كان المصريون القدماء يحرصون على وضع الكتب الدينية داخل مقابرهم خاصة فى عصر الإمبراطورية أو عصر الدولة الحديثة، ومؤخرًا تم العثور على كتاب "طريقين" داخل تابوت إحدى مومياوات سقارة المكتشفة حديثًاً، ولكن الحديث هنا سيتطرق لمقبرة ضمت ما يقرب من 6 كتب دينية، فما هى حكاية تلك المقبرة؟
مقبرة رمسيس السادس
هى مقبرة رمسيس السادس، ابن الملك رمسيس الثالث، آخر فراعنة مصر العظام، والملكة إيزيس تا حم جرت، بنى لأمه مقبرة فى وادى الملكات بالبرالغربى لمدينة الأقصر، وكان عليه أن يجعل من فترة حكمه فترة عظيمة، كسابقيه من الملوك الرعامسة، رغم قصر مدة حكمه وقلة الإمكانيات فى عهده.
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير، عالم المصريات ومدير متحف آثار الإسكندرية، أن رمسيس السادس قام بتخفيض عدد العمال والفنيين العاملين فى منطقة دير المدينة بالبر الغربى لمدينة الأقصر، وقام بدفن سلفه وابن أخيه الملك رمسيس الخامس فى مقبرة مجهولة فى جبانة طيبة، واغتصب مقبرة الملك رمسيس الخامس لنفسه ووسعها وزينها، وأتم الأعمال التى بدأها من سبقه من أسلافه الملوك فى المعبد الجنائزى فى منطقة القرنة فى البر الغربى لمدينة الأقصر، وقام بكتابة اسمه على بعض الآثار بدلاً من الملكين رمسيس الرابع ورمسيس الخامس.
مقبرة رمسيس السادس
كما نصب ابنته، كزوجة إلهية للإله آمون، إلى جانب كبير الكهنة المدعو رمسيس نخت الذى قام بهذه الوظيفة منذ عهد الملك رمسيس الرابع إلى عهد الملك رمسيس التاسع، وفى عهد الملك رمسيس السادس، كان الوضع الاقتصادى فى تدهور تام، وكانت عصابات النهب منتشرة بكثرة فى منطقة طيبة أو مدينة الأقصر الحالية، ومات الملك رمسيس السادس بعد فترة حكم دامت حوالى ثمانية سنوات وخلفه الملك رمسيس السابع، ودفن الملك رمسيس السادس فى المقبرة رقم 9 فى وادى الملوك بالبر الغربى لمدينة الأقصر التى نهبت بعد نهاية حكم عصر الأسرة العشرين، ونقلت مومياء الملك رمسيس السادس إلى خبيئة المومياوات التى وجدت فى مقبرة الملك أمنحتب الثانى أو المقبرة رقم 35 من مقابر وادى الملوك حيث تم العثور عليها فيها.
وربما دفن سلفه الملك رمسيس الخامس فى المقبرة رقم 9 بوادى الملوك فى البداية لفترة قصيرة من الوقت، كى يتم انقضاء الوقت اللازم لإعداد مقبرة أخرى غيرمزخرفة له، على الأرجح، وكى يتم قطعها له فى مكان آخر فى وادى الملوك، والتى لم يتم اكتشافها إلى الآن.
مقبرة رمسيس السادس
أمر الملك رمسيس السادس بتجديد المقبرة رقم 9 فى وادى الملوك بالكامل لنفسه، وتم ذلك غالبًا فى السنة الثانية من حكمه، وربما يرجع ذلك لأن الاستقرار قد عاد إلى طيبة فى ذلك الوقت، وقد يدل اغتصاب مقبرة الملك رمسيس الخامس من قبل الملك رمسيس السادس على أنه لم يكن يهتم اهتمامًا كبيرًا بسلفه، مما قد يفسر لنا سبب محو اسم الملك رمسيس الخامس واستبداله باسم الملك رمسيس السادس فى أكثر من مناسبة، وقد يكون ذلك قد حدث، بسبب قيام الملك رمسيس السادس بعدد من الإجراءات الاقتصادية التى دفعته للقيام بذلك.
وأضاف الدكتور حسين عبد البصير، أنه على ما يبدو أن أعمال تزيين مقبرة رمسيس السادس قد اكتملت فى السنة السادسة من حكم الملك رمسيس السادس، وصارت المقبرة جاهزة أخيرًا لدفن الملك رمسيس السادس فى العام الثامن من حكمه على عرش مصر، وربما كان الملك رمسيس السادس فى ذلك الوقت مريضًا وكان يقترب من الموت بشدة.
مقبرة رمسيس السادس
وتابع، وشملت مقبرته على واحد من ثلاث نسخ كاملة فقط من "كتاب البوابات" المعروف من بين أبرز الكتب الجنائزية الملكية فى مصر القديمة، بالإضافة إلى نسخة كاملة من "كتاب الكهوف"، و"كتاب ما هو موجود فى العالم السفلى" أو "الإيمى دوات"، و"كتاب البقرة السماوية"، و"كتاب الليل"، و"كتاب النهار"، وتعد مقبرة الملك رمسيس السادس فى وادى الملوك سجلاً حافلاً للكتب الدينية فى مصر القديمة فى عصر الإمبراطورية أو عصر الدولة الحديثة.
وبعد ما يقرب من مرور 20 عامًا على دفن الملك رمسيس السادس، تمت على الأرجح سرقة مقبرته ونهبها من قبل لصوص المقابر والآثار، الذين قاموا بالعبث بيدى وقدمى مومياء الملك رمسيس السادس للوصول إلى المجوهرات الملكية التى كانت موجودة فى مقبرته، وجاء ذكر تلك الأحداث التى وقعت فى عهد رمسيس الحادى عشر فى بردية "ماير ب"، على الرغم من أن تحديد المقبرة المذكورة فى هذا المصدر غير مؤكد لنا تمامًا.
وأشار الدكتور حسين عبد البصير، إلى أنه تم نقل مومياء الملك رمسيس السادس بعد ذلك إلى المقبرة 35 من مقابر وادى الملوك، والتى تخص الملك أمنحتب الثانى، فى عهد الملك الكاهن "بينجم" فى أوائل عصر الأسرة الحادية والعشرين، حيث اكتشفها فيكتور لوريت عام 1898م، وأوضح لنا الفحص الطبى للمومياء أن الملك رمسيس السادس قد توفى عن عمر يناهز الأربعين عامًا، وأظهرت الدراسات التى تمت على مومياء الملك رمسيس السادس أن ضررًا شديدًا حدث فى موميائه، وأن تكسرًا بفأس لصوص المقابر والآثار أصاب رأس الملك وجذعه، وحولها إلى عدة قطع.
وفى عام 1898، قام جورج إميل جول دارسى بتنظيف المقبرة رقم 9 من مقابر وادى الملوك، والتى ظلت مفتوحة منذ العصور القديمة، وكشف عن أجزاء من صندوق كبير من الجرانيت، بالإضافة إلى العديد من القطع من التابوت الحجرى الخاص بمومياء الملك رمسيس السادس، ويوجد وجه التابوت الآن فى المتحف البريطانى فى لندن، وتم ترميم التابوت الحجرى فى عام 2004 بعد عامين من العمل على أكثر من 250 قطعة تم العثور عليها فى المقبرة حيث يعرض الآن، وحاولت مصر إعادة وجه التابوت من المتحف البريطانى إلى مصر، لكن دون جدوى.