لا تخلو زيارات ضيوف الرحمن أثناء تواجدهم في الأراضي المقدسة من زيارة "البقيع" بالمدينة المنورة، تلك المقابر التي تقع بالقرب من المسجد النبوي، والتي استقبلت رفات عددا من الصحابة والصالحين.
"بقيع الغرقد" وان كانت تعتبر مزار عام لضيوف الرحمن، إلا أنها تمثل لي مقصداً له خصوصية يجب زيارته، ولما لا وقد توارى جثمان جدي العلامة الفاضل "الشيخ عمر عبد الراضي" في هذا المكان الطاهر النقي.
جدنا الشيخ " عمر عبد الراضي" أحد أهم علماء الأزهر الشريف، الذي ذاع صيته في الجنوب بصعيدنا الطيب، حيث كان يأتي اليه المواطنون للحصول على العلم والفتوى من كل مكان.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما كان له "عامود" بالجامع الأزهر ، يأتي اليه طلاب العلم من كل حدب وصوب، ليتلقوا أصول الفقه والحديث والتفسير والسيرة من هذا العالم الجليل بشوش الوجه طيب اللسان.
تحدث جدنا العلامة الفاضل لأجدادي عن رغبته في الحج، وعندما ارتدى ملابس الإحرام وخرجوا معه ليودعوه، أكد لهم بأنه ربما يكون الوداع الأخير، فيراوده شعوراً بأن الأجل قد حان، وأن فصل النهاية ربما يكون في البقيع.
ربما لم يبالي أجدادي وقتها بحديث الشيخ، واعتبروه جزء من فرحته الغامرة برحلة الحج، لكن كان للرجل ما تمنى، فقد فاضت روحه الكريمة في مدينة رسول الله، ليدفن في البقيع كما تمنى من قبل.
وفِي مشهد إيماني خالص، وقف شيخنا وجدنا "عمر عبد الراضي" إماما بالحجاج في أحد بقاع المدينة، يقرأ قوله تعالى " في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر" وبعد الركوع ثم السجود، ارتقت روحه الكريمة لربها.
إن العظماء لا يموتون ، والشيخ "عمر عبد الراضي" كان عظيما في قلوب الناس، فموعدنا معه في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أزور اليوم البقيع ولي هنا حبيب وجد فاضل ، دفن جسده مع الصحابة والصالحين، منهم ذو النورين عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين ،وبعض أمهات المؤمنين زوجات النبي و ابنته فاطمة الزهراء، وابنه إبراهيم، وعمه العباس، وعمته صفية، وحفيده الحسن بن علي، وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق والصالحين والزائرين لمدينة رسول الله.