- الدخول إليها بشرط «ممنوع اللمس».. والعمل داخل المفاعل يستوجب التدريب الدائم طوال العام.. وتأهيل 90 مهندسا فى مراكز التدريب على مدار عامين
- تصريح ورقى بخط اليد وجواز السفر وبصمتا العين والأصابع إجراءات أساسية قبل الدخول للمحطة النووية
- غابات الصنوبر والبلوط تزين الطريق إلى المحطة.. وممنوع تصوير الأسلاك الشائكة أو كاميرات المراقبة
- 21 محطة لرصد الإشعاع الكترونيا توجد فى المنطقة المحيطة بالمفاعل النووى بمدينة سوسنوفى بور وتجمع نتائجها فى مركز رئيسى
- 50% من احتياجات الطاقة فى سان بطرسبورج ومنطقة لينينجراد توفرها المحطة
- 2020 منتظر دخول مفاعل جديد من نوعية VVER -1200 الخدمة جارى إنشاؤه حالياً
- 4 آلاف ميجا وات من الكهرباء تنتجها محطة لينينجراد النووية التى تعد واحدة من أكبر المحطات فى روسيا من حيث السعة
- 68 ألف نسمة عدد سكان مدينة سوسنوفى بور على الخليج الفنلندى حيث تقع محطة لينينجراد وهى أصغر مدينة فى شمال غرب روسيا
على مدى أكثر من 60 عاما، ظل إنشاء محطة نووية، حلما يراود مصر، وينتظر شعبها لحظة تحقيقه، وعلى الرغم من أن الرئيس جمال عبدالناصر، تنبه لأهمية الطاقة النووية، وكانت له رؤية مستقبلية مبكرة جدا نحو هذا الحلم، إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية حالت دون استكمال هذا المشروع، وجاء فى مقدمة هذه الظروف دخول مصر فى سلسة حروب منذ منتصف الخمسينيات، حتى انتصار أكتوبر ١٩٧٣، مما تسبب فى تعثر المشروع، الذى اختفى تماما فى عهد الرئيس السادات، ثم عاد مرة أخرى مع مبارك، دون أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لتنفيذه.
ومع الرئيس عبد الفتاح السيسى دقت ساعة تحقيق الحلم، مع توقيع عقود اتفاق مع الجانب الروسى، وإجراءات حقيقية على الأرض لتنفيذ هذا المشروع الواعد الذى تدخل مصر من خلاله النادى النووى العالمى، كأول دولة فى المنطقة العربية تبنى مفاعلا نووى من طراز“VVER -1200”، الذى يعتبر نموذجا فى معدلات الأمان النووى وإنتاج الكهرباء.
«اليوم السابع» زارت محطة لينينجراد النووية فى مدينة سوسنوفى بور على الخليج الفنلندى – وهى المحطة التى تحاكى محطة الضبعة المصرية – و نواصل اليوم رصد تفاصيل الزيارة فى السطور التالية:
فى نهاية اليوم الأول من زيارة مدينة سوسنوفى بور النووية، كنا على موعد لزيارة المكان الذى يتم فيه تأهيل الكوادر البشرية للعمل فى المفاعل النووى، وتدريبهم على كل كبيرة وصغيرة داخله وكيفية التعامل معها، وهو «المركز التدريبى على غرفة التحكم فى المفاعلات النووية الخاصة بمحطة لينينجراد»، حيث تحاكى هذه الغرفة مركز التحكم الرئيسى للمفاعل بنسبة 100%، وتعتبر هذه أرقى مراحل التدريب، خاصة أن الغرفة لا تختلف عن الموجودة فى المفاعل بزر واحد أو وسيلة رصد أو خط تليفون، فهى نفسها تماما، حتى يتسنى تدريب المهندسين على آليات العمل دون إعطاء أى فرصة للأخطاء.
فى المركز التدريبى لغرفة التحكم فى المفاعلات النووية لمحطة لينينجراد، التقينا مع ألكسندر بلايف، المهندس الرئيسى فى محطة لينينجراد النووية، الذى أكد أن غرفة التحكم عن بعد فى المحطة تعمل بكامل كفاءتها وفق المخطط له، وخلال السنوات الـ18 الأخيرة دخل إلى الخدمة 10 مفاعلات متطورة، حيث ظل يؤكد لمرات عديدة أن مهمة مركز التحكم الرئيسية هى الأمان، وهى أهم وسيلة فى التطبيقات النووية جميعا، قائلا: «نحن دائما نؤكد لعملائنا فى الداخل أو الخارج أن الأمان النووى شرط أساسى فى كل المشروعات التى تبنيها روساتوم».
«بلايف» كشف أيضا أن المفاعلات النووية ليست مهمتها الوحيدة إنتاج الكهرباء فقط، بل يتم استغلالها لتطوير طريقة وشكل الإنتاج حتى يتماشى مع معايير التكنولوجيا الحديثة، فى حين يحكى «أناتولى سميرنوف»، مدير المركز التدريبى بغرفة التحكم المركزية فى المفاعل النووى بلنينجراد، تاريخ إنشاء المبنى الذى تم تأسيسه فى عام 2011، فيما شهد العام 2014 التجهيز والإعداد والانتهاء من المعدات اللازمة له، ثم فى يناير 2017 بدأ التدريب الفعلى، حتى تم العمل فى المحطة مارس 2018، بما يعنى أن عمليات التدريب سبقت التنفيذ الفعلى بنحو عام وثلاثة أشهر. وكشف «سميرنوف» أن عدد من تم تدريبهم على مدار نحو عامين وصل حتى الآن وصل إلى 90 مهندسا، ولا يتوقف تدريبهم على غرف التحكم المركزية بمجرد الالتحاق بالعمل أو حتى تتابع سنوات الخبرة إذ إن كل مهندس يحصل على تدريب لمدة أسبوع كل ثلاثة أشهر، بمعدل أربعة أسابيع من التدريب كل عام، من أجل الإحاطة بكل ما هو جديد فى نظام العمل والتعليمات الرقابية والإجراءات الخاصة بالأمن والسلامة التى تحددها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
شروط
ليس كل مهندس فى قطاع الطاقة النووية يصلح للعمل داخل مركز التدريب على غرفة التحكم المركزية للمفاعل، ولكن يجب أن تكون لديه معايير ومؤهلات تحددها روساتوم العالمية، مثل أن تكون لديه شهادة دراسية معتمدة تؤهله للعمل، وخبرة لا تقل عن 3 إلى 5 سنوات من العمل داخل المفاعلات النووية، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون على قدر كبير من اللياقة البدنية والصحية، إذ إن الالتحاق بالعمل فى مجال الطاقة النووية يلزمه مجموعة من الاختبارات أشبه لما يخضع له الطيارون، خلال التقدم للعمل بهذه الوظيفة التى تحتاج إلى كفاءة عقلية وبدنية وجسدية عالية.
على طول الطريق المؤدى إلى المحطة الكثير من غابات البلوط وأشجار الصنوبر العالية، التى لا يتم تقطيعها أو العبث بها، للحفاظ على الشكل الجمالى للبيئة وحماية هوية المكان والحياة الطبيعية داخله، على امتداد البصر بدأت المحطة النووية فى الظهور من خلف الأشجار العالية، وظهرت وحدات التبريد العملاقة، التى تبرد المحطة النووية ويخرج منها البخار بكثافة إلى السماء بصورة لافتة للانتباه، وهى مبردات صديقة للبيئة ولا تخرج أى أدخنة أو عوادم إلى الهواء، فقط بخار الماء الذى يصعد إلى السماء بشكل ملحوظ.
إجراءات
الدخول إلى محطة لينينجراد النووية يسبقه عدد من الإجراءات الأمنية المشددة، تبدأ بتسجيل أسماء الزوار عبر دفتر يدوى يدون فيه بخط اليد، وباللغة الروسية، ويشمل اسم كل شخص ووظيفته ورقم جواز السفر وجنسيته، ويطلب التوقيع أمام كل اسم، حتى يتسنى دخول المحطة التى يفرز القائمون فيها على الأمن بفحص أوراق كل زائر واستخراج كارت مرور إلكترونى من أجل تخطى البوابات الأمنية الموجودة فى مدخل المحطة.
تعلن الأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة الموجودة فى كل مكان، عن اقتراب بوابات محطة لينينجراد النووية والتى يحظى زوارها بعدد من التعليمات المشددة، سواء عدم التصوير نهائيا فى المدخل المؤدى لها، أو فى الإجراءات المتبعة للدخول إليها، إذ يوجد نحو 10 بوابات أمنية تعمل بنظام بصمة العين واليد، حتى يتم تمرير الكارت عبر الجهاز المخصص له، لتبدأ بعدها مرحلة التفتيش الذاتى، وإخراج كل ما هو معدنى والهواتف المحمولة، وترك الحقائب والأمتعة فى مكان مخصص لذلك، ليسمح لك اخيرا بالعبور إلى الداخل.
على البوابة الرئيسية للمبنى استقبلنا الرجل القوى داخل المحطة، ويعرف باسم نيكولاى كاشن، رئيس قسم المعلومات فى محطة لينينجراد النووية، ويعمل فيها منذ تأسيسها قبل 45 عاما مضت، يرتدى «كاشن» سترة زرقاء عليها شعار روساتوم والمحطة النووية، متحدثا عن منطقة نوافير التبريد للأجهزة المصاحبة للمفاعل مثل الشفاطات العملاقة، حيث توجد 4 نوافير كبيرة تضخ المياه بقوة أسفل حوض كبير، على مدار الساعة، وفى مواجهة هذه النوافير وحدة إنتاج الطاقة فى المفاعل النووى من الجيل الثالث المطور”VVER-1200” والتى من المقرر أن يتم إنتاج نظيره فى مفاعل الضبعة.
مبنى المفاعل النووى محاط بعدد لا بأس به من الأبواب تقودك إلى نفق ضيق تتخلله أنابيب ضخمة يصلك فى نهايته إلى مصعد كهربائي، يعمل بنظام الكروت الممغنطة والتى لا توجد إلا لدى عدد محدود من العاملين فى محطة لينينجراد النووية، وهم أعضاء غرفة التحكم الرئيسية فى المفاعل الذين يستقلونه بهدف الصعود إلى الطابق السابع حيث توجد غرفة كبيرة يشترط فيها عدم الاتكاء على أى من مكوناتها، بل تم التحذير بشكل صريح «ممنوع اللمس».
المكان يتسع لعدد كبير من الشاشات الضخمة وأجهزة كمبيوتر حديثة وتليفونات أرضية لم تتوقف عن استقبال المكالمات طيلة فترة الزيارة التى استغرقت أكثر من نصف ساعة تقريبا، أوضح خلالها «كاشن» الآلية المتبعة داخل المكان الذى لا يهدأ أبدا إذ يستمر العمل فيه بشكل متواصل لمدة 24 ساعة بنظام ثلاث ورديات، كل واحدة يديرها 5 مهندسين فقط بالإضافة إلى رئيس المركز، ويعمل كل منهم بدوام كامل لمدة 8 ساعات متواصلة، ومع انتهاء كل وردية يتم عمل تسليم وتسلم للمهام فى صورة أشبه بوحدة عسكرية، إذ يخرج مدير المركز ومن معه بعد انتهاء مدة عمله ليدخل البدلاء عنهم فى لحظة واحدة دون السماح بالتأخير على الإطلاق.
الغرفة مملوءة بالكثير من المؤشرات الفنية والأرقام الهندسية والمعادلات الرياضية التى لا يفهمها إلا المتخصصون، ولكن أهم وظيفة تقوم بها، بحسب ما قاله «كاشن» أنها ترصد كفاءة المفاعل وقدرته على العمل، وحالته ومستويات التبريد بداخله، وعمليات استهلاك الوقود النووى، ومراحل إنتاج الكهرباء وحجم الطاقة المنتجة منها لحظة بلحظة، تنتهى رحلتنا داخل غرفة التحكم، لكن العمل بها يظل ممتدا طوال اليوم دون توقف، توجهنا بعدها نحو غرفة التوربينة الرئيسية للمفاعل المسئولة عن تحويل الطاقة القادمة من المفاعل إلى كهرباء، بعد المرور على العديد من المراحل الفنية. وكشف «كاشن» أن التوربينة الرئيسية للمفاعل النووى مثبتة على ألواح خرسانية ووسائل فنية دقيقة لمنعها من الاهتزاز أو الميل، وأخرج من جيبه «روبل روسى» وهى العملة المعدنية المتداولة فى دول الاتحاد الروسي، قائلا :» من خلال روبل روسى واحد يمكن قياس مدى سلامة التوربينة الخاصة بالمفاعل النووى فيمكن وضع الروبل بصورة رأسية على قاعدة التوربينة ولن يسقط أبدا وسيظل كما هو، وبالفعل قدم هذه التجربة العملية ليكشف ثبات التوربينة، واستطاعت «اليوم السابع» تصوير فيديو لهذه التجربة.
«نيكولاى كاشن» أكد أيضا أن بناء محطة الضبعة النووية وأول وحدة طاقة بها سيتطلب خدمة نحو 60 ألف عامل ما بين فنى ومهندس فى مختلف التخصصات بداية من النقل وتصنيع الخرسانات حتى تأسيس وبناء غرفة التحكم المركزية، موضحا أن روساتوم لديها عمالة فنية مدربة ومتخصصون فى كل المجالات المتعلقة بالطاقة النووية، من الألف إلى الياء.
وصلنا إلى المرحلة الأخيرة فى محطة لينينجراد النووية وهى أبراج التبريد، حيث يعمل بالمحطة اثنان من أبراج التبريد الضخمة جدا، التى تعمل فيها أنابيب ضخمة ثم تخرج كميات هائلة من البخار فى نهايات هذه الأبراج الخرسانية، التى يتم بناؤها بمئات الأطنان من الخرسانة المسلحة، والمواد المخصوصة، حتى تتمكن من القيام بدورها الرئيسى فى تبريد المحطة النووية بصورة آمنة دون أى عوائق.
وقبل نهاية الزيارة كان لـ«اليوم السابع» لقاء مع «إيجور لوجينكوف»، نائب رئيس مهندسى المحطة النووية، فى لينينجراد، والذى أجاب عن تساؤل حول تغطية المحطة بمنظومة دفاع جوى، وأسلوب التأمين والدفاع عنها، أكد أن هذه مهمة لا تقل عن الأمان النووى داخل المحطة، لافتا إلى وجود تنسيق وتأمين على أعلى مستوى للمحطة النووية، من خلال كل الأجهزة الحكومية المعنية.
»لوجينكوف» طمأن المصريين قائلا إن العمل يتم على قدم وساق فى المحطة النووية التى سيتم بناؤها فى الضبعة، التى تحاكى تماما الموجودة داخل المحطة هنا من طراز “VVER-1200” وتابع يقول: «نحرص على تدريب الجانب المصرى على كل الإجراءات والأساليب الحديثة الخاصة بإدارة المفاعلات والتعامل معها بكفاءة عالية».
الخروج من المحطة لا يقل أهمية عن دخولها، إذ يتم اتباع نفس النظام والإجراءات الأمنية للتأكد من أن الجميع خرجوا من المفاعل، وذلك بمطابقة الصور والبصمات بما تم تخزينه عند الدخول.
الكسندر بلايف المهندس الرئيسى فى محطة لينينجراد النووية
الكسندر بلايف المهندس الرئيسى فى محطة لينينجراد النووية
تصريح ورقى بخط اليد ضمن إجراءات دخول المحطة النووية
محرر اليوم السابع مع مدير المركز التدريبى بغرفة التحكم المركزية فى المفاعل النووى بلنينجراد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة