مرة أخرى، جددت مصر دعوتها إلى تجديد الخطاب الدينى، خلال مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الإسلامى، والذى انطلق بالقاهرة أمس الاثنين، وهى الدعوة التى تمثل أحد أهم المبادرات التى أطلقها فى السنوات الماضية، والتى كانت بمثابة أحد أهم الأدوات فى الحرب على الإرهاب، إلى جانب الأدوات الأمنية والعسكرية، لتصبح المعركة الراهنة ذات بعد أمنى تقليدى، إلى جانب أبعاد أخرى تتمثل فى الحرب الفكرية، والتى تهدف فى الأساس إلى تقويض الأفكار المسمومة التى يبثها دعاة التطرف، تحت ستار الدين.
ولعل أهم ما يميز الرؤى المصرية فى السنوات الماضية، هو النجاح المنقطع النظير فى تحويلها إلى العالمية، وهو ما يمكننا تسميته بـ"عولمة المبادرات"، بحيث لا تقتصر على الداخل المصرى، ولكنها تمتد إلى نطاق أوسع ليشمل محيطها الدولى والإقليمى، وهو الأمر الذى لا يقتصر على مسألة تجديد الخطاب الدينى، ولكنه يمتد إلى العديد من القضايا الأخرى، وعلى رأسها تنويع التحالفات، والتى تحولت فيه مصر إلى نموذج يحتذى به، سواء فى إفريقيا، وهو ما يبدو واضحا فى حالة التنافس بين القوى الدولية لاستقطاب القارة السمراء فى إطار صراع النفوذ لتشكيل النظام الدولى الجديد، أو امتد إلى مناطق أخرى، كدول أوروبا الغربية، التى لم تجد سبيلا سوى التقارب مع قوى كانت تبادلها العداء فى الماضى القريب، لمواجهة "التخلى" الأمريكى.
وهنا يمكننا القول بأن "عولمة" المبادرة المصرية المرتبطة بالخطاب الدينى، هو جزء لا يتجزأ من الرؤية المصرية القائمة على التأثير فى محيطها الدولى والإقليمى، فى ظل الارتباط القوى، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية، بين البعد المصلحى المرتبط بالداخل المصرى، من جانب، والتوجهات التى تتبناها الدول الأخرى من جانب آخر.
فلو نظرنا إلى التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، نجد أنه نجح فى استقطاب ألاف العناصر من كل مناطق العالم بفضل نجاحه "عولمة" خطابه، عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة لنشر أفكاره المتطرفة، وهو الأمر الذى لاقى استجابة كبيرة بين المتطرفين من الشرق والغرب على حد سواء، مما يبرز الدور الكبير الذى يمكن أن تلعبه أدوات "العولمة" لتغييب العقول، وبالتالى تبدو الحاجة الملحة، لاستخدام نفس الأسلوب لمواجهتها، عبر تعميم المبادرات البناءة التى تهدف إلى حماية، ليس فقط الأمن المصرى فى الداخل، ولكن أيضا الأمن العالمى.
الرؤية المصرية نالت اعترافا دوليا، ليس فقط بالمشاركة الواسعة بين الوفود العربية والإسلامية فى المؤتمر الذى عقد فى القاهرة، ولكن أيضا عبر سياسات دولية شهدت تغييرا كبيرا، تجاه ما يسمى بتيارات الإسلام السياسى، التى اعتبرها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تهديدا للجمهورية، ليضع خطة تحمل نفس الشعار "تجديد الخطاب الدينى"، بهدف مواجهة السموم التى يبثها دعاة التطرف، عبر تقديم برامج لتدريب الأئمة، بإشراف وزارة الداخلية.
موقف ماكرون، والذى يقدم نفسه باعتباره أيقونة جديدة لليبرالية فى أوروبا عبر الترويج لمبادئ حرية الرأى والتعبير، يمثل انتصارا لرؤية مصر، والتى طالما حذرت من تفشى ظاهرة الإرهاب، والتى انتقلت من نطاق الشرق الأوسط، لتضرب عمق دول الغرب، سواء فى أوروبا أو الولايات المتحدة.