حذر مستشار سابق فى إدارة الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش، من مناخ الاستثمار والأعمال فى تركيا، قائلا إن أنقرة تواجه عاصفة ناجمة عن سوء الإدارة والسخط المجتمعى والصراع الإقليمى، ومن ثم يجب أن يكون المستثمرون حذرين.
وأشار ديفيد فيليبس، مدير برنامج بناء السلام والحقوق لدى معهد جامعة كولومبيا لدراسات حقوق الإنسان، في مقال بمجلة ناشونال إنترست، الثلاثاء، إلى أن تركيا تفتقر إلى العناصر المهمة لمناخ استثمار مناسب، إذ يجب على المستثمرين ان يقلقوا بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية وعلاقات النظام التركي مع جيرانه فى المنطقة.
ودلل الكاتب الذى عمل مستشارا مختصا بالعلاقات الامريكية التركية فى إدارة بوش، على القلق بين المستثمرين الكبار من المناخ في تركيا، لافتا إلى تأجيل فولكس فاجن، الألمانية لصناعة السيارات، خطط لاستثمار 1.4 مليار دولار فى مصنع تجميع فى تركيا. كما أن المنشآت القائمة، حيث تنتج شركة فولكس فاجن مركبات تجارية لشركة "مان" التابعة لها، قد تكون محل تقليص.
وتستشهد شركة فولكس فاجن بمسئوليتها الاجتماعية لتبرير قرارها بشأن تعليق الخطط الخاصة بمصنع التجميع. وجاء قرار عملاق صناعة السيارات الألمانية، ردا على الغزو العسكرى التركى لشمال شرق سوريا حيث ارتكبت القوات التركية وحلفائها من الجماعات الإرهابية المسلحة جرائم بحق الاكراد بينها قتل المئات وتهجير أكثر من 300 ألف شخص من قراهم.
وانتقدت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الرئيس التركى رجب طيب اردوغان، مستشهدة بالقضايا الإنسانية وعودة صعود تنظيم داعش. وانضمت فرنسا والنرويج وفنلندا وهولندا إلى ألمانيا في تعليق مبيعات الأسلحة إلى تركيا. وتمثل ألمانيا سوق كبير للبضائع التركية، ومن ثم فإن الاقتصاد التركي سيعاني عواقب خطيرة مع قرار فولكس فاجن الذي سيكون له تأثير على الاستثمارات الاخرى.
يأتي قرار فولكس فاجن في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد التركي. فأستقرار الاقتصاد الكلي متذبذب والبنوك التركية لديها مستويات عالية من المديونية الأجنبية. وتواجه الليرة التركية تراجعا مستمرا مقابل الدولار الأمريكي. في حين أن ضعف الليرة يعزز الصادرات، إلا أنه له تأثير كبير على تكلفة اللوازم اللازمة للتصنيع. يعتمد قطاع الصناعات التحويلية في تركيا اعتمادًا كبيرًا على المدخلات المستوردة، والتي أصبحت الآن أغلى كثيرا، بحسب فيليبس.
ويشير إلى أنه مع انهيار الليرة في أغسطس 2018، زاد التضخم بأكثر من 25%. على الرغم من انخفاض أسعار الفائدة، ظل الإقراض المصرفي ضعيفًا خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2019. يحد ارتفاع التضخم واضطرابات الليرة من القوة الشرائية للمستهلكين ويضران بنشاط التجزئة، الذي تقلص بشكل كبير بين سبتمبر 2018 وأغسطس 2019. ويضيف أن تخفيض أسعار الفائدة هو حل قصير الأجل يخفي فقط المشاكل الهيكلية المستوطنة.
وقد تفاقمت المخاوف بشأن القطاع المصرفي في تركيا عندما أدانت محكمة امريكية في نيويورك "هالك بنك" الذي تملكه الدولة، بإرتكاب جرائم غسيل أموال في إطار خطة للتحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. وستمنع العقوبات البنوك الأخرى من التعامل مع المصرف التركي وقد تؤدي إلى ازمة فى العملة الصعبة. وفى حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) لديه القدرة على وقف النزيف المالي ولكن الاستثمار الأجنبي المباشر يتطلب ثقة المستثمر، فى الوقت الذى ألقى أردوغان باللوم على المصرفيين "اليهود" في أزمة العملة والائتمان في تركيا.
ويقول فيليبس إن ازدراء تركيا لسيادة القانون لا يشجع الاستثمار الأجنبي المباشر فقط، لكنه يساهم في الصراع والظلم في المجتمع. وتتسم حالة الديمقراطية في تركيا بالانتخابات المزورة والاعتقال التعسفي للمعارضين. تمت محاكمة الزعماء السياسيين الأكراد بتهم "إرهابية" زائفة. وتستغل المادة 140 من قانون العقوبات، التى تجرم التقليل من الهوية "التركية" لقمع المعارضة وإسكات النقاد. تم تعليق نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في المناطق ذات الأغلبية الكردية واستعيض عن رؤساء البلديات المحليين بـ "أمناء" عينتهم الحكومة.
ويضيف إن أردوغان حول تركيا إلى معسكر كبير منذ المحاولة الفاشلة من الجيش للإطاحة به عام 2016. ويواجه حوالي 50 ألف شخص تهم ذات دوافع سياسية وتم فصل أكثر من مائة ألف موظف مدني بشكل تعسفى. ويقول فيليبس إن تركيا سجنت عددًا من الصحفيين اكثر أي دولة أخرى.
وفى حين تتجه تركيا إلى المؤسسات المالية الدولية لعلاج مشاكلها، يقول الكاتب إن غزو تركيا وفظائعها في شمال شرق سوريا قد نفر المجتمع الدولي من نظام اردوغان. ورداً على السلوك الإجرامي لتركيا في سوريا، أقر مجلس النواب الأمريكي مؤخرًا مشروع قانون لفرض عقوبات على انقرة بأغلبية ساحقة 403 صوتًا مقابل 16. وقد تخضع تركيا أيضًا لعقوبات إضافية من خلال "قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات" (CAATSA) بعد أن نشطت تركيا صواريخ S-400 التي اشترتها من روسيا مقابل 3 مليارات دولار.
ويخلص بالقول إن تركيا تواجه عاصفة ناجمة عن سوء الحكم والسخط الاجتماعي والصراع الإقليمي ومن ثم يجب أن يكون المستثمرون حذرين. فالخطر السياسي كبير للغاية وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فستسعى البنوك والشركات للخروج من السوق ويمثل انسحاب شركة فولكس فاجن تحذيرًا من مخاطر ممارسة الأعمال التجارية في تركيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة