أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد أحمد طنطاوى

أبناء الفراعنة يلقون القطارات بالطوب

الخميس، 30 يناير 2020 12:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بخطوات هادئة، وحركات بسيطة، يسير بين عربات قطار الدرجة الأولى بأناقة واضحة وزى مميز، يسأل هذا الرجل إن كان يريد الشاى أو القهوة، أو تلك السيدة التى تصطحب أولادها فى رحلة الذهاب من القاهرة إلى أسوان، وترغب فى وجبات ساخنة لصغارها قبل أن يناموا فى رحلة الطريق الطويل، أو يقدم زجاجة الماء لموظف وزارة الرى المكلف بمأمورية عمل فى السد العالى، بعدما بلغه العطش قبل نهاية الطريق... كل هؤلاء زبائن دائمون لدى أحمد سيد، مضيف القطار رقم 2014 القاهرة – أسوان، الذى اعتاد أن يوزع ابتساماته على الجميع، إلا أنه ولعدة أيام لن يمارس ما اعتاده، بعدما أصابه جرح قطعى فى فروة الرأس نتيجة إلقاء حجر على القطار من أحد "المعاتيه" بجوار شريط السكة الحديد.

أمر فى غاية الغرابة والعجب، أن يخرج مواطن سعيا على رزقه ليتلقى حجرا فى أم رأسه، نتيجة شاب مغيب أو طفل لم يجد من يعلمه الفرق بين الصواب والخطأ، ليعتاد أن يرى فى إلقاء القطار بالحجارة إنجاز أو عظمة يتباهى بها وسط أقرانه، بل قصة مُسلية يحكيها لأبناء الجيران أو أصدقاء الشارع.

لا يمكن أن نتصور حجم الانهيار التربوى والأخلاقى فى حضارة يختلف المؤرخون على تحديد عدد سنواتها، نتيجة توغلها الضارب فى القدم، إلا من خلال ما يحدث لقطارات السكة الحديد، التى يستقبلها الأطفال وبعض الشباب بالطوب والحجارة، على طول خط الصعيد، الذى كان شاهدا على عظمة كل ما ترك المصريون القدماء من حضارة، فى غياب واضح وصريح للأخلاق والتربية والتقويم السليم لهذا النشء الأخضر، الذى لم يجد من يغرس فيه القدوة أو يقدم المثل الأعلى أو يعلمه كيف يحافظ على المرافق العامة.

الدور الأكبر على المدارس ومن يضعون المناهج التعليمية الجديدة، التى كما أنها تخاطب الأنشطة والتعلم الفعال، يجب أن تخاطب المصلحة العامة بأن تكون مطعمة بدروس حول المصلحة العامة والمال العام، الطرق والقطارات والكبارى والمدارس والمستشفيات والملاعب وغيرها من عشرات النماذج التى يشكل المال العام فيها عاملا أساسيا، وأن المرافق ملك للجميع، ويجب أن نحافظ عليها كما نحافظ على أملاكنا الخاصة.

الطرف الثانى من حل القضية أن تكون هناك عقوبات رادعة لكل من يحاول أن يتعدى على حرم السكة الحديد، أو يلقى من يركبون القطارات بالحجارة والطوب، أو يمارس تجاههم أى نوع من العنف و السلوكيات السلبية، ويجب ألا  تنتهى العقوبة عند دفع الغرامة أو الاعتذار أو محضر الصلح، فإذا لم تكن  عادلة ورادعة لكل من يروع الآمنين أو يتسبب فى تكسير أو إتلاف أموال الدولة، فعلينا أن ندفع بقوة نحو هذا المسلك، بالإضافة إلى تكثيف حملات التوعية للمناطق التى تحدث فيها تلك الظواهر، ولا نترك الموضوع لمجرد الشجب والإدانة أو ضرب الكفوف والحسرة، فالحلول ممكنة، وبرامج التوعية موجودة، لكن ما ينقصنا هو التنفيذ الجيد والنتائج الإيجابية.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة