عندما رحل جمال عبد الناصر فى يوم 28 من سبتمبر فى العام 1970، ظل الشعراء والمبدعون غير مصدقين، وبعدما تجاوزوا الصدمة بدأوا التعبير عن إحساسهم بالفقد، ومن ذلك ما كتبه الشاعر العربى الكبير أحمد عبد المعطى حجازى فى قصيدته "مرثية العمر الجميل".
هذه آخر الأرض
لم يبق إلا الفراقْ
سأسوّى هنالك قبرًا
وأجعل شاهده مزقة من لوائك
ثم أقول سلامًا
زمن الغزوات مضى والرفاقْ
ذهبوا
ورجعنا يتامى
هل سوى زهرتين أضمُّهما فوق قبرك
ثم أمزِّق عن قدمى الوثاق؟!
إنّنى قد تبعتك من أول الحلم
من أول اليأس حتى نهايته
ووَفَيْتَ الذماما
ورحلت وراءك من مستحيل إلى مستحيل
لم أكن أشتهى أن أرى لون عينيك
أو أن أميط اللثاما
كنت أمشى وراء دمى
فأرى مدناً تتلألأ مثل البراعم
حيث يغيم المدى ويضيع الصهيل
والحصون تساقط حولى
وأصرخ فى الناس
- يومًا بيوم -
وقرطبة الملتقى والعناقْ
آه.. هل يخدع الدم صاحبه
هل تكون الدماء التى عشقتك حراما؟!
كنتُ فى قلعةٍ من قلاع المدينة ملقى سجينا
كنت أكتب مظلمة
وأراقب موكبك الذهبى
فتأخذنى نشوة وأمزِّق مَظلمتى
ثم أكتب فيك قصيدةْ
آه يا سيّدى!
كم عطشنا إلى زمن يأخذ القلب
قلنا لك اصنع كما تشتهى
وأعد للمدينة لؤلؤة العدل
لؤلؤة المستحيل الفريدةْ
لم أكن شاهدًا أبدًا
إننى قاتل أو قتيل!
مت عشرين موتًا
وأهلكت عشرين عمرًا
وآخيت روح الفصول
تتوارى عصوركم وأظل أغنّى لمن سوف يأتى
فترجع قرطبة وتجوز الشفاعةْ
إننى أحلم الآن
لم تأت
بل جاء جيش الفرنجة
فاحتملونا إلى البحر نبكى على الملك
لا.. لست أبكى على الملك
لكن على عمرٍ ضائعٍ لم يكن غير وهمٍ جميل!
فوداعًا هنا يا أميرى
آن لى أن أعود لقيثارتى
وأواصل ملحمتى وعبورى
تلك غرناطة تختفى
ويلف الضباب مآذنها
وتغطّى المياه سفائنها
وتعود إلى قبرك الملكى بها
وأعود إلى قدرى ومصيرى
من ترى يعلم الآن فى أى أرضٍ أموت؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة