فى الوقت الذى يحاول فيه الديمقراطيون عزل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من منصبه، عبر الحملة التى يقودها مجلس النواب، ذو الأغلبية الديمقراطية، يبدو أنه نجح باقتدار فى نصب فخ الانعزال لهم، عن الشارع الأمريكى، خاصة مع انشغالهم فى معركتهم الشخصية معه، بينما فشلوا فى تقديم أية رؤية يمكن على أساسها إطلاق حملتهم، استعدادا للانتخابات الرئاسية المقررة فى نوفمبر المقبل، وهو الأمر الذى أسفر عن حالة من الانقسام غير المسبوق، ظهرت بوادرها بجلاء فى انشقاق النائب جيف فان دورو، عن الحزب الديمقراطى.
إلا أن انعزال الديمقراطيين لم يقتصر على الداخل الأمريكى، وإنما امتد إلى المستوى الدولى، والذى كان بمثابة رهانا مهما لخصوم ترامب، قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة، حيث حاولوا الترويج لحالة الانعزال الأمريكى خاصة مع توتر العلاقة بصورة غير مسبوقة مع الحلفاء، خاصة فى أوروبا، جراء المواقف الأحادية الجانب، فيما يتعلق بالقضية الإيرانية، وغيرها من القضايا الدولية الأخرى، إلا أن الصورة تبدو تتغير فى المرحلة الحالية، حيث عاد الحلفاء الأوروبيين إلى التحليق من جديد فى فلك واشنطن، تزامنا مع تصاعد التهديدات الإيرانية.
فلو نظرنا إلى المواقف الأوروبية، نجد أن ثمة تراجع ملموس تجاه المسألة الإيرانية، وهو الأمر الذى بدأ بتصريحات بريطانية، لرئيس الوزراء بوريس جونسون، حملت مباركة صريحة لتوجهات ترامب بإبرام اتفاق جديد مع الدولة الفارسية، يحمل قيودا أكبر على القدرات التسليحية لطهران، ليحل محل الاتفاق النووى الحالى، والذى أبرمته القوى الدولية الكبرى معها فى يوليو 2015، برعاية الإدارة الأمريكية السابقة التى ترأسها باراك أوباما.
الموقف البريطانى استلقفته فرنسا، لتعلن، على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودوريان، الحاجة إلى اتفاق جديد، بينما تبعه بعد ذلك الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والذى أعلن خلال زيارته لإسرائيل بأن بلاده لن تكون مرنة مع التهديدات الإيرانية، وهو ما يعد تصريحا شديد اللهجة، يمثل تغييرا بارزا فى النهج الفرنسى.
ولعل المفارقة فى الموقفين الأوروبيين، أنهما جاءا من دولتين ذات توجهات على طرفى النقيض، فبريطانيا هى الدولة الأوروبية المارقة التى خرجت عن طوع أوروبا، فى إطار الخروج المرتقب من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، والمقرر فى وقت لاحق من الشهر الجارى، بينما تعد فرنسا أحد أهم الدول الداعمة لأوروبا الموحدة، وهو ما يعكس حالة من الوحدة غير معهودة فى المرحلة الراهنة على المستوى القارى فى القارة العجوز ولدت من رحم الأزمة الإيرانية
الموقف الدولى للحرج للديمقراطيين، أعرب عنه الرئيس ترامب، بصورة ساخرة، نشرها على حسابه على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، ظهرت فيها رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى، والتى تعد أحد ألد أعداء البيت الأبيض، مرتدية الحجاب الإيرانى، فى إشارة صريحة إلى لدعمها للجانب الإيرانى، وذلك بعدما انتقد حزبها الهجوم الذى شنته واشنطن لاستهداف قائد فيلق القدس قاسم سليمانى، والذى يمثل أحد أكبر قيادات الحرس الثورى الإيرانى.
موقف الديمقراطيين من إيران يحمل خيانة لأمريكا، على الأقل من وجهة نظر المواطن الأمريكى، والذى يرى أن العالم كله للالتفاف حول بلاده بعد سنوات من الخلاف، فى الوقت الذى مازال يروج فيه الديمقراطيون لدعاياهم، على حساب الأمن الأمريكى، وسلامتها واستقرارها، خاصة وأن الخطاب الإيرانى يتسم بتشدده تجاه بلادهم، وهو ما يثير قدرا كبيرا من المخاوف لدى قطاع كبيرة منهم.
وهنا يمكننا القول بأن معضلة الديمقراطيين الحقيقية تتمثل فى انعزالهم سواء فى الداخل، أو حتى على مستوى المواقف الدولية، بينما كان مخططهم بعزل الرئيس الأمريكى محكوم عليه بالفشل، قبل مولده، فى ظل هيمنة الجمهوريين على أغلبية مجلس الشيوخ، والذى يملك الكلمة الحاسمة فى هذه القضية، وبالتالى فإن الأمر برمته، فى رؤية المواطن، هو محاولة لا تخرج عن إطار الحرب الانتخابية، المرتبطة بالسباق الرئاسى المقرر فى هذا العام.