء التى حددها المرشد، فضلا عن صراعه الذى طفي مؤخرا على السطح، مع مؤسسة الحرس الثورى التى حاولت تهميش دوره ودور الخارجية فى فبراير 2019 أدت إلى تقديم استقالتة تراجع عنها، ورغم ذلك وعقب قرار واشنطن، ساند الحرس الثورى وزير الخارجية، وقال القرار فى بيان له بالخطوة السخيفة والحمقاء وغير المشروعة وقال أنه عمل غير قانوني ويهدف إلى زيادة الضغط السياسي والاقتصادي على إيران.
محمد جواد ظريف
أما فى الخارج يرى المراقبون أن العقوبات التى طالت وجه الدبلوماسية الضاحك -كما يصفه الإيرانيون، والضحكة التى تخفى خلفها قناع من الخبث والدهاء والمنفذ لأجندة المرشد كما يصفه خصومه فى الخارج-، فى رمزيتها تستهدف تقويض رأس الدبلوماسية الإيرانية الناعمة التى لا تمتلك أدوات صنع القرار، وتسد الطريق أمام انهاء الصراع مع الولايات المتحدة الامريكية، أكثر من كونها تستهدف أصول له داخل الولايات المتحدة، فبحسب ظريف ، فان العقوبات ليس لها تأثير عليه شخصيا أو على أسرته لأنه ليس لديه ممتلكات أو مصالح خارج إيران.
مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية لم يشير إلى مزيدا من التفاصل حول العقوبات، فيما عدا تجميد أي أصول له بالولايات المتحدة أو التي تسيطر عليها كيانات أمريكية، والسعى للحد من الرحلات الدولية للوزير الإيرانى، لكن ما تخشاه إيران أن يكون لها تداعيات خطيرة على تحركات الرجل الذى لا يهدأ، فقد يتم منعه من السفر إلى واشنطن، بل ويمنع من المشاركة فى الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة، وقد يمتد الأمر لمعاقبة وسائل الاعلام التى تستضيفه أو يظهر على شاشاتها وتمنحه أبواقها.
النتيجة الأخطر التى تخشاها طهران للعقوبات على مهندس الصفقة النووية، أن تؤثر عقوباته على محاولات انقاذ الاتفاق، وتكون المسمار الاخير فى نعشه، ويواجه ظريف ، الحد من رحلاته الدولية، فقد تمنعه من دخول بعض البلدان، وتحد من تعامل الأوروبيين معه، لكن سارعت المفوضية الاوروبية لطمأنة الفريق النووى الايرانى الذى يترأسه، وقالت فى بيان "نأسف لهذا القرار. ومن جانبنا، سنواصل العمل مع ظريف كأعلى دبلوماسي إيراني، بالنظر إلى أهمية الحفاظ على القنوات الدبلوماسية ".