كان جمال عبدالناصر فى الإسكندرية يوم 21 أغسطس، مثل هذا اليوم، عام 1965، ومنها ركب طائرة إلى ميناء برنيس على البحر الأحمر، وفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار-1967»، مضيفا: «كانت الباخرة الحرية فى انتظاره لتنقله وأعضاء الوفد المرافق له عبر البحر فى خط مستقيم إلى جدة».
كان الزيارة إلى السعودية، وكان موضوعها الرئيسى محاولة تسوية الخلافات بين مصر والسعودية بشأن الأزمة اليمنية، وحسب هيكل: «كان جمال عبد الناصر يتصور أن مسافة الخلاف الموضوعى بينه وبين الملك فيصل، فى شأن اليمن ليست هى صميم القضية، ولكن صميم القضية هو: الشكوك المترسبة فى النفوس أولا، ثم جهود جماعات المستفيدين من معركة اليمن وهم تحالف بالغ القوة يضم عددا من أجهزة المخابرات الغربية، إلى جانب إسرائيل وإيران، إلى جانب ثلاثى تجار السلاح وسماسرة البترول ورجال المخابرات المختلفة من بين العرب».
يذكر هيكل، أن عبدالناصر شده التفاؤل فى بعض اللحظات وتصور أن هناك صراعا يدور حول روح وضمير الملك فيصل، وأنه إما أن يأخذه من التحالف الإقليمى الدولى الذى يحيط به، وإما أن يتركه لهم ويواجه النتائج، وأحس عبدالناصر، أنه ربما يستطيع أن يدخل هذه المنافسة على روح وضمير الملك فيصل، ويخرج منها بتفاهم يحتفظ بالأوضاع فى العالم العربى تحت السيطرة العربية بدلا من أن تظل المنطقة منفلتة، كما تبدو الآن، فى طريقها بأقصى سرعة ممكنة إلى صدام تظهر بوادره، وإن ظلت خافية مخططاته الدقيقة وتفاصيلها».
يكشف هيكل مقدمات هذه الزيارة، وأهمها قراءة عبد الناصر لتقرير رفعه ممثله الشخصى «حسن صبرى الخولى» عن مقابلة دارت بينه وبين السفير السعودى فى القاهرة، وفيه كتب «الخولى»: «أثناء تواجدى فى المطار لاستقبال الرئيس اللبنانى شارل الحلو تقابلت مع السفير السعودى محمد على الرضا، وعدنا سويا إلى مكتبى، حيث اجتمعنا لمدة ساعتين وربع، وبعد مناقشات طويلة حول ما تقوم به السعودية فى الوقت الحاضر، سواء بالنسبة لليمن أو بالنسبة للجنوب اليمنى أو الخليج، أو حتى داخل المملكة السعودية من أمور معادية للجمهورية العربية المتحدة، اعترف السفير بأن الملك فيصل غير مطمئن لموقفنا، وتحدثنا فى عدد من الاقتراحات المحددة، وكان تقدير السفير أن هذه المقترحات يمكن أن يوافق عليها الملك لو عرضها هو شخصيا».
يؤكد هيكل، أنه فى مساء نفس اليوم دعا «الخولى» لمقابلة الرئيس الذى شجعه على مواصلة الاتصال بالسفير السعودى، وبوكيل وزارة الخارجية السعودية «عمر السقاف»، وهو يعرف أن بين الاثنين صداقة، كما أن «السقاف» من أقرب الناس وقتها إلى تفكير الملك فيصل.. يضيف هيكل: «كان رأى جمال عبد الناصر أن يكون هدف تحرك حسن صبرى الخولى، هو العمل على ترتيب لقاء مباشر بينه وبين الملك فيصل، ذلك أنه إذا كان هناك أمل فى تفاهم فإن الملك فيصل، لن يطمئن إلا إذا تم التفاهم بينه وبينى».
يضيف هيكل: «تم وضع السفير المصرى فى جدة يحيى عبد القادر، فى صورة الاتصالات الجارية فى القاهرة حتى يستطيع متابعة التطورات من جانبه، وكتب «عبد القادر» من جدة يقول: أريد أن أذكركم بنقطة هامة وهى أن السيد الرئيس سوف يلقى كالعادة يوم 23 يوليو «عيد الثورة» خطابه السنوى المنتظر، ولابد من ملاحظة أن خطاب هذه السنة سوف يقرأ فى الرياض بعناية شديدة، والمحتمل أن يقرأه البعض بسوء نية ويجدوا فيه أشياء لم يقصدها الرئيس».. يؤكد هيكل: «تقرر تعزيز الاتصالات برحلة يقوم بها حسن صبرى الخولى مباشرة إلى الرياض لمقابلة الملك فيصل، والسماع منه، وأخيرا أمكن ترتيب اللقاء بين الاثنين».
يذكر الكاتب الصحفى عبد الله إمام فى كتابه «عبد الناصر والحملة الظالمة» رواية «الخولى» حول الحدث.. يقول الخولى: «فى بداية صيف 1965، استدعانى الرئيس عبد الناصر وطلب منى السفر إلى السعودية، لأنه قرر أن يقابل الملك فيصل لإنهاء حرب اليمن، وكان علىَّ أن أرتب هذا اللقاء، وكان الملك فى الطائف، وذهبت إليه واقترحت أن يكون مكان اللقاء مطار رأس بناس، باعتباره أقرب بقعة مصرية للأراضى السعودية».. يتذكر «الخولى»: قلت ضاحكا للملك فيصل: يقولون إن الطائرات المهاجمة تخرج من مطار رأس بناس، فلماذا لا نجعله منطقة للقاء بينكما؟. رد الملك فيصل: ولماذا نلتقى فى رأس بناس؟ سوف أذهب إلى عبد الناصر فى الإسكندرية.
يتذكر الخولى رد فعل عبد الناصر، على كلام فيصل: عدت إلى الإسكندرية وقلت للرئيس عبد الناصر: سيحضر إلى هنا ليلتقيك، قام عبد الناصر ليتمشى على الشاطئ دقائق، ثم عاد ليقول: أنا ذاهب إلى الملك فيصل فى جدة.. أخطرهم هناك وتصرف على هذا الأساس..فنحن نريد إنهاء الحرب.. يؤكد الخولى: عدت للطائف حيث وجدت ترحيبا شديدا بزيارة عبد الناصر.
وتحركت الباخرة الحرية من «برنيس» إلى جدة، وحملت الزيارة مفاجآت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة