"أترك يدى يا بنى فأنا أحفظ الطريق خيرا منك، فها هى عشر درجات للسلم ثم أنعطف يسارا لأستكمل عشر أخرى حتى أنعطف يمينا إلى آخر الطرقة فيسارا بواقع 4 خطوات ثم يمينا مرة أخرى فأجتاز هذه الطرقة الطويلة حتى أدخل غرفة مكتبى بقسم اللغة العربية لأجلس على آخر مكتب على اليمين بأقصى ركن بالغرفة"، هذه كلمات وجدت طريقها إلى صحفى شاب حاول أن يستكشف موضع أقدام "صاحب الأيام" أو عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين بأحب الأماكن إلى قلبه "كلية الآداب جامعة القاهرة".
مكتب طه حسين بـ"آداب القاهرة"
مكتب صغير فى ركن صغير موجود بإحدى غرف المبنى الرئيسى لكلية الآداب جامعة القاهرة، غير مؤكد أن هذا نفس المكتب الذى جلس عليه الدكتور طه حسين عندما كان أستاذا بقسم اللغة العربية بالكلية وإنما الذى أكده الجميع أن هذه هى الغرفة التى جلس فيها الدكتور طه حسين عندما كان أستاذا بالقسم، إلا أن الذى ليس به شك أنه جلس على مكتب عميد الكلية كأول عميد مصرى لكلية الآداب بجامعة القاهرة.
وضعت كلية الآداب بالجامعة تمثالا لهذا الأديب الذى انحنت له كل قامات العلم محليا وإقليميا ودوليا بمدخل الكلية؛ لتخليد ذكراه، كما تم وضع صورته على اللوحة التذكارية بمجلس الكلية وصورته باللوحة التذكارية لعمداء كلية الآداب بجامعة القاهرة باعتباره أول عميد مصرى كما أسلفنا".
الدروس المستفادة من حياة عميد الأدب العربى
يروى الدكتور خيرى دومة، رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، الدروس المستفادة من حياة الراحل الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى، مؤكدا أنه قيمة خاصة جدا فى ثقافتنا المصرية والعربية، بل هو قيمة إنسانية باقية، وقصته منحوتة فى الضمائر وباعثة على الأمل وطلب المستحيلات.
وأضاف دومة، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع": "كثيرون من الطلاب والأساتذة على مدار قرن كامل رأوا فى الدكتور طه حسين مثالا عظيما للكفاح والحرية والجرأة ومواجهة الظلم، لا فى حياته الشخصية فقط، بل فيما طرحه على الحياة العامة وما اتخذه من مواقف"، موضحا أن طه حسين هو روح كلية الآداب: معنى تعددية التخصص وحرية الانتقال والجمع بين العلوم الإنسانية واللغات المختلفة وطرح نظريات العلوم من جذورها، لا علم النقد والدرس الأدبى وحده.
الأمل والعزم وطلب الحرية سمات لا تفارق سيرة طه حسين
وأكد "رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة"، أن صوت طه حسين حاضر فى درس الجغرافيا والتاريخ والاجتماع والآثار واللغات الكلاسيكية فضلا عن الإنجليزية والفرنسية، فى كل ركن من أركان الدرس الإنسانى يصل صوت طه حسين العميق الباقي، قائلا: "كان طه حسين خلافيا ولاذعا، وموسوعيا ومدققا. وقد ترك آثارا فى كل جوانب حياتنا، خصوصا فى التعليم والثقافة، أما دروسه فلا تكاد تنتهي، ولعل أبقاها هو الأمل والعزم وطلب الحرية والتغيير الجذرى مهما تكن الصعوبات والمعوقات، لقد قطع الرجل رحلته بلا كلل من الصعيد إلى عاصمة النور وإلى عقول المصريين وقلوبهم".
طه حسين ابن عزبة الكيلو
ولد طه حسين يوم 18 نوفمبر عام 1889وتوفى يوم 28 أكتوبر سنة 1973، واسمه بالكامل " طه حسين على سلامة"، وولد فى عزبة " الكيلو" التى تقع على مسافة كيلو متر من مركز مغاغة بمحافظة المنيا، وكان والده حسين على موظفاً فى شركة السكر التى كانت تملك أراضى الدائرة السنية فى تلك المنطقة، وأنجب ثلاثة عشر ولدا، سابعهم طه حسين.
أما ظرفه البصرى، فقد نشأ عن إصابته بالرمد وإهماله أياماً، ثم دعى الحلاق فعالجه علاجاً ذهب ببصره، والقول المرجح أن هذا الظرف البصرى قد وقع له فى سن مبكرة، الأمر الذى أدى إلحاقه بكتاب الشيخ محمد جاد الرب فقيه البلدة ليحفظ القرآن.
وإلى جانب هذا الظرف البصرى الخاص فقد عاش الدكتور طه حسين طفولة قاسية، نتلمس أبعادها من مستوى حياة أسرتة، التى كانت تعيش من سعة ولكنها كانت فقيرة على كل حال، فدخل طه حسين كتاب القرية لتعلم القراءة والحساب وحفظ القرآن الكريم الذى حفظه فى فترة قصيرة أذهلت والده وشيخ الكتاب، مما جعله يلقبونه بالشيخ وهو فى سن التاسعة من عمره، حيث جرت العادة أن من يحفظ القرآن يلقب بالشيخ مهما كان سنه.
طه حسين والجامعة المصرية
التحق طه حسين بالأزهر عام 1902 إلا أنه ملً الدراسة به فالتحق بالجامعة المصرية عند افتتاحها عام 1908 حيث درس بها العلوم العصرية والحضارة الإسلامية وعددا من اللغات الأجنبية فى حين استمر فى حضور دروس الأزهر، ثم قرر أن يدخل الجامعة التى كانت فى ذلك الوقت حديثة المنشأة وهى جامعة القاهرة، التى تم إنشائها عام 1908، وفى نفس العام بدأ طه حسين فى تعلم اللغة الفرنسية وذلك حتى يحضر دروس الأدب الفرنسى.
وقررت الجامعة إيفادة عام 1914 فى بعثة إلى فرنسا، وكان من المقرر أن يسافر فى 2 أغسطس ولكن هذا الموعد قد تأجل لنشوب الحرب العالمية الأولى، ثم أذن له بالسفر بعد ذلك فى نوفمبر من نفس السنة، وقرر طه حسين تحضير أول رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة موضوعها "ذكرى أبى العلاء".
طه حسين عميد الأدب العرب
ومن ضمن المناصب التى تقلدها الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب، إلا أنه قدم استقالته بعد يوم واحد نتيجة للضغط المعنوى الذى مارسه عليه الوفديون.. وفى عام1930 عاد مرة أخرى للعمادة، ثم أشرف بعد ذلك على جريدة كوكب الشرق ثم الوادى إلا أنه ترك العمل الصحفى الذى لم يستهوه، كما عمل ايضاً رئيسا لمجمع اللغة العربية وكان عضوا فى العديد من المجامع الدولية وعضوا فى المجلس الأعلى للفنون والآداب.
أثرى عميد الأدب العربى المكتبة العربية بالعديد من الكتب والمؤلفات منها الفتنة الكبرى عثمان, الأيام, دعاء الكروان, شجرة البؤس, على هامش السيرة, حديث الأربعاء, المعذبون فى الأرض, الشيخان وغيرها الكثير. وقد تم تحويل بعض من مؤلفاته إلى أعمال سينمائية وتليفزيونية.
دعا طه حسين إلى النهضة الأدبية واتبع أسلوبا سهلا فى الكتابة مع الحفاظ على قواعد اللغة العربية التى كان يعتز بها كثيرا وكان يدعو إلى ضرورة إعداد المدرسين ليتمكنوا من تدريس اللغة العربية كما يجب، وقد أستطاع تكوين عقله وثقافتة من خلال أنه عاش حياته كلها يقرأ ويبحث ويتعلم، فدرس العلوم العصرية, والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا وعدداً من اللغات الشرقية كالحبشية والعبرية والسريانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة