الطريق إلى "الضبعة" يبدأ من لينينجراد "1-2".. تفاصيل رحلة "اليوم السابع" إلى مدينة النووى.. وإجراءات التأمين وتدابير مواجهة التسرب الإشعاعى فى سوسنوفى بور .. محطات الرصد تحمى سكان المدينة وتتنبأ بالمخاطر
الثلاثاء، 06 أغسطس 2019 11:00 ص
لينينجراد
لينينجراد - محمد أحمد طنطاوى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- منطقة المفاعل محظور دخولها للأجانب قبل الحصول على تصاريح خاصة من الأجهزة الأمنية
- 3 معاهد بحثية تخدم تطوير التصميمات فى تكنولوجيا التطبيقات النووية
- 60 عاما العمر الفعلى للمفاعلات التى تبنيها مصر وتعتبر الأعلى عالميا فى معايير الأمان النووى
- 4 مفاعلات يضمها مشروع المحطة النووية بالضبعة تنتج طاقة بمقدار 4800 ميجا وات تمثل حوالى 10% من إجمالى الطاقة الكهربائية المنتجة فى مصر
- 20% نسبة المشاركة المحلية بدءا من الوحدة الأولى التى تم الاتفاق مع الجانب الروسى عليها وتزداد حتى تصل إلى نسبة 35% فى الوحدة الرابعة
على مدى أكثر من 60 عاما، ظل إنشاء محطة نووية، حلما يراود مصر، وينتظر شعبها لحظة تحقيقه، وعلى الرغم من أن الرئيس جمال عبد الناصر، تنبه لأهمية الطاقة النووية، وكانت له رؤية مستقبلية مبكرة جدا نحو هذا الحلم، إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية حالت دون استكمال هذا المشروع، وجاء فى مقدمة هذه الظروف دخول مصر فى سلسة حروب منذ منتصف الخمسينيات، حتى انتصار أكتوبر 1973، مما تسبب فى تعثر المشروع الذى اختفى تماما فى عهد الرئيس السادات، ثم عاد مرة أخرى مع مبارك، دون أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لتنفيذه.
ومع الرئيس عبدالفتاح السيسى دقت ساعة تحقيق الحلم، مع توقيع عقود اتفاق مع الجانب الروسى، وإجراءات حقيقية على الأرض لتنفيذ هذا المشروع الواعد الذى تدخل مصر من خلاله النادى النووى العالمى، كأول دولة فى المنطقة العربية تبنى مفاعل نووى من طراز “VVER -1200”، الذى يعتبر نموذجا فى معدلات الأمان النووى وإنتاج الكهرباء.
«اليوم السابع» زارت محطة لينينجىراد النووية فى مدينة سوسنوفى بور على الخليج الفنلندى، وهى المحطة التى تحاكى محطة الضبعة المصرية، وكان لنا جولات وزيارات للعديد من المناطق نرصد تفاصيلها كاملة فى السطور التالية:
البداية كانت من منتدى أتوم إكسبو سوتشى 2019 الذى تنظمه مؤسسة روساتوم العالمية لشركات الطاقة على مستوى العالم، لعرض الجديد فى مجال تكنولوجيا الطاقة النووية، وما يتصل بها من صناعات أخرى، وخلاله التقينا مع عمدة مدينة جرجين التى يوجد بها مفاعل نووى، المعروف باسم «مفاعل باكش»، نظرا لوجوده ضمن مقاطعة باكش المجرية، للتعرف على تجربة هذه المدينة، وكيف قابل سكانها فكرة بناء مفاعل نووى ؟ وما فرص العمل والاستثمار التى خلقها لهم؟ وكيف نستفيذ من ذلك فى مدينة الضبعة المصرية.
خاطبنا مؤسسة روساتوم الروسية من أجل إتاحة الفرصة للتعرف على مفاعل «باكش» المجرى، وكيف يمكن أن تؤثر تجربته فى الحالة المصرية، خاصة أن مصر بدأت مراحل التخطيط والإعداد لبناء المحطة النووية فى الضبعة.. الرد لم يستغرق طويلا، وبعد عدة أيام جاءت الموافقة على المعايشة الصحفية من داخل محطة نووية، لكن ليست فى المجر، بل فى محطة لينينجراد الروسية، التى تضم أحدث المفاعلات النووية فى روسيا وهو مفاعل الماء المضغوط من الجيل الثالث المطور، والمقرر بناؤه بمحطة الضبعة المصرية، بما يعنى أن المفاعل المصرى سيكون صورة طبق الأصل من نظيره فى لينينجراد.
تبعد المحطة النووية عن العاصمة الروسية موسكو أكثر من 700 كيلو متر مربع، وتقع فى الشمال الغربى لروسيا، وتطل على الخليج الفنلدنى، بما يؤهلها لعمل مسابقة دولية لصيد الأسماك من مياه الخليج بجوار المحطة النووية، الذين بلغ عدد المشاركين فيها ست دول بينهم مصر التى فازت بالمركز الأول خلال اليومين الماضيين.
الزيارة بدأت من العاصمة موسكو التى يقع بها المقر الرئيسى لمؤسسة روساتوم العالمية، ومجموعة التحالفات والشركات التابعة لها فى روسيا، وكانت الجولة الأولى من شركة أتوم ستروى إكسبو التى تعد أحد عمالقة الإنشاءات النووية فى العالم، وتعتبر بمثابة القسم الهندسى لمؤسسة روساتوم العالمية، وهى المسؤولة عن بناء محطة الضبعة النووية، وكل ما يتعلق بالإنشاءات الهندسية فيها، المنتظر أن تتكون من 4 مفاعلات ويبدأ تشغيلها فى عام 2026، وتمثل نحو30 % من السوق العالمية لبناء المحطات النووية فى العالم ولديها حافظة أعمال تضم 31 محطة طاقة نووية منها 4 داخل الاتحاد الروسى، و27 مفاعلا فى 11 دولة حول العالم، وقد بلغ حجم أعمالها نحو83.8 مليار دولار خلال عام 2019، أى ما يعادل 1.4 تريليون جنيه مصرى تقريبا.
الأجواء فى «أتوم استروى» كانت هادئة تماما، فلا توجد أعداد كبيرة من الموظفين أو شركات أمن وحراسة تحيط بالمبنى، أو أسلاك شائكة أو إجراءات تفتيش صارمة، التقينا بكبير المهندسين فى قسم التنفيذ الخارجى والترويج التكنولوجى فى الشركة «الكسندر فولكوف»، الذى قدم عرضا عن أنشطتها فى بناء المفاعلات النووية، ثم انتقل إلى الحديث بصورة مفصلة عن تكنولوجيا «مالتى دى» أو الأبعاد المتعددة التى تعتبر المرجعية الأساسية التى يتم من خلالها تأسيس وإنشاء المحطات النووية، لدرجة أن كل ساعة فى عمر بناء المفاعل النووى، يستغرق 6 سنوات، مسجلة ضمن هذه التكنولوجيا، وتحتوى على أكثر من مليون جدول زمنى وأمر تنفيذ لابد من الانتهاء منها جميعا خلال مرحلة تجهيز المفاعل النووى، وهذه التقنية مصممة لتفادى أى أخطاء خلال مراحل التصميم أو التنفيذ، خاصة أن العمل فى مجال بناء المحطات النووية لا يقبل أى نسبة خطأ، وهو ما أكده «ألكسندر فولكوف» الذى أوضح أن «صنابير المياه»، وشكلها ونوعها والشركة الموردة لها موجود فى جداول تكنووجيا مالتى دى.
مسؤول الشركة الروسية التى تصمم محطة الضبعة النووية، أكد أن إنشاء محطة طاقة نووية ليس مجرد مبنى عادى أو ألواح خرسانية ضخمة ومئات الأطنان من الصلب ومواد البناء، بل عملية معقدة جدا ترتبط بصورة أساسية بما تحققه من معادلة الأمان النووى الذى يعتبر العامل الرئيسى لبناء محطة نووية، وبدونه لن يتحقق شىء.
«فولكوف» كشف أيضا أنه دائما ما يتم بناء أكثر من مفاعل نووى فى مكان واحد، من أجل الاستفادة من طبيعة المكان والدرسات التى تم إجراؤها من قبل، بالإضافة إلى الخبرات التى تم اكتسابها من المفاعل الأول، وكذلك نقطة مهمة مرتبطة بتقبل السكان فكرة بناء محطات جديدة، حيث إن هذا القرار يخلق الكثير من فرص العمل، ويزيد من معدلات الاستثمار، المزيد من التطور لهذه المدينة، لذلك تحرص شركته على معرفة كل تفاصيل المكان صغيرة كانت أو كبيرة حتى يتمكنوا من البناء عليها، ووضعها فى السياق الصحيح خلال مراحل التأسيس والبناء وصولا إلى مرحلة التشغيل.
العديد من التفاصيل تحدث فيها المسؤول الروسى بشركة أتوم ستروى، أهمها أن تطوير التصميمات والابتكار الهندسى فى مجال بناء المفاعلات النووية لا يتوقف، وهناك 3 معاهد بحثية، تتولى بصورة مستمرة التصميم والإعداد لكل ما هو جديد فى تكنولوجيا التطبيقات النووية، أولها فى موسكو، والثانى فى مدينة «نيجى نوف جراد»، التى تقع على نهر الفولجا، والثالث فى مدينة سان بطرسبورج، وقد أكد أن المهمة الرئيسية للشركة توفير خدمات إدارة المشروعات وتحديث المنشآت الهندسية المعقدة، مثل تصميم وبناء المحطات، الحديثة التى تعمل بتكنولوجيا متطورة جدا فى مجال الأمان النووى.
فى الجزء الأخير من مقابلة «ألكسندر فولكوف»، أكد أن كل ما يخص الأمان النووى لا يمكن أن يتم وضعه على «التابليت» أو «اللاب توب»، خاصة كل ما يتعلق بالتصميم والجداول الزمنية المرتبطة بالتكنولوجيا متعددة الأبعاد، نظرا لخطورة ذلك على إجراءات الأمن والسلامة التى يتم اتباعها، لذلك يتم الاعتماد على التصميمات الورقية فى مراحل البناء والإعداد، ويتم فصل كل أجهزة الإنترنت والواى فاى واللاب توب، فى بداية عمل المحطة حتى لا تؤثر على مسار العمل، وإتماما لسلامة الإجراءات التى يتم استخدامها داخل المحطة النووية.
تتميز معظم الشركات الحكومية فى روسيا بأن لديها مطاعم كبيرة لكل الفنيين والعمال والموظفين، إذ يتم فيها تقديم وجبات ساخنة بأسعار مخفضة عن المطاعم الخارجية، ويصطف الجميع فى طابور طويل الساعة الواحدة ظهرا لتناول وجبة الغداء، بصورة لافتة للانتباه داخل شركة «أتوم استروى».
توجد المحطة النووية فى مدينة سوسنوفى بور التى تقع على الخليج الفنلندى، ضمن مقاطعة لينينجراد، وجميع هذه المناطق تقع فى حدود مدينة سان بطرسبورج، وهى محل ميلاد الرئيس الروسى الحالى فلاديمير بوتن، وعاش فيها طفولته وتلقى تعليمه الأساسى هناك.
الطريق إلى سان بطرسبورج يستغرق نحو ساعة و20 دقيقة تقريبا من مطار موسكو، بينما هذه المسافة يقطعها القطار السريع إلى هناك فى 4 ساعات، وتزيد عن 700 كيلو متر، من مطار بولكوفا الدولى فى المدينة التى يتوسطها نهر نيفا التى يتخللها بعض المناطق السياحية الشهيرة مثل مدينة بيترجوف، التى تعتبر بمثابة متحف مفتوح للتاريخ الروسى، يحكى ما قدمته هذه المدينة للحضارة والعمارة الروسية، على مدار العقود الماضية، وكيف كانت محورا لصراع بين الروس وقبائل الفايكنج، حتى استطاع الروس هزيمتهم مع الملك بيتر العظيم، قيصر روسيا الخامس، وهو المؤسس لمدينة سان بطرسبوج، وله دور كبير فى نهضة روسيا خلال القرن السابع عشر.
تبعد مدينة بيترجوف، عن المدينة النووية «سوسنوفى بور»، بحوالى 80 كيلو مترا من قصرالملك بيتر العظيم التى يحظر دخولها على الأجانب إلا من خلال تصريح مسبق من الأجهزة الأمنية الروسية، لارتباطها بالأنشطة النووية، وتعتبر شبه مغلقة على السكان الموجودين بها، الذين يصل عددهم إلى 68 ألف شخص تقريبا، يعمل أغلبهم فى المحطة النووية وما يرتبط بها من صناعات وأنشطة.
بعد الوصول إلى مدينة سوسنوفى بور التى تقع على الخليج الفنلندى، وتبتعد نحو 70 كيلو متر عن دولة إستونيا، و80 كيلو متر عن فنلندا، دخلنا إلى فندق الإقامة، الذى يحمل نفس اسم المدينة، وهناك تم سحب كارت الهجرة الذى يحصل عليه كل من يدخل أراضى الاتحاد الروسى، ويتم تسليمه خلال مغادرة المطار، طبقا لقواعد المنطقة التى تضم 4 مفاعلات نووية.
من أبرز المبانى الموجودة بالمدينة هو مركز الرصد الأشعاعى الإلكترونى الذى يكشف نسب الإشعاع المسموح بها فى الهواء، والإجراءات المتبعة للتعامل مع أى مشكلات أو طوارئ لها علاقة بهذا الأمر، ويحدث ذلك عبر دوائر متنوعة للرصد ما بين محطة صغيرة للرصد الإشاعى، تم تأسيسها حديثا حتى ترصد أى معدلات إشعاعية فى الهواء، لإبلاغ المركز الرئيسى الذى بدوره يبلغ المحطة النووية لاتخاذ اللازم والتعامل مع الموقف وفق خطة طوارئ محددة ومعلومة داخل المركز.
المحطة النووية الواحدة تحتاج إلى نحو 20 محطة صغيرة للرصد الإشعاعى، بما يعنى أن محطة الضبعة النووية سيكون بها هذا العدد تقريبا فى محيط منطقة حوالى 30 كيلو مترا مربعا، يمكن للمحطة الواحدة رصدها على مدار الساعة وإبلاغ نتائجها لمركز الرصد الرئيسى مع كل تغيير، حيث يتزايد الرقم أو يتناقص كل عدة دقائق تقريبا، تعرفنا على كل أجزاء محطة الرصد، ثم انتقلنا إلى المركز الرئيسى الذى يتولى تجميع كل النتائج القادمة من المحطات الصغيرة.
«فلفل» فى مركز الرصد الرئيسى
مركز الرصد الرئيسى يبدأ بمتحف صغير، يشمل مقتنيات لها علاقة بأجهزة الرصد الإشعاعى القديمة، وملابس واقية للإشعاع مزودة بأقنعة ونظارات خاصة، بالإضافة إلى مجسم يشرح طبيعة العمل فى محطة لينينجراد النووية، وعلى أحد الأسطح داخل المركز يوجد نبانات زينة وبعض الورود والأزهار، إلى جانب نبات «الفلفل» الذى كان مثمرا، ويعلوه ترمومتر ملصق على الحائط، ربما له دور بفحص إشعاعى لذلك النبات.
داخل المركز كان لنا لقاء مع «أناتولى زايف» الذى أكد أن الكوارث التى كانت تحدث فى محطات الطاقة النووية القديمة لم يعد لها وجود فى الوقت الراهن مع تطور بالمفاعلات النووية، وأن كارثة «تشرنوبيل»، لن تتكرر مرة أخرى، وقد تجاوز العلم الحديث هذه الحالة، خاصة أن الوقت الراهن لا يمكن الاستغناء عن المحطات النووية والتطبيقات الفنية والتكنولوجية الخاصة بها.
فى الحلقة القادمة
سر غرفة الدور السابع بالمبنى المجاور للمفاعل ورحلة الوصول إليها.. وكيف يمكن اختبار سلامة التوربينات بـ1 روبل روسى فقط.