ترك الدكتور خالد جمال عبد الناصر، منزله فى 59 شارع الثورة بـ«أرض الجولف» ناحية «مصر الجديدة»، متوجها إلى مطار القاهرة.. كان شقيقه عبد الحكيم هو الذى يقود السيارة، حسب مصطفى بكرى فى كتابه «ثورة الابن – أسرار ووثائق قضية ثورة مصر»، مضيفا أن خالد قدم جواز سفره الدبلوماسى رقم «38545» بنفسه للحصول على ختم المغادرة، وأخذ الضابط الجواز منه طالبا منه الانتظار لبعض الوقت، وتوجه به إلى إحدى الجهات الجانبية فى المطار، ثم عاد بعد دقائق ليقول له: «متأسفين با افندم، اتفصل مع ألف سلامة».. وركب خالد الطائرة إلى لندن فى مثل هذا اليوم «10 سبتمبر 1987».
بدأ سفره عاديا فهو كثير التردد على العاصمة البريطانية منذ أن ذهب إليها عام 1972 للحصول على درجة الدكتوراه فى هندسة النقل من جامعة كامبريدج، وبعد أسبوع من سفره وبالتحديد يوم 18 سبتمبر 1987، نشرت الصحف المصرية خبرا صغيرا يؤكد القبض على التنظيم الذى قام بعمليات ضد الإسرائيليين والأمريكيين مؤخرا، وأن هذا التنظيم يقوده «محمود نور الدين السيد».
كان التنظيم معروفا باسم «منظمة ثورة مصر»، وذلك من واقع البيانات التى أصدرها من قبل عقب كل عملية كان ينفذها، وعددها أربع عمليات مسلحة فى شوارع القاهرة، ثلاثة منها ضد عناصر إسرائيلية، وواحدة ضد عنصر أمريكى، وحسب «بكرى»، فإنها بدأت فى يونيو 1984 ضد «زيفى كيدار» المسؤول بالسفارة الإسرائيلية فى القاهرة، وفى 20 أغسطس 1985 كانت العملية الثانية ضد مسؤول الأمن بالسفارة، وفى 19 مارس 1986 وقعت العملية الثالثة المعروفة بعملية معرض القاهرة الدولى «وكانت إسرائيل تشارك فيه، وتم اغتيال «إيلى تايلور» مديرة الجناح الإسرائيلى وجرح ثلاثة آخرين، وأطلق التنظيم على هذه العملية اسم «والله زمان ياسلاحى»، وجاءت العملية الرابعة الأخيرة ضد عنصر فى السفارة الأمريكية يوم 26 مايو عام 1987.
تواصلت هذه العمليات أكثر من ثلاث سنوات، ولم يستطع الأمن الكشف عن أسرارها، إلا بخيانة داخلية وقعت من «أحمد عصام» شقيق محمود نور الدين قائد التنظيم، وكان «عصام» ضمن عناصره، ويؤكد نظمى شاهين أحد أعضائه لمجلة روز اليوسف «18 سبتمبر 2011» أن عصام أبلغ أولا السفارة الأمريكية عن التنظيم، واعترف بأن خالد عبد الناصر يقوم بعملية التمويل.
سافر خالد يوم 10 سبتمبر 1987، وبعد أسبوع ألقت أجهزة الأمن القبض على أعضاء التنظيم يوم 17 سبتمبر، ونشرت الصحف خبرا يوم 18 سبتمبر، وتسربت الأنباء عن علاقة «خالد» بالتنظيم، ومعها أقاويل بأن سفره تم بإيعاز من الأجهزة الرسمية والرئيس مبارك شخصيا، حتى لا يتم القبض على ابن جمال عبد الناصر فى قضية تتعلق بمقاومة الوجود الإسرائيلى فى مصر، ويذكر بكرى أنه كان وقتئذ صحفيا فى مجلة المصور، وتقدم إلى رئيس التحرير مكرم محمد أحمد بحوار كان أجراه مع خالد لنشره فى ذكرى رحيل عبد الناصر السابعة عشر، فرفضه مكرم وأخبره أن خالد متهم فى قضية ثورة مصر.
فى يوم 28 سبتمبر 1987 لوحظ غيابه عن ضريح والده فى ذكرى وفاته الـ17، فزادت الأسئلة لأن هذا الغياب كان غير مسبوق منذ وفاة عبد الناصر، فزادت الأسئلة، ومع تكرار الغياب أثناء زيارة الرئيس مبارك إلى الضريح يوم 6 أكتوبر 1987 لم يعد الأمر سرا.
وفقا لـ«عادل الجوجرى» فى كتابه «ثورة مصر» «طبعة خاصة – القاهرة»، قضى خالد فترة فى لندن قبل أن ينتقل إلى العاصمة اليوغسلافية «بلجراد»، وبعد أن أعلن النائب العام قرار الاتهام وورود اسم خالد كمتهم ثان، طلبت النيابة له حكما بالإعدام ضمن عشرة متهمين فى القضية»، وحسب حوار له أجراه حمدين صباحى ونشرته جريدة صوت العرب «9 مارس 1988»: «فور وصوله إلى بلجراد تلقى عروضا عربية بالاستضافة لكنه رد عليها قائلا: «بقائى خارج مصر لن يطول كثيرا، وسوف يسعدنى خلال هذه الفترة القصيرة وحتى عودتى أن ألبى شاكرا دعواتكم».
بقى خالد فى يوغسلافيا 23 شهرا، ووفقا لما ذكره لى فى حوار صحفى نشرته جريدة البيان، دبى، الإمارات، فإنه عاش فى هذه الفترة ظروفا قاسية، وكانت وفاة أمه السيدة تحية خلالها الأكثر إيلاما له: «يومها دخلت حجرتى وبكيت طويلا، ولم أرد على أى اتصالات ولم أقابل أحدا»، وأضاف: «زارتنى فى يوغسلافيا قبل وفاتها بشهور، وقالت لى: كل اللى بيحصل لك ده عشان اتنين صهاينة»، ويتذكر الدكتور مصطفى الفقى وقت أن كان سكرتيرا للرئيس مبارك، أن مبارك أوفده إلى السيدة تحية بعد أن طالبت النيابة بإعدام خالد، ويذكر فى مقال له بعنوان «ابن الرئيس» فى صحيفة الأهرام «10 مارس _2011» جلست إلى السيدة الفاضلة، التى كانت ضيفة على عشاء فى منزلى فى العاصمة الهندية قبل ذلك بسنوات هى وابنتها منى حيث شاهدت كيف تسابق السفراء العرب على طلب دعوتى لهم للتشرف بلقائها رغم القطيعة الدبلوماسية حينذاك، وكانت ضيفة على السيدة أنديرا غاندى «رئيسة الوزراء» التى استقبلتها شخصيا فى المطار، وشرحت لها أن ما قيل هو طلب من النيابة ولكنه لا يمثل حكما للمحكمة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة