فى الوقت الذى بدا فيه أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد حقق هدفه بجعل إيران محاصرة فى أزمة تهدد نظامها الحاكم، اشتعل جدل سياسي داخلي فى الولايات المتحدة حول المعلومات الاستخباراتية التى قال الرئيس إنه استند إليها لتبرير الضربة التى قضت على القائد العسكرى الإيرانى قاسم سليمانى، الأمر الذى يزيد من تعقيد الضغوط الداخلية على ترامب من قبل الديمقراطيين مع الاستعداد لبدء محاكمة العزل فى مجلس الشيوخ ومع استعداد الرئيس لعام الانتخابات الرئاسية.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن كبار مسئولى الإدارة رفضوا تأكيد ما سبق أن قاله الرئيس بأن أربع سفارات أمريكية كان سيتم استهدافها بالهجوم من قبل إيران، وهو المبرر وراء قتل سليمانى، بينما قالوا إن تفسير ترامب للتهديد كان متسقا مع المعلومات الاستخباراتية العامة.
وقال وزير الدفاع الأمريكى مارك إسبر عن التقارير الاستخباراتية إنه لم ير شيئا يتعلق بالسفارات الأربعة، مضيفا أنه يشارك ترامب رؤيته بشأن توقعاته بأن الإيرانيين سيلاحقون السفارات الأمريكية.
وفى تصريحات لشبكة فوكس نيوز، قال مستشار الأمن القومى الأمريكى روبرت أوبراين إن ما قاله الرئيس يتسق مع ما كانوا يقولونه، مضيفا أنه كانت لديهم معلومات استخباراتية قوية بأن الإيرانيين كانوا يسعون لقتل وإصابة الأمريكيين فى المنشآت الأمريكية فى المنطقة.
وتابع أوبراين قائلا إنه حتى مع المعلومات الاستخباراتية البارعة التى تجمعها الولايات المتحدة، من الصعب معرفة ما هى هذه الأهداف، مضيفا أنه من المنصف توقع هجوم إيرانى مستقبلى يضرب السفارات على الأقل فى أربعة دول.
وقالت "واشنطن بوست" إن الإدارة لم تقدم تفاصيل كثيرة وعرضت مبررات مختلفة لقتل سليمانى، تراوحت ما بين الانتقام من الهجمات التى خطط لها على مدار عقدين على القوات الأمريكية وحلفائها، واحتمال التخطيط لهجمات مستقبلية، إلى جانب مزاعم ترامب بأن المعلومات الاستخباراتية أكدت خططا وشيكة لتفجير أربع سفارات أمريكية على الأقل.
وكان ترامب قد قال يوم الجمعة الماضى إنهم فعلوها، أى قتل سليمانى، لأن الإيرانيين "كانوا يسعون لنسف سفاراتنا، ليس فقط السفارة فى بغداد، ولكن اعتقد أنهم كانوا سيكونون أربع سفارات".
وأشارت واشنطن بوست إلى أن هذه التصريحات ومحاولات كبار مسئولى الإدارة تفسيرها قد أشعلت اتهامات من قبل النواب الديمقراطيين فى الكونجرس، وبعض الجمهوريين، بأن الإدارة قد أخفت مبررها الحقيقى فى قتل سليمانى، حيث قال السيناتور الجمهورى مايك لى، الذى انتقد التفسير بشدة، إنه لم يسمع أى شىء عن مسألة السفارات، وأن العديد من زملائه قالوا نفس الأمر".
من جانبها، قالت شبكة "سى إن إن" إن سمعة ترامب فى لى الحقائق لأهداف سياسية ومبررات الإدارة المتعارضة فيما يتعلق بقتل سليمانى قد أثارت نقاشا جديدا حول الاستخبارات مع أصداء مؤرقة لها فى التاريخ الحديث.
وأشارت الشبكة إلى أن نوابا بالكونجرس يقولون إن الزعم بالتخطيط لاستهداف أربع سفارات، وهو أمر هائل للغاية، لم يتم إداراجه فى الإفادات التى تم تقديمها للكونجرس الأسبوع الماضى من قبل مسئولى الإدارة لتفسير ضربة سليمانى، وتأتى فى ظل جدل متسع بشكل سريع حول ما إذا كانت المخاطر مبررة بالفعل.
ونظرا للطبيعة الخطيرة لما يقوله ترامب، فإن الجدال بأن المعلومات الاستخباراتية المحيطة بالهجوم حساسة للغاية لدرجة لا تسمح بنشرها لن يؤدى على الأرجح إلى إخماد الجدل.
وأشارت سى إن إن إلى أن الخلاف حول السبب وراء الهجوم الذى استهدف سليمانى يوقظ أشباح التاريخ بشأن التدخلات الخارجية الأمريكية التى مضت على نحو سىئ بعد مبررات مشكوك فى صحتها للحرب، مثلما حدث على سبيل المثال فى العراق، وأيضا أسئلة أخرى بشأن موقف الإدارة إزاء الثقة والحقيقة.
ورغم أن أغلبية السياسيين فى واشنطن لا يشكون فى أن سليمانى مثل تهديدا للولايات المتحدة، وكانت يداه ملطخة بدماء الأمريكيين، إلا أن الجدل المتنامى لا يزال يعمق الانتقادات لقرار ترامب بتصفية ثانى أخطر مسئول فى إيران، ويثير نقاشا حول ما إذا كانت التداعيات المحتملة بالتصعيد مع إيران تبرر هذا الخطأ.
واعتبرت "سى إن إن" هذا علامة أخرى على الفوضى داخل قيادة الأمن القوى بالإدارة التى ظهرت فيها التناقضات والارتباك المتكرر خلال الصدام بشأن التفاصيل المتعلقة بأعمال إيران الانتقامية وما بعدها.
كما قالت إن الغضب الجديد بشأن رؤية ترامب لسلطته المتسعة كقائد عام ورفضه التصرف بشفافية ياتى مع استعداد واشنطن لإعادة التركيز مرة اخرى على العزل الذى تسببت فيه تصرفات مشابهة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة