يحصد الإرهاب رؤوس المدنيين حتى لو لم يكونوا هم الهدف المباشر، هذه الحقيقة كشفتها مجموعة من الوقائع عبر تاريخ، وفى كل مرة تلجأ الجماعات الإرهابية إلى النفى أولا، ثم الاعتذار فيما بعد، والبحث بين سطور كتب الفقه لايجاد اى مخرج شرعى لجريمتهم، بعد أن يكتشفوا أن الأثر المباشر لمقتل المدنيين بين عموم الناس يفوق اى عملية أخرى.
فى حادثة معهد الأورام الأخير، يذهب عدد من المحللين إلى إن معهد الأورام لم يكن هو الهدف المباشر لحركة "حسم"الإرهابية، وأن السيارة المفخخة كانت تتجه إلى هدف أخر، لكنها عن طريق الخطأ انفجرت فى هذا المكان وأسفرت عن سقوط كل هذا العدد من الضحايا، لكن هذه الحادثة على بشاعتها ليست الأولى فى تاريخ استهداف الجماعات الارهابية للمدنيين.
شيماء طفلة قضت على تنظيم الجهاد
فى عام 1993 لقيت شيماء عبدالحليم الطالبة ذات الـ12 عاما مصرعها أمام مدرسة المقريزى بمصر الجديدة أثناء عملية نفذها تنظيم الجهاد كان يقصد بها اغتيال عاطف صدقى رئيس وزراء مصر وقتها، واعتبر خبراء فى مواجهة الارهاب أن حالة الصدمة التى أسفر عنها الحادث كانت نقطة فاصلة فى المواجهة مع الإرهاب، لدرجة أن مركز مكافحة الإرهاب التابع للجيش الامريكى أصدر تقريرا عقب أحداث 11 سبتمبر عن طرق التعامل مع الارهاب اصطك فيه مصطلحا جديدا وهو «أثر شيماء» للاشارة الى الازمة العنيفة التى تعرض لها التنظيم الجهاد بسبب سقوط الطفلة شيماء
أما أيمن الظواهرى نفسه فقد أفرد مساحة فى اثنين من أبرز كتبه وهما «فرسان تحت راية النبى» و«التبرئة»، لشرح ملابسات الحادث وتفاصيله، أبدى خلالها أسفه الشديد وترحم عليها، ووصل الأمر إلى أنه عرض دفع الدية لوالديها كبادرة حسن نية منه، بحسب قوله.. شرح أيمن الظواهرى ملابسات الحادث قائلا:
وأضاف: «وقام إخواننا المنفذون للهجوم باستطلاع مكان الهجوم فوجدوا مدرسة تحت الإنشاء، فظنوها خالية من التلاميذ، فوضعوا أمامها السيارة الملغومة فى ساحة لانتظار السيارات باعتبار أن هذا المكان لن يصاب من تفجير السيارة فيه إلا موكب رئيس الوزراء، ولكن تبين - فيما بعد - أن الجزء الخارجى من المدرسة فقط هو الذى كان تحت التجديد، أما بقية المدرسة فكانت تعمل».
وتابع: «نجا رئيس الوزراء من الهجوم بخروج سيارته من دائرة الانفجار بأجزاء من الثانية، بعد أن أصابتها شظايا الانفجار، ولكن أصيبت فيه طفلة تدعى شيماء، كانت تلميذة فى المدرسة المجاورة، وكانت تقف قريبا من موقع الحادث».».
واضطر الظواهرى إلى أن يصدر رسالة عام 1996 تحت عنوان «شفاء صدور المؤمنين» حاول فيها أن يجد مخرجا لأزمة قتل المدنيين فى مثل هذه الأحداث، حيث أشار إلى أن التنظيم اختار أداء الدية إلى أولياء القتيل باعتبار أن هذه هو أشد الآراء فى المسألة، بحسب تعبيره، ثم كرر هذا التعهد فى كتابه الشهير «فرسان تحت راية النبى» الذى نشر فى عام 2001، ثم وصل به الأمر إلى أن عرض أداء الدية على أهل شيماء فى كتاب «التبرئة» الذى صدر عام 2007.
"التترس" فتوى ضالة لتبرير قتل المدنيين
اكتشفت الجماعات الإرهابية أن سقوط المدنيين فى عملياتها هو أمر حادث لامحالة، لجأت هنا للتفتيش فى كتب الفقه ،الى ان وجدت فتوى قديمة لابن تيمية اثناء قتال التتار أجاز فيها قتل ما اسماه ب"الترس" المسلم اذا تترسب به الاعداء من الكفار ،اى اذا تعمد الاعداء من التتار التواجد فى مكان به مدنيين مسلمين فيجوز القتال واذا سقط المسلم المدنى فانه يبعث على نيته.
استثمرت الجماعات الإرهابية هذه الفتوى لفترات طويلة ،لكنها فى فترات المراجعات قدمت نقد لهذه الفكرة ،حيث كتب القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، ناجح إبراهيم، في كتابه "تفجيرات الرياض.. الآثار والأحكام": الأصل في دماء المسلمين الحرمة وإذا لم نعمل بهذه القاعدة الفقهية العظيمة نخشى أن تتحول هذه التفجيرات وأشباهها إلى نكال بالمسلمين ووبال عليهم ييتّم فيها أولادهم، وتترمل نساؤهم، وتثكل أمهاتهم بدعوى الجهاد، دونما برهان من دين الله، ولا دليل من كتاب ولا سنة، اللهم إلا مقولة (يبعثون على نياتهم)، وهل بالله هذا يكفي للسيوف ضابطاً ولإراقة الدماء حجة.. وهل يقتل أحدنا العشرات من المسلمين معصومي الدم ثم يقول في بساطة يبعثون على نياتهم؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة