سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 8 يناير 1973.. توفيق الحكيم يتحدث غاضبا لغالى شكرى عن موجة التدين الزائفة

الأربعاء، 08 يناير 2020 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 8 يناير 1973.. توفيق الحكيم يتحدث غاضبا لغالى شكرى عن موجة التدين الزائفة توفيق الحكيم
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هرع الكاتب والناقد الدكتور غالى شكرى إلى الكاتب المفكر توفيق الحكيم فى مكتبه بالطابق السادس بجريدة الأهرام يوم 8 يناير، مثل هذا اليوم، عام 1973..كان «شكرى» بالقرب منه فى المكان المخصص لمجلة «الطليعة»، حسبما يذكر فى كتابه «من الأرشيف السرى للثقافة المصرية»، يؤكد، أنه لم يرى «الحكيم» قط منزعجا طوال السنوات العشر الماضية التى اقترب فيها منه مثلما رآه هذه المرة.. لماذا كان هذا الغضب الذى دفع الاثنين إلى إغلاق الباب ورفع سماعة التليفون، وفقا لذكريات «شكرى»، مضيفا: «تحدث الرجل الذى يتجاوز السبعين فى حدة شاب لم يبلغ العشرين».
 
ثراء لقاء الاثنين يعود إلى أنهما قامتان ينتميان إلى مدارس فكرية مختلفة، فغالى شكرى يسارى بارز بقى فى السجن رهن الاعتقال لسنوات فى أواخر الخمسينيات زمن عبدالناصر، فيما كان «الحكيم»، مدللا من عبدالناصر، وحصل منه على وسام الجمهورية. 
 
كان «شكرى»، وقتئذ يبلغ من العمر 38 عاما، مواليد 12 مارس 1935 بمدينة منوف محافظة المنوفية، وناقدا أدبيا فى مجلة «الطليعة» التابعة لمؤسسة الأهرام التى صدر عددها الأول عام 1965، كمنبر يسارى فكرى تصدر كل شهر، واجتمع عبدالناصر بأسرة تحريرها عام 1969، أما الحكيم فكان عمره 75 عاما «مواليد 9 أكتوبر 1998»، وكاتبا فى الأهرام، و«عمدة الدورالسادس» الذى يجمع أبرز رموز مصر الفكرية والأدبية الذين يكتبون فى الأهرام، أشهرهم نجيب محفوظ ولويس عوض ويوسف إدريس..يذكر شكرى: «أصبح مكتبه فى الطابق السادس، منتدى سياسيا صغيرا يؤمه الشباب والكهول والشيوخ ممن تؤرقهم قضية الوطن ليل نهار».
 
والمفارقة أن «شكرى» رغم مرارة السجن فى عهد عبدالناصر، كان من المدافعين عنه فى مواجهة الحملة ضده التى بدأت فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى، وقدم مؤلفات مهمة أبرزها «الثورة المضادة» و«النهضة والسقوط فى الفكر المصرى الحديث»، و«ثقافة النظام العشوائى» و«أزمة الجنس فى القصة العربية»، أما «الحكيم» صاحب «عودة الروح» و«عصفور من الشرق»، فرغم تقدير عبد الناصر له إلا أنه افتتح حملة الهجوم ضده بكتابه «عودة الوعى» عام 1973، وأثار ضجة كبيرة وغضب منه وردود أبرزها رد الكاتب والمؤرخ محمد عودة بكتابه «الوعى المفقود»، وكان شكرى ضمن الغاضبين، وقال عنه: «لقد سقط كاتب عظيم».
 
كانت مقابلة يوم 8 يناير قبل مرحلة كتاب «عودة الوعى»، وتمت أثناء مناخ سياسى ملتهب، فالمظاهرات الطلابية فى الجامعات المصرية كانت مشتعلة منذ أواخر ديسمبر 1972، حتى يناير 1973، والسبب وفقا لشكرى: «تحولات النظام الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ناحية اليمين»، يضيف: فى ظل هذه الأجواء عادت نغمة «الدين» تحتل موقع الصدارة بأقلام غير متدينة كأنيس منصور ومصطفى محمود، ثم بدأت رياح الفتنة الطائفية تتحرك، ووقف أحد المحافظين، محمد عثمان إسماعيل، «محافظ أسيوط»، ليقول بالحرف الواحد: أعداؤنا ثلاثة هم المسيحيون والشيوعيون واليهود، حسب هذا الترتيب،، ووقف آخر فى ندوة علنية بقاعة اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى ليقول: نريد عقيدتنا ولا نريد سيناء..وبدأ الشيخ عبدالحليم محمود «شيخ الأزهر من 1973 إلى 1978» يكتب فى الأهرام،أن أرسطو هو السبب فى اندحار الدولة الإسلامية.
 
فى هذه الأجواء تحدث الحكيم، وكتب شكرى ماجرى فى كتابه «من الأرشيف السرى للثقافة المصرية»، وتكمن أهمية إعادة قراءته فى أنه يطرح نفس الإشكاليات التى مازلنا نواجهها.. قال الحكيم: «هناك ناس فى بلادنا يريدون الرجوع بنا إلى مائتى سنة إلى الوراء.. ليس هذا تدينا ما نشاهده فى التليفزيون ونسمعه فى الإذاعة، ويمتد أثره إلى رحاب الجامعة وملابس الطالبات، إنه «هوس» و«دردشة» و«جنون» تعبيره السياسى المؤكد أن نتحول إلى مجتمع ضد المدنية والحضارة، مجتمع ينتمى إلى أكثر العصور ظلاما.
 
يصف شكرى حالة الحكيم: كانت الكلمات تغلى على لسانه، وانفعالات وجهه تتبدل خطوطها وألوانها بسرعة الضوء، حتى أننى اضطربت عى «قلب» الرجل من فرط الحماس المتوهج بالغضب، ولكنه راح يزجرنى بعنف: «قل لى ماذا أنتم فاعلون يا شباب هذا الجيل؟.. رد شكرى: أنت تعلم ماذا يصنع شباب مصر؟، قاطع الحكيم شكرى بقسوة، ورد: هذا لا يكفى..العبء كله على طلبة الجامعات، وحتى هؤلاء بدأت تتسرب بينهم التيارات الخبيثة التى تتلفع بثياب الدين وتخفى أظافرها المتعطشة للدم بقفازات حريرية من السلف الصالح.. البنات فى كليات عملية كالطب والهندسة بدأن يرتدين «الطرحة» التى يلبسها النساء فى الحج، هذا غير معقول بمصر التى يمتد تاريخها الحضارى إلى سبعة آلاف سنة، سأدعو بأعلى صوت إلى تكوين جمعية لحماية الحضارة فى بلادى ضد أعداء الحضارة، أولئك الذين يتهدجون بالصوات والعبارات نهارا، وفى ظلام الليل تجدهم فى شارع الهرم والأحياء الراقية و«الشقق المفروشة».. ليس هذا «تيار دينى»، بالمعنى الذى كنا نعرفه ضمن تيارات عديدة فى الثلاثينات والأربعينيات من هذا القرن، ذلك أن «الدين» كتيار فكرى له حق الوجود كغيره من التيارات الفكرية.. إن ما أراه الآن ليس كذلك، إنه تيار مدمر لكل قيمة حضارية، بل هو مدمر للأخلاق نفسها، حتى بمعناها الدينى، ذلك أن الشواهد كلها تقول إن التحلل والتفسخ والعفن هو الوجه الآخر لعملة «الدولة الدينية» التى ينادى بها البعض الآن،الدين كان وسيظل علاقة شخصية بين الفرد وربه، أما الدولة فشىء آخر، والبشر وحدهم هم المسؤولون عنها».. واستمر الحوار.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة