لا يهم ماذا تفعل المهم أن تصنع شيئاً يشد إليك الأنظار ويضاعف من اللايك والريتويت والشير، وركوب التريند ليس مثل نزوله، والركوب يحتاج إلى مواهب خاصة ورغبة مع أى كلام، وما زلنا فى معرض الكتاب، وكيف تتفوق كتب "الولاحاجة" فى التسويق على غيرها من الكتب الجادة، ويمكن لشاعر مجهول أن يصبح مشهوراً، حتى ولو لم يكن ما يلقيه شعراً ولا نثراً، هذه هى القاعدة التى يلتقطها المحترفون ليقوموا بالتسويق.
هناك جروبات سوشيالية أو لنقل بعض الجروبات تشترى متابعين وتصبح جروبات مليونية تحوى بعض الكتب "الولاحاجة" إلى "تريند"، بينما تبقى الكتب الجادة أو حتى الطبيعية "المتعوب عليها" فى نطاقات النسيان، وضربنا مثلا بـ سما المصرى التى تحولت إلى تريند فى معرض الكتاب مع أنها لا مؤلفة ولا قارئة، ومن حقها أن تذهب للمعرض أو للمهرجان، لكنها تسيطر على التريند وتصبح أشهر من الكتب.
وراجت فى بعض الأحيان فكرة أن "التريند" على حق، ما يعنى أن أى كلام يطرحه شخص مشهور أو نجح فى احتلال التريند هو كلام مهم، بل أصبح الأكثر تداولا هو الأكثر إثارة، برنامج طويل عريض وحوارات ساخنة يشتهر فقط "لفظ" خارج أو حركة بذيئة بالفم، أو صوت غريب.
وفى السياسة مثلما فى الفكر والفن، لم يعد الأشهر هو الأكثر عملاً وإنما الأقدر على توظيف الترند، بصورة غريبة، أو خبر عن طلاق أو زواج، ورأينا بعض المطربين الكبار يلجأون إلى ارتداء ملابس غريبة ولافتة حتى يمكنهم أن يجدوا مكانا.
وحتى الممثلين من غير ذوى الأصوات دخلوا إلى عالم الغناء من خلال ملابس وكليبات غريبة، قميص شيفون سيارات فارهة أو حتى كارو، المهم أن يصنع ما يمكنه شد الانتباه.
وحتى الحوارات السياسية والفكرية يتحول الأمر إلى تريند وينقسم المؤيدون والمخالفون إلى مشجعين فى ملعب كرة قدم، وانتقل فيروس الانحياز من الكرة إلى السياسة والفكر، وحتى تجديد الخطاب الدينى، أو السياسى، المواقف مسبقة وجاهزة ولا علاقة لها بالأفكار لكن بالأشخاص، وسجلت ذلك فيما سميته "الأكثر تهجيصا والأكثر تأثيرا"، فالنميمة تشد أكثر من الكلام العادى، والشائعة مغرية أكثر من الخبر، والاستسهال لدى متابعين لا يفكرون يمنح الشائعات والأخبار المغسولة بريقا، وبالطبع هناك تعمد فى صياغة بعض الشائعات لتكون مثل الحقيقة، وقليلون هم من يطبقون القواعد العادية فى تلقى ونقل الأخبار.
يكفى أن نتابع عشرات، وربما مئات، الأخبار التى تم إطلاقها حول ما سمى صفقة القرن، وكانت تستهدف مصر وتزعم أن سيناء وأراض مصرية ضمن الصفقة، بل وتم تحويل الأنفاق والمشروعات الكبرى فى قنوات تركيا وقطر إلى مشروعات لخدمة الصفقة الفكاهية، ثم بعد إعلان الأمر صمت كل هؤلاء الذين يزعمون أنهم محللون أو سياسيون، وحتى بعض من يدعون أنهم باحثون وعلماء يتحولون تحت ضغط التريند وإغراء الكاميرات إلى مجرد أراجوزات، لدرجة أن قنوات قطر وتركيا استدعت باحثا مثل عصام حجى ليفتى ويتحدث فى قضية المياه وسد النهضة، وهى قضية لا تتعلق بتخصصه، وسبق له وأعلن عن إعصار سيضرب مصر فى أكتوبر الماضى، واتضح أنه غير صحيح وخارج نطاق العلم والعقل والمنطق، ولم يعتذر بل كان هناك من أعاد "تشيير" كلامه، بل كرر ترديد الكلام فى أى موضوع ومن دون متابعة، مستندا إلى كونه باحثا فى فرع ما لا نعرفه، وهذا لا يعطيه الحق فى ترديد كلام وأخبار ومنحها صفقة العلمية وهى مجرد دردشات سوشيالية من أجل التريند .
نموذج عصام متكرر لدى "عبيد التريند"، هناك حالة من الفتى والانحياز فى أى موضوع، ومن دون متابعة أو علم. وطبيبا يتحدث فى المياه، وخبيرا ربما يكون على الجمهور الذى ردد أو صدق هذا الهراء أن يعيد النظر فى نوعية هؤلاء المدعين وأمثالهم، وهذه مجرد أمثلة على أن "التريند ليس دائما على حق" أو أن الجمهور "عاوز كده"، ثم إن المتفوقين فى التقنية والأدوات الحديثة ربما لا يمتلكون محتوى يسمح لهم بالفتوى أو لادعاء بالفهم.
وهذه النماذج بالطبع ساهمت فى رفع الوعى، بعدما تكشف لدى قطاعات كثيرة أن "التريند" ليس دائماً على حق، وإن كثرة وقوع كبار صناع الضجيج فى الأخطاء والكذب حرق الكثير من الوجوه التى فقدت احترامها وتلاشت، وهو أمر يمثل ميزة، وسط الكثير من الميزات، لأن عالم التواصل الاجتماعى واقع لا يمكن إلغاؤه ولا منعه، ومطلوب فهمه.