مرة أخرى.. يحاول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جر خصومه الديمقراطيين إلى معركة شخصية، قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والمقررة فى العام المقبل، وبالتالى إلهائهم عن الحديث عن هموم المواطن الأمريكى، والتى ينبغى التركيز عليها فى الخطاب الانتخابى، فى الوقت الذى تسعى فيه إدارته إلى تطويع كل الأدوات داخل إداراته لتحقيق المطالب الشعبية التى طالما نادى بها المواطن الأمريكى لسنوات طويلة، وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكى الذى عانى كثيرا جراء أخطاء أسلافه، وعلى رأسهم باراك أوباما، والذى فشل لثمانى سنوات كاملة فى احتواء أثار الأزمة المالية العالمية، التى اندلعت فى عام 2007، حيث تزايدت معدلات البطالة، فى الوقت الذى تزايدت فيه تدفقات الهجرة القادمة من الخارج، ليزاحم الوافدون المواطنين الأمريكيين فى أرزاقهم.
ويعد الحديث الذى تواتر مؤخرا عن ضغوط فرضها سيد البيت الأبيض، على نظيره الأوكرانى فلاديمير زيلنيسكى، للكشف عن الكيفية التى سعى من خلالها نائب الرئيس السابق جو بايدن، والمرشح الأوفر حظا فى منافسة ترامب فى الانتخابات الرئاسية القادمة، تمثل انعكاسا صريحا لاستراتيجية ترامب الانتخابية، والتى بدأت مبكرا للغاية، والتى تقوم فى الأساس على تحويل الخطاب الانتخابى لخصومه الديمقراطيين من خطاب إيجابى، يقوم على تقديم رؤية جديدة، إلى خطاب دفاعى، يحاولون من خلاله دحض الاتهامات التى يلاحقهم بها الرئيس الأمريكى، وربما التحول نحو تشويه صورته عبر الحديث مجددا عن مسألة التدخل الروسى فى الانتخابات الماضية، أو اتهامه بالعنصرية، أو غير ذلك من الاتهامات التى وصلت إلى حد الخيانة، والتى اعتاد عليها ترامب، منذ تنصيبه فى يناير 2017.
استراتيجية قديمة.. ترامب يجر خصومه لمعاركه الشخصية فرديا وجماعيا
ولعل الاستراتيجية التى يحاول ترامب استباق الانتخابات الرئاسية القادمة بانتهاجها، ليست بالأمر الجديد تماما، حيث سبق له وأن انتهج نفس الأسلوب فى مواقف عدة، على رأسها الخلاف الحاد الذى نشب بينه وبين الديمقراطيين، على خلفية بناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك، ولجوئه إلى التلويح بفرض حالة الطوارئ لتمويله من ميزانية الدولة، رغما عن الكونجرس، ذو الأغلبية الديمقراطية، حيث اتجه لخطاب المواطنين مباشرة، فى الوقت الذى انشغل خصومه فى الهجوم عليه على خلفية انتهاكه للمبادئ التقليدية التى طالما تشدقوا بها، وعلى رأسها الديمقراطية وحقوق الإنسان.
جو بايدن
لم تتوقف محاولات ترامب لجر خصومه الديمقراطيين لمعارك شخصية معه على المستوى الحزبى الجمعى، وإنما كذلك على المستوى الفردى، حيث أطلق ألقابا ساخرة، على رموزهم، منذ الحملة الانتخابية الأولى، حيث سبق وأن وصف هيلارى كلينتون بـ"الشمطاء"، عندما كانت تنافسه فى انتخابات الرئاسة عام 2016، كما أطلق قبيل انطلاق حملات الديمقراطيين الانتخابية الأخيرة، ألقابا مستفزة على منافسيه المحتملين، فعندما أعلن بايدن نيته للترشح فى السباق الرئاسى، وصفه ترامب بـ"جو النائم"، بينما وصفه فى خطاب آخر بـ"الشرير" فى حين أطلق على ساندرز لقب "المجنون"، بالإضافة إلى معاركه الأخرى مع عضوات الكونجرس من الديمقراطيين، وعلى رأسهم إلهان عمر ورشيدة طليب وغيرهم، وهى المعارك التى دفعت رموز الحزب الديمقراطى إلى اتهامه بالعنصرية.
ترامب يدير حملات خصومه.. الرئيس الأمريكى يدفع الديمقراطيين لتشويهه
وهنا يمكننا القول بأن استراتيجية ترامب فى التعامل مع خصومه الديمقراطيين تقوم فى الأساس على جرهم إلى معارك شخصية، بعيدا عن القضايا الأساسية التى تشغل المواطن الأمريكى، والذى كفر مؤخرا بالمبادئ الجامدة التى طالما تشدقوا بها، دون أن تؤتى بنتائج إيجابية تعود عليه بالنفع، بل كانت سببا فى تدهور الأوضاع الاقتصادية فى البلاد بصورة كبيرة، فى الوقت الذى تحقق فيه الإدارة خطوات واسعة، سواء فيما يتعلق بقضايا الهجرة، والتى ظلت تؤرق المواطن الأمريكى لسنوات طويلة، أو حتى معضلة النفوذ التى دفع من أجلها ألاف الجنود الأمريكيين أرواحهم، بينما تكبدت الخزانة الأمريكية مليارات الدولارات فى سبيلها، فى الوقت الذى تراجع فيه النفوذ الدولى للولايات المتحدة، فى العديد من مناطق العالم، وهو ما بدا واضحا فى منطقة الشرق الأوسط، والتى شهدت صعودا للنفوذ الروسى، على حساب واشنطن، من البوابة السورية.
ولعل النهج الذى يتبناه ترامب تجاه خصومه الديمقراطيين يفتح الباب أمامه نحو إدارة، أو على الأقل توجيه، الحملة الانتخابية لخصومه بنفسه، حيث أنه يسعى إلى توجيههم إلى السير على نهج معين، يقوم فى معظمه على تشويهه، وهو النهج الذى سبق وحاولت منافسته السابقة هيلارى كلينتون، والتى طالما اتهمته بالعنصرية، وافتقاد الخبرة السياسية، انتهاجه، دون جدوى، حيث كانت النتيجة فى نهاية المطاف هى انتصاره التاريخى، وغير المتوقع، والذى كان بمثابة انتصارا ملهما ليس فقط فى الداخل الأمريكى، ولكن أيضا فى العديد من دول العالم الأخرى، حيث ظهر العديد من القادة حول العالم يحملون خطابات متشابهة لخطابه، ليصلوا فى النهاية إلى مقاعد السلطة، تزامنا مع صعود التيارات الشعبوية.
الهجوم خير وسيلة للدفاع.. الفخ الذى نصبه ترامب للديمقراطيين
ويمثل الحديث عن تورط بايدن، إبان وجوده فى منصب نائب الرئيس الأمريكى فى عهد الإدارة السابقة، استمرارا للنهج الذى يتبناه ترامب، حيث أنه يضع الديمقراطيين فى مأزق حقيقى، لأنهم لن يجدوا أمامهم طريقا سوى الدفاع عن أنفسهم من جانب، ومواصلة حملات التشويه تجاه ترامب، وهى الحملات التى اعتاد ترامب التعامل معها منذ بداية حقبته، من جانب أخر.
ولعل اعتماد الرئيس الأمريكى على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" بصورة كبيرة فى الأيام الماضية، دليلا دامغا على قدرته الفائقة فى التواصل مع المواطن مباشرة، سواء لدحض الحملات التى تستهدفه، أو من للترويج لانتصاراته ونجاحاته المتتالية، حيث أظهرت دراسة حديثة أن معدل التغريدات التى يطلقها الرئيس الأمريكى تزايد فى الآونة الأخيرة بنسبة 91% مقارنة بعام 2017، والذى تولى فيه الحكم.