تحرك ركب الحجيج لـ"منى" للمبيت فيها وقضاء يوم التروية، استعدادا للصعود إلى مشعر عرفات فجر يوم التاسع والعودة بعد ذلك لقضاء أيام التشريق بها .
ويقع مشعر "منى" بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بعد سبعة كيلو مترات شمال شرق المسجد الحرام، وهو مشعر داخل حدود الحرم، وهو وادى تحيط به الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكَن إلا مدة الحج، ويحَدُّه من جهة مكة المكرمة جمرة العقبة، ومن جهة مشعر مزدلفة وادى محسر .
ويقول المؤرخون: إن تسمية "منى" أتت لما يراق فيها من الدماء المشروعة فى الحج، وقيل لتمنى آدم فيها الجنة، ورأى آخرون أنها لاجتماع الناس بها، والعرب تقول لكل مكان يجتمع فيه الناس مِنى.
وبمنى رمى إبراهيم عليه السلام الجمار، وذبح فدية لابنه إسماعيل عليه السلام، وفيه قال عز وجل "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْى قَالَ يَا بُنَى إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم"، وذكر بعض المؤرخين أنه كان بمنى مسجداً يعرف بمسجد الكبش.
وبمنى نزلت سورة النصر أثناء حجة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم، وبمنى تمت بيعة الأنصار المعروفة ببيعتى العقبة الأولى والثانية حيث بايعه عليه السلام فى الأولى 12 شخصاً من أعيان قبيلتى الأوس والخزرج، فيما بايعه فى الثانية 73 رجلاً وامرأتان من أهل يثرب وكانت قبل هجرته عليه أفضل الصلاة والسلام إلى يثرب.
وعلى امتداد الخلافة الإسلامية بنى الخليفة المنصور العباسى مسجداً عُرف بمسجد البيعة فى ذات الموضع سنة 144هـ وأعاد عمارته لاحقا المستنصر العباسى ويبعد نحو 300 متر من جمرة العقبة على يمين الجسر النازل من منى إلى مكة المكرمة .
ويقضى الحاج بمنى يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذى الحجة ويستحب فيه المبيت فى منى تأسيا بسنة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وسمى بذلك لأن الناس كانوا يتروون فيه من الماء ويحملون ما يحتاجون إليه، وفى هذا اليوم يذهب الحجيج إلى منى حيث يصلى الناس الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرًا بدون جمع ويسن المبيت فى منى.
ويعود الحجاج إلى منى صبيحة اليوم العاشر من ذى الحجة بعد وقوفهم على صعيد عرفات الطاهر يوم التاسع من شهر ذى الحجة ومن ثم المبيت فى مزدلفة.
ويقضون فى منى أيام التشريق الثلاثة لرمى الجمرات الثلاث مبتدئين بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى ومن تعجل فى يومين فلا إثم عليه .
وكما جاء فى القرآن الكريم" وَاذْكُرُوا اللهَ فِى أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ " والمقصود بها منى المكان الذى يبيت فيه الحاج ليالى معلومة من ذى الحجة يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة بعده .
والأصل اللغوى لكلمة تشريق مادة "شرق" ولها ثلاثة معان الأول الأخذ من ناحية المشرق، والثانى صلاة العيد مأخوذ من شروق الشمس لأن ذلك وقتها وأخيراً ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهو اليوم الأول من أيام عيد الأضحى وهذا هو الاستعمال الأغلب .
وسُميت هذه الأيام بذلك لأن العرب كما قال ابن حجر كانوا يُشرِّقون لحوم الأضاحى فى الشمس وهو تقطيع اللحم وتقديده ونشره.
وتعرف "منى" أيضا بمدينة الخيام، حيث يستخدم فى صناعتها أنسجة زجاجية مغطاة بمادة "تفلون" لمقاومتها العالية للاشتعال وعدم انبعاث الغازات السامة منها، إلا فى درجات حرارة عالية.
وروعى فى اختيار شكل الخيام ملائمتها للطابع الإسلامى واستعمال أفضل التقنيات الحديثة فى مراحل التصنيع والتنفيذ ، بما يتيح الاستفادة القصوى من مساحة المشعر.
وعلى أسس الأمن والسلامة والملائمة للمحيط العام ووظيفة المخيمات قسمت كل قطعة أرض إلى عدة مخيمات، تحدها أسوار، مرتبطة ببعضها بممرات متناسقة، مشتملة على الخدمات العامة، حيث وفرت فى وسط المخيم مجموعة من دورات المياه والمواضىء، وعند المدخل خيمة مخصصة للمطوف، بجانبها تجهيزات توزيع الطاقة الكهربائية والمطبخ، ومكب للنفايات.
وطوق كل مخيم بأسوار معدنية تتخللها أبواب رئيسية وأخرى للطوارئ ، يسهل فتحها من داخل المخيم، كما يتخلل المخيم ممرات تم رصفها وإنارتها وتزويدها بعلامات إرشادية ، ومخارج الطوارئ وغيرها من الخدمات.