عندما نطالع كتب التاريخ، نجد العديد من وقائع الخيانة التى كانت سببا فى احتلال مصر وقتل حكمها، ولعل فترة المماليك كانت إحدى فترات الحكم على مصر التى شهدت العديد من وقائع الخيانة واغتيال الحكام، طمعا فى سلطة ومال، ومن بينها ما حدث فى معركة مرج دابق بين المماليك والعثمانين.
وتمر اليوم الذكرى الـ503، على وقوع معركة مرج دابق بين العثمانيين والمماليك قرب حلب في سوريا، حيث قاد العثمانيين السلطان سليم الأول وقاد المماليك قنصوه الغورى، تمزق جيش المماليك بسبب الخيانة وبسبب المدافع العثمانية التي لم يهتم المماليك بإدخالها في جيوشهم، وبسبب الفارق العددي البشري بين الجيشين.
وبحسب كتاب " جمهورية الفوضى: قصة انحسار الوطن و انكسار المواطن" للكاتب ياسر ثابت، فالخيانة كانت السبب الرئيسى للاحتلال العثمانى لمصر، فهزيمة قنصوه الغورى فى مرج دابق، ومن ثم هزيمة طومان باى فى الريدانية مردهما إلى الخيانة فى صفوف المماليك، خيانة خاير بك وخيانة الأمير جان بردى الغزالى.
وأكد المؤلف أن خاير بك كان خائنا لسلطانه الغورى، وأنه انسحب من ميدان المعركة ليمكن القوات العثمانية من اختراق صفوف الجيش المملوكى، وقد قبض خاير بك ثمن خيانته فأصبح واليا على مصر من قبل العثمانين، ونال "مكافأته" من الشعب المصرى عندما اسماه الناس من يومها "خاين بك".
الأمير خاير بك الچركسي أحد أمراء المماليك الچراكسة، وهو أول حاكم لمصر تحت السلطة العثمانية وآخر وال مملوكي في حلب، ولد خاير بك لأب يدعى ملباى الچركسي من أصل أبخازى، وكانت بدايته عندما قدمه أبوه إلى السلطان الأشرف قايتباى فتدرج في المناصب الحربية حتى وصل إلى رتبة حاجب الحجاب في عهد السلطان قنصوه الغوري الذي عينه بعد ذلك نائبا له في حلب عام 1504م - 901 هجريا والتي ظل نائبا بها حتى عام 1516م - 922 هجرية.
ويوضح كتاب " البحر الأحمر في الاستراتيجيا العثمانية (1517-1801)، أن موقف المماليك فى معركة مرج دابق كان عظيم الخطورة بسبب خيانة خاير بك، نائب الشام، الذى كان يتبادل المراسلات مع السلطان سليم سرا فى الوقت الذى كان سيباى، نائب الشام "لقب حاكم دمشق"، تعوزه ثقة الغورى التى وضعها فى خاير بك على الرغم من أن سيباى كان الرجل الذى يمكن أن ينقذ سلطنة المماليك من محنتها، إذ أن خطته تتمثل فى أن يقوم الغورى بتطهير صفوفه من الخونة أمثال خاير بك، وكان سياى على علم بخيانته ثم يعود الغورى إلى مصر، ويتولى سيباى قيادة جيش المماليك ومواجهة العثمانيين مع أعوانه نواب الشام، لكن الغورى كان يشك فى نياته، ويظن، بغير حق أن يطمع فى سلطنة المماليك.
وأوضح الكاتب أن سيباى ألح على الغورى كثيرا، لكن الأخير كان يصم أذنيه دائما عن نصائحه، حتى أن سيباى قام فى ذات مرة أثناء حضرة السلطان والامراء المماليك، وأمسك بتلابيب خاير بك، وجره امام السلطان، وقال: يا مولانا السلطان، إذا أردت الله أن ينصرك على عدوك فاقتل هذا الخائن"، وتردد الغورى وتدخل جان بردى الغزالى وأقنعه أن قتل خاير يؤدى إلى تفرقة كلمة المماليك.
وفى المعركة ورغم تفوق المماليك فى بدايتها، لكن خيانة خاير بك، كان لها دورا مهمة فى الهزيمة، إذ كان يعمل علنا لمصلحة العثمانين، واتضح بعد ذلك أن جان بردى الغزالى أيضا كان متواطئا هو الآخر مع العثمانيين فى مرج دابق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة