ترتفع وتيرة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كأكبر اقتصادين على مستوى العالم، فبين رفع للتعريفة الجمركية من ناحية، وحظر استيراد لبعض السلع من ناحية أخرى تزايدت تقلبات الأسواق مع قلق التجار والمستثمرين، وتوقعات بأن تدفع هذه التوترات الاقتصاد العالمى لمزيد من التباطؤ بتراجع النمو والصادرات والاستثمارات، وانخفاض طلب المستهلكين للسلع والخدمات.
ومع استمرار حالة التوتر واتخاذ إجراءات عقابية من طرف برد فعل مماثل، أو أكبر، من طرف آخر تتباطأ فرص التسوية وتتزايد احتمالات الولوج فى حرب تجارية كاملة العناصر، خاصة مع تبادل الاتهامات بالتلاعب فى قيم سعر الصرف إيذاناً بإشعال حرب أخرى فى جبهة أخرى فيما يُعرف بحرب العملات، ولكن ما هى الآثار الاقتصادية المتوقعة لتلك الحرب وكيف ننجح فى استثمارها؟
توقع محسن عادل الخبير الاقتصادى، أن تتأثر الدول النامية بالحرب التجارية سلباً على المدى الطويل ومنها مصر على مستوى تراجع تدفقات رؤوس الأموال والاستثمار فيها من أجل التصدير للدول الأخرى، كما أن الصادرات المصرية نفسها قد تتأثر سلبا مع تطورات الأحداث على المدى الطويل وزيادة الإجراءات التى تتخذها كل دولة لزيادة جاذبية منتجاتها وفرض جمارك على الواردات، فى الوقت الذى كان أحد أهم أهداف الإصلاح الاقتصادى وتحرير سعر الصرف زيادة جاذبية الصادرات المصرية.
وأضاف عادل، لـ"اليوم السابع"، وقد تتأثر الواردات أيضا فى حال استمرار الإجراءات الأمريكية الصينية على المدى الطويل، فمثلا أى منتجات تستوردها مصر من الولايات المتحدة ويدخل فيها مكونات إنتاج صينية، سترتفع تكلفتها على مصر، كما أن أسواق الأوراق المالية والعملات العالمية قد تتأثر وبالتالى ستكون لها انعكاساتها على بقية الدول.
وحدد عادل، عدداً من المقترحات لتجاوز آثار هذه الحرب، ومنها ضرورة تكثيف الجهود الترويجية لدعوة المستثمرين فى تلك الدول للاستثمار فى مصر بهدف التصدير، حيث أن هذه الحرب تشكل فرصة هامة لاستمرار دخول صادراتهم نظراً لعدم خضوع المنتجات المصرية لتلك الإجراءات الحمائية وكذا الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة المبرمة بين مصر ومعظم هذه الدول.
وطالب عادل، بالتركيز على دعوة الشركات الصينية للاستثمار فى الصناعات كثيفة العمالة مثل: صناعات الغزل والنسيج ومكونات السيارات والأجهزة المنزلية ( الصناعات الهندسية) بما يساهم فى توفير المزيد من فرص العمل، وكذلك زيادة الصادرات المصرية مع وضع استراتيجية زمنية لرفع جودة المنتجات المصرية والالتزام بالمعايير المطبقة بتلك الدول حتى يتسنى تصعيد الصادرات المصرية وزيادة تنافسيتها عالمياً.
وأشار عادل، إلى أن هذه الحرب التجارية تتيح فرص لتوطين الاستثمارات فى مصر فى إطار مبادرة حزام وطريق التى أطلقها الرئيس الصينى عام 2013 والتى تقوم بشكل أساسى على إعادة إحياء طريق الحرير القديم، وإنشاء شبكة من المشروعات اللوجستية التى تربط بين الصين وشرق أوروبا وشمال أفريقيا، وكذلك الاستفادة من مبادرة الصين تجاه إفريقيا والتى تقوم بموجبها الحكومة الصينية للاستثمار بتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار فى إفريقيا ومنها مصر وتوفر الحكومة الصينية آليات التمويل المختلفة لتلك الشركات، لتيسير أعمالها من خلال بنك التنمية الصينى، صندوق التنمية الصينى الإفريقى والبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية.
ولفت عادل، إلى أن كافة الدول التى لديها تعاملات تجارية مع الصين والولايات المتحدة سوق تتأثر من تلك الحرب نتيجة انخفاض حركة التجارة بينهم وارتفاع أسعار معظم السلع مما يعطى فرصة لإعادة هيكلة خريطة سلاسل الإمداد العالمية والتى كانت ترتكز بشكل أساسى فى الصين معتمدة فى ذلك على التكنولوجيا الأمريكية، وبالتالى من الممكن أن تستغل مصر موقعها الاستراتيجى وخاصة منطقة محور قناة السويس لجذب العديد من الشركات الصينية وكذلك العالمية التى تبحث عن موقع جديد لتوطين استثماراتها وخطوط إنتاجها، يكون أكثر أماناً لتفادى العقوبات الجمركية التى تفرضها الولايات المتحدة وهو ما يتيح الترويج لجذب الشركات الصينية والعالمية المتضررة من الحرب الاقتصادية وتشجيعها على الاستثمار فى مصر مما يتسق مع اتجاه الحكومة المصرية نحو تشجيع الإنتاج لزيادة الصادرات وإحلال الواردات لتعويض الفجوة فى الميزان التجارى بين مصر والصين.
واختتم عادل حديثه قائلا: إن الوضع الحالى هو دعوة للاستيقاظ والحذر فنحن فى مرحلة نمو ضعيفة لكن لم نشهد ركودًا، والذى يمكن تجنبه إذا اتخذنا التدابير اللازمة، حيث أن حرب العين بالعين التى تخوضها واشنطن وبكين تشكل أكبر عقبة أمام انتشار العولمة، والتى كانت السمة المميزة للاقتصاد العالمى فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة