أبلغ هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الجانب المصرى والأمريكى فى اجتماع بأسوان، بنود الاتفاق الذى توصل إليه مع الرئيس السادات حول اتفاق فض الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية، وتم الإعلان عنه 17 يناير، مثل هذا اليوم، 1974، فانزعج الفريق محمد عبد الغنى الجمسى رئيس أركان الجيش، وحسب مذكراته «حرب أكتوبر 1973»: تركت غرفة الاجتماعات بانفعال، بعد أن اغرورقت عيناى بالدموع، واتجهت إلى الحمام.
يذكر الجمسى، أن كيسنجر وصل إلى أسوان يوم 11 يناير 1974 لإجراء مفاوضات مع الرئيس السادات لوضع اتفاقية عن «فك الاشتباك»، والفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973، وبدأت جولاته المكوكية بين أسوان والقدس، يتذكر أنه المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية أبلغه بالسفر إلى أسوان للاشتراك فى المفاوضات لبحث الموضوعات العسكرية، يكشف أن الدور الحقيقى لعمله بدأ عندما دعى لحضور اجتماع الوفدين المصرى والأمريكى فى فندق كتاركت الجديد فى أسوان، يؤكد، أن الرئيس السادات لم يخطره قبل هذا الاجتماع بأى اتفاق مسبق بينه وبين كيسنجر فى مفاوضاتهما عن أى موضوعات عسكرية، يضيف الجمسى: «كان اعتقادى أن مثل هذه الموضوعات سيتم بحثها خلال المفاوضات بين الوفدين المصرى والأمريكى، حتى يتعرف كيسنجر على رأينا أثناء رحلاته المكوكية إلى إسرائيل، وبالتالى يمكنه الوصول إلى اتفاق يرضى عنه الطرفان».
يتذكر الجمسى: «جلسنا لإجراء محادثات جادة وسرية قرابة ساعتين، نوقشت فيها موضوعات سياسية وأخرى عسكرية، وأبلغ كيسنجر الحاضرين ببنود اتفاقه مع السادات حول الموضوعات العسكرية، وهنا كانت المفاجأة لى وللحاضرين عندما ذكر كيسنجر أن الرئيس السادات وافق على تخفيض حجم القوات على الضفة الشرقية للقناة لتصبح 7 آلاف رجل، و30 دبابة وعدد محدود من القطع المدفعية».
يكشف «الجمسى» عما أصابه من ذهول قائلا: «فى هذه اللحظة شعرت بمدى التخفيض الذى سيحدث فى القوات، بعد أن كان لنا قوات جيشين يصل عددهما إلى أكثر من عشرة أمثال العدد الجديد، وكنا نقدر أن يكون لنا 300 دبابة فى شرق القناة، كما كان الوضع الطبيعى أن يكون لنا أعداد كبيرة من المدفعية لتدعيم القوات فى سيناء».. يضيف: أتذكر أننى أبديت رفضى لتخفيض حجم القوات كما هو مقترح، قلت للدكتور كيسنجر بحدة: “إنك تعطى لإسرائيل كل ما يضمن تأمين قواتها، وتحرمنا من كل مايضمن تأمين قواتنا.. إنى لا أوافق على ذلك، ولا يمكننى كرئيس حرب القوات المسلحة، إيجاد المبرر أمام القوات المسلحة، رد كيسنجر، إنه يضع استراتيجية للسلام مستقبلا، وهو موضوع هام، وفى سبيل تحقيق ذلك تم الاتفاق على الأعداد المقترحة من القوات المصرية والأسلحة لتكون فى شرق القناة، رد الجمسى: «أنا لا أتحدث عن السلام، ولكنى أتحدث عن تأمين قواتنا».. يؤكد: «تركت غرفة الاجتماعات بانفعال، بعد أن اغرورقت عيناى بالدموع، واتجهت إلى الحمام». كان إٍسماعيل فهمى وزير الخارجية، استقال احتجاجا على زيارة السادات إلى القدس، حاضرا هذا الاجتماع.. يكشف، أن الجميع اندهش من موافقة السادات بما فيهم كيسنجر والإسرائيليين، يؤكد: فى الواقع كان كيسنجر يقول طوال الوقت إن السادات لن يرضى فيما هو مرجح بأقل من 250 دبابة.. يتذكر فهمى ما حدث من الجمسى: «شاهد الجميع الفريق الجمسى وهو يبكى وبدأوا يتململون، وتأثرت مشاعر الوفد المصرى الذى كان يشعر بنفس شعور الجمسى، وكان يمكن أن يرى المرء بسهولة على وجوه الوفد الأمريكى أنهم أيضا شعروا بالظلم الذى وقع على مصر، غير أن كيسنجر كان لا يفكر إلا فى نفسه، وقد شحب لونه، وظل يدمدم قائلا: ما الخطأ الذى قلته؟ وعندما عاد الجمسى إلى المائدة صامتا كسيرا، بدأ كيسنجر يغرقه بمديح مسرف، وظل يقول: إن العسكريين الإسرائيليين يقدرون تماما كفاءات الفريق الجمسى.. يعلق فهمى: كان كيسنجر يأمل بذلك أن يصحح الضرر الذى أوقعه، وقال: إن إسرائيل اعترفت حتى بأنها تخشاه أكثر مما تخشى كل القادة العسكريين العرب الآخرين، يتذكر فهمى: كان الفريق الجمسى وهو رجل ذو تواضع جم ينصت فى صمت، لم تكن بضع كلمات من المديح الشخصى هى التى تمحو المشكلة الحقيقية.
يكشف الجمسى: بعد انتهاء المفاوضات، اتصلت بالفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية بالقاهرة، وشرحت له ما دار فى الاجتماع، وطلبت أن يحضر إلى أسوان بالطائرة، لمناقشة وبحث الموضوع مع الرئيس، قبل أن يتم الاتفاق رسميا بين مصر وإسرائيل، وكان الحل التبادلى أن يتصل بالرئيس تليفونيا لتوضيح وجهة نظره التى تتفق مع وجهة نظرى، ولا أعلم ماذا تم بعد ذلك بين الرئيس وأحمد إسماعيل.
يضيف الجمسى أنه فى اليوم التالى استدعاه الرئيس إلى مكتبه فى استراحة أسوان، ليسأله عما حدث منه، فطرح وجهة نظره «العسكرية»، واقترح على السادات استدعاء أحمد إسماعيل إلى أسوان لمناقشته فى الموضوع، فرد الرئيس أنه لن يستدعيه، وأن الاتفاق مع كيسنجر يجب الالتزام به لصالح الاستراتيجية السياسية الجارى وضعها مع أمريكا.