نجيب محفوظ روائى واقعى بامتياز، يستطيع من خلال كتابته رسم صور كثيرة من الواقع، ويضع عليها لمسته البديعة، ليجسد لنا واقعيته السحرية فى عالم الأدب، لذا فمن المؤكد أن صاحب "الثلاثية" كان له العديد من الشخصيات والحكايات الواقعية التى استلهم منها فى أعماله، وكان هناك شخصيات أثروا فيه، فكانوا جزء من كتابته فى الرواية والقصة.
ومن هؤلاء كان المفكر الإخوانى سيد قطب، الذى تحل هذه الأيام ذكرى إعدامه الـ53، إذ تم تنفيذ حكم إعدامه فى 29 أغسطس عام 1966، وتأتى بالتزامن مع ذكرى رحيل الأديب العالمى الكبير نجيب محفوظ، والذى غاب عن عالمنا منذ 13 عاما فى 30 أغسطس عام 2006، حيث ارتبط الرجلين فى بداية مسيرتهما، حيث كان "قطب" من أوائل من قدموا أدب نجيب محفوظ.
ولعل الكثير يذكر شخصية "عبد الوهاب إسماعيل" فى رواية "المرايا" ومدى التشابه الذى لمسه البعض بينها وبين شخصية سيد قطب، لكن هل قصد فعلا صاحب نوبل فى الآداب لعام 1988م، سيد قطب من خلال تناوله شخصية "عبد الوهاب إسماعيل" فى المرايا" أم أنه مجرد تشابه جاء فى خيال أديب نوبل.
وبحسب مقال للكاتب الكبير الراحل صلاح عيسى تحت عنوان "سيد قطب فى مرايا نجيب محفوظ" فإن الخطوط العامة لسيرة حياة "عبد الوهاب إسماعيل" ـ وهو الاسم الذى يظهر به "سيد قطب" فى مرايا "نجيب محفوظ" ـ لا تكاد تختلف مع المعروف عن سيرة "سيد قطب".. ابتداء من عينيه الجاحظتين الحادتين اللتين لم يسترح لهما المؤلف حين تعرف عليه فى أحد الصالونات الأدبية أثناء الحرب العظمى الثانية، وحتى عمله كمدرس للغة العربية، ونشره لفصول فى النقد وقصائد من الشعر التقليدى فى المجلات الأدبية، إلى اعتلال صحته، ومن تعاطفه مع الوفد إلى انشقاقه عنه.
الكاتب الصحفى إبراهيم عبد العزيز، ذكر فى كتابه "ليالى نجيب محفوظ فى شبرد: الجزء الأول"، أن حوارا دار بين نجيب محفوظ وإحدى صديقاته حيث سألته الأخيرة عن حول مدى تعصب سيد القطب، خاصة أنه ذكره بهذا الوصف فى "المرايا" لكن الأديب العالمى نفى ذلك، وقال: "فى المرايا مفيش اسم سيد قطب".
محفوظ وإن أخفى حقيقة إن كان سيد قطب هو المقصود بعبد الوهاب إسماعيل فى رواية "المرايا" لكنه لم يخفى أبدا علاقته بالإخوانى الراحل، فيذكر الكاتب الصحفى محمد شعير فى كتابه "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" وصف نجيب محفوظ لانطباعاته عن لقائه الأخير مع سيد قطب بأنه "فقد قدرته على الابتسام، عندما مضى فى طريق آخر يكفر فيه المجتمع"، وفى آخر لقاء جمع بين الاثنين، الذى حدث حينما زار نجيب محفوظ – حسبما يذكر محمد شعير – سيد قطب فى بيته فى حلوان بعد خروجه من السجن، وقبل عام من إعدامه، وقال أيضا: لقد رأيت أمامى إنسانا آخر.. حاد التفكير.. متطرف الرأى.. يرى أن المجتمع عاد إلى الجاهلية الأولى وأنه مجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله، انطلاقا من فكرة الحاكمية لا حكم إلا الله، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلى تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب؟.
من جانبه قال الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى الحديث، بكلية الآداب جامعة القاهرة، إنه رغم أن رواية "المرايا" تتناول عددا من الشخصيات، بطريقة تسمح لقراء هذه الرواية بأن يفكروا فى شخصيات واقعية، أو شخصيات لها وجود مرجعى فى الفترة التى تناولتها هذه الرواية، رغم هذا يمكن القول بأن هناك اختلافات ممكنة دائما بين الحقيقة الرواية والحقيقة التاريخية المرجعية، وعلى ذلك يستطيع القراء أن يقارنوا بين بعض شخصيات هذه الرواية وشخصيات كان حضور فى عالم نجيب محفوظ، ومنه شخصية "عبد الوهاب إسماعيل" التى تلتقى فى بعض الملامح مع شخصية سيد قطب.
وأضاف "حمودة"، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، وطبعا فمن المعروف أن سيد قطب من أوائل من كتبوا عن نجيب محفوظ، وذلك فى فترة مبكرة جدا فى مسيرة "محفوظ" ومسيرة "قطب" نفسه، قبل تحولاته الدرامية الغربية والمفاجأة، التى اعقبت سفره إلى الولايات المتحدة.
وأوضح الدكتور حسين حمودة، ومن الغريب أن سيد قطب بعد خروجه من السجن، وطبعا قبل إعدامه، كان من الصعب على من عرفوه الاتصال به لأنه كان مراقب، ولكن "نجيب" الذى ظل يشعر بالجميل تجاه، غامر ليس بالاتصال به فقظ بل بزيارته بضاحية حلوان فى بداية الأزمة.
وأتم "حمودة" وقد ظل "نجيب"، خارج الكتابة، وحتى فترة متأخرة من حياته يشعر بـ"التحسر" على سيد قطب الذى تحول هذه التحولات، لأنه كان يرى فيه ناقدا موهبا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة