تسع سنوات 25 يناير لكنها بمثابة تسع عقود، الأحداث مزدحمة وسريعة ومتداخلة، ما تزال قادرة على إثارة الخيال، والخلاف، وتكمل عشر سنوات فى العام المقبل وهى فترة ليست كبيرة بمعايير الزمن والسياسة، ومن الصعب الحكم النهائى بالنجاح والفشل، لأن الأمر يتحقق بالنقاط، ويفترض أن تكون هذه السنوات قادرة على إنضاج النظر للأحداث وتقييمها بعيدا عن التهوين والتهويل. تفاصيل السياسة لا يمكن تقييمها بالحب والكراهية، لكنها واقع لا يوجد فى التاريخ «لو أو لولا»، ولا بالحب والكراهية.
خرج الآلاف وهم يحملون رغبة ومطالب بالتغيير، لم يكونوا تابعين لجهة أو تيار، ولا ممولين أو باحثين عن مواقع أو مكاسب، لكن الأمر لم يخل من جهات وأفراد مثلوا أهدافا لدول أو تمويلات، لم ينضم الإخوان إلى الثورة إلا بعد 28 يناير، وما يزال حرق الأقسام ومراكز الشرطة لغزا، لم يعترف ثورى حقيقى بالحرق، كانت هناك مطالب بالتغيير وليست مواجهة مع الشرطة.
الأمور تحولت إلى انفلات وفوضى مهدت لارتباك سياسى لدى كل التيارات، ومن يراجع شهادات وتصريحات وسلوكيات نشطاء ونجوم المرحلة يكتشف بسهولة كيف غرقت التيارات الزعامات فى تشابكات فرعية، وقد سجلت شهادتى وقتها أن أحداثا مثل محمد محمود أو مجلس الوزراء أو حرق المجمع العلمى أو باقى الاشتباكات التى انتهت للحرق والهتاف ضد المجلس العسكرى، لم تكن أمورا لها علاقة بثورة ولا تغيير وقادت لصدام وتقسيم مهد لركوب الإخوان، هناك أشخاص لمعوا وصعدوا، بل وحصلوا على أصوات المواطنين، ومع الوقت تحولوا إلى أبواق تصنع الصدام وتشتت الأفكار، وحتى أسماء وزعامات صنعتها دعايات المرحلة، كانت كاشفة عن حجم الفراغ والتفاهة لبعض هذه الزعامات الورقية.
لدينا أرشيف وشهادات متاحة لمن يريد، تصدى البعض ليعين نفسه مؤرخا ووكيلا وحيدا للثورة، يضم لها من يشاء، ويستبعد من يريد، وفيما يتعلق بالتقييم وحتى قبل مرور شهور تصدى بعض محتكرى الثورة للتأريخ ووضع أنفسهم فى المقدمة، فى المقابل هناك من يرى أن ما جرى بدأ انتفاضة للتغيير، سرعان ما تحولت إلى مطية للإخوان والمتمولين وصناع الفوضى.
وما جرى بعد ذلك فى سوريا وليبيا كان كاشفا عن حروب بالوكالة، وجهات تمول وتدعم التنظيمات الإرهابية، وبدا أن الفائز فى الربيع العربى هم الدواعش والإرهابيون، وبعض هؤلاء خرجوا من السجون بعد يناير بضغوط من الإخوان والمنظمات الحقوقية، ليصبحوا قادة فى تنظيم داعش بسوريا أو تنظيمات الإرهاب فى مصر.
لا يمكن تجاهل هذه التفاصيل لمن يريد قراءة هذه المرحلة المهمة التى شهدت تحولات كبرى، فى مصر والمنطقة، بعيدا عن حالة التعالى لدى قطاعات ما تزال تتوقف عند 18 يوما، وتتجاهل آلاف التفاصيل التى فرقت الجموع إلى تيارات ومصالح.
لقد كانت هناك محاولات لكتابة تاريخ ما يزال يحدث، وإصدار أحكام نهائية لنفى أو إثبات، متجاهلين الحدث الأهم فى مصر، خلال القرن الواحد والعشرين، الأمر تجاوز «الكلام فى السياسة» إلى إصدار أحكام بالسلب أو الإيجاب، وكل واحد يسارع بوضع نفسه وحجز مقعده فى التاريخ قبل «التانيين«.
نحن أمام حدث وقع من تسع سنوات، وهناك عليه شهود كثيرون، لكن المعلق من هؤلاء يترك كل هذا، ويجلس فى مكان الفلاسفة والمؤرخين، ليدلى برأيه، طبيعى أن يكون هناك نقاش جاد لتسجيل الوقائع، وتسجيل الشهادات، كل منها يخص صاحبها بوصفه واحدا من آلاف أو مئات الآلاف شاركوا، لنستطيع تقييم حدث أثر وما زال يؤثر فينا .