وجود الجان والملائكة حقيقة ثابتة رغم غيابهما عن عالم "الشهادة"، حيث لا يدركهم الناس بأعينهم المجردة لمكوثهم فى العالم الخفى، قد يتحركون حولنا ولا نراهم، فرغم أن الجان يتناسلون تزاوجا و ميلادا ورصدا للبشر غواية فى الشر من قبل أبالسة الجان، إلا أن الملائكة خلق واحد لا يوجد فيه ذكر وأنثى ولا ينجبون، بداية الملاك ببداية الكون وموته بانتهاء الكون، والله غالب على خلقه، بما قدره تسير الأقدار مهما اختلفت الأسباب، حيث ثارت خلافات فى الرواية والرؤى والشهادات حول ظهور الجن، وعدم رؤية الملائكة، رغم أن العنصرين توصف بأنها أجسام لطيفة هوائية لا ترى بالعين المجردة.
وهناك رواية تراثية منقولة حول رؤية النبى موسى عليه السلام فقأ عين ملك الموت، حيث قال البخارى فى (صحيحه) عن وفاة موسى عليه السلام: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبى هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه عز وجل، فقال: أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت، قال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أى رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. قال فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رميه بحجر، قال أبو هريرة: فقال رسول الله ﷺ: "فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".
قال: وأنبأنا معمر، عن همام، عن أبى هريرة عن النبى ﷺ نحوه.
وقد روى مسلم الطريق الأول من حديث عبد الرزاق به.
ورواه الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة، عن عمار بن أبى عمار، عن أبى هريرة مرفوعًا وسيأتى.
ووردت رواية أخرى أن (النبى موسى) رأى الشيطان/إبلس الموصوف بالجنى الفاسد أو الكافر، وهو ملك الغواية لإضلال البشر، وقام "النبى" بفقء عين الشيطان المسمى بـ"عزازيل"، وهو ما نقله السيوطي في الدر المنثور ونسبه لابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان: عن ابن عمر قال: لقي إبليس موسى فقال: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وكلمك تكليماً.. إذا تبت، وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي، قال موسى: نعم، فدعا موسى ربه فقيل: يا موسى قد قضيت حاجتك، فلقي موسى إبليس، قال: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك، فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد له حياً أسجد له ميتاً؟، ثم قال إبليس: يا موسى إن لك علي حقاً بما شفعت لي إلى ربك، فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن: اذكرني حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم، واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده وزوجته حتى يولي، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها، وقد ذكر هذه القصة ابن عساكر بسنده في تاريخ دمشق، كما ذكرها الغزالي في الأحياء وابن الجوزي في تلبيس إبليس، فقد حذره من ثلاث مسائل هي: الغضب، والتولي يوم الزحف، والخلوة بالأجنبية، وهذه المسائل ورد التحذير منها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
خلافات الرؤية الكلية للجان ومنهم الشياطين والأبالسة، ورؤية الملائكة، دائرة وسط روايات شعبية متناثرة فى كل زمان ومكان وجميعها من قبيل الحكاية الأحادية غير المدللة، التى تصل إلى حد الهوس و الالتباس والزعم وتعليق شماعات النجاح والفشل على الجان والأعمال.
الشيخ أحمد تركى، من علماء الأزهر الشريف، أكد أن الجن مخلوق من مخلوقات الله لا يرى بالعين المجردة ولا يظهر فى الطبيعى، وهناك سورة وقد تحدث النبى عن الجن فى إطار الغيبيات.
وأضاف العالم الأزهرى، لـ"اليوم السابع"، أن من أدعى أنه رأى الجن فلا يصدق ولا يكذب ولا يترتب على ذلك شيء، ولا يترتب على ذلك معلومة أو أخذ رأى أو مشورة أو صلاح.
وأشار العالم الأزهرى، إلى أن من أدعى أنه يتعامل ويتفاعل مع الجن فهو شخص دجال، لأن الله أكد أنهم يرون البشر هو وقبيله من حيث لا ترونهم، والله هو من قرر أن الإنسان لا يدرك رؤية الغيبيات فى الطبيعى، ومن ادعى أنه ارتقى فوق درجة البشر فى رؤية الجن والملائكة فهذا لون من الدجل، وإيماننا به فى إطار الغيبيات هو الأمر المقبول.
الشيخ أحمد البهى من علماء الدعوة، أكد أن الجان والشيطان يتشكلا للبشر فى مظاهر حسنة وقد يتشكل الجان فى شكل قبيح، حيث إن أذى وتأثير الجان فى حق الإنسان وارد، وقد يقع، وللجنى والملاك قدرة على الظهور بالمظهر الذى يريده، كما تستطيع الملائكة تعذيب الإنسان عقابا بأمر إلاهى.
وأضاف الشيخ البهى، لـ"اليوم السابع"، أن الملائكة ليسوا ذكورا أو إناثا، ولا يتزوجون، ولا يتناسلون، حيث يخلق الملاك ببداية الكون ويمتون بأنتهاء الكون، أما الجان فمثل البشر فى الزواج والتناسل والحياة والموت والتكاثر، وضررهم متوقع، وظهورهم وارد لقدرتهم على ذلك.
ما بين العلوم العقائدية الدينية والفكرية وبين العلوم الإنسانية، وقف الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية، عند حد انضباط العقل والسلامة النفسية، مؤكدا أن مجرد إدعاء رؤية الجن، أو حتى الملائكة يعد إثبات أن مدعى رواية الرؤية أصبح مريضا يعانى من حالة مرضية.
وقال الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية، لـ"اليوم السابع": عقائديا وتراثيا جمهور العلماء أكدوا أن الجين والشيطان لا يظهر للإنسان بصورته الطبيعية.
وأضاف استشارى الصحة النفسية، أن الحالة النفسية تنعكس على عقله بحيث يتخيل الشيء الذى يؤرقه، وأكبر دليل أن الشياطين التى لا نراها ولا نعرف شكلها، يقوم الأشخاص برسم الشيطان والجن رغم أنه لم يراه، مضيفا أن بعض الأشخاص يمرون بهلاوس سمعية وبصرية ويمرون بفترات ضعف فى وقت المراهقة وأزمات اجتماعية ونفسية ووفاة شخص عزيز عليه أو يعيش فى وحدة، تجعله يتخيل الهلاوس والشياطين كما تعزز وسائل الإعلام تنمى هلاوس الجن فى الأفلام وغيره مثل فيلم التعويذة لعزت العلايلى وتجعل البناء النفسى مهيئ لرؤية هذه الهلاوس وتخيلها لدى الشخص الذى يعانى من مشكلة.
الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كان له رأى فى مجرد الإيمان بالجن، مشددا على أن كل من يدعي إخراج الجن من جسد الإنسان كاذب ومرتزق ومضلل، مؤكدا أن الإيمان بهم من عدمه ليس عقيدة، قائلا: إن القرآن الكريم أخبر عن كائنات اسمها الجن ولها مواصفات، ومن هنا وجب الإيمان بوجودهم حسب القدر الذي بيَّنه القرآن وأوضحته السنة النبوية الصحيحة، وفيما وراء هذين المصدرين تصبح معلوماتنا عن الجن عارية عن أي دليل من أنواع الأدلة الحسية أو العقلية.
وأضاف شيخ الأزهر فى تصريحات له، أن هناك فرق بين الإيمان بالملائكة والإيمان بالجن، فالإيمان بالملائكة أصل من أصول الإيمان التي حددها وبينها النبي صل الله عليه وسلم وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر، فلو لم أؤمن بالملائكة لانهدم الإيمان تماما، أما الإيمان بالجن فإن القرآن مع كثرة ما تحدث به عن الجن لم يجعل الإيمان بهم عقيدة من عقائد الإسلام كما جعل الملائكة، وإنما تحدث عنهم فقط كما يتحدث عن الإنسان وعن كل شيء، فالتصديق بوجودهم من مقتضيات التصديق بالقرآن في كل ما حدث عنهم.وأوضح شيخ الأزهر أن حديث القرآن عن الملائكة يختلف عن حديثه عن الجن؛ فبينما يصف القرآن الملائكة بأنهم عباد مكرمون، وأنهم ذوات كلها خير وطاعة، يصف الجن بأنه قد يكون صالحا وقد يكون فاسدا، وفي بعض المواضع أضاف إلى الجن مهمة الوسوسة بالشر وتزيينه للناس، شأنهم في ذلك شأن المنحرفين من بني آدم، لافتا إلى أن الجن مكلف بالأوامر والنواهي الشرعية، ومكلف بالعبادة كالإنسان بدليل قول الله تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون».
وأكد أن السبيل الوحيد للتحصين من الجن هو الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بالأذكار، وكثرة التعوذ من شر الجن ومن شر الأنس أيضا، بدليل قول الله تعالى «وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون»، كما أنه ليس للجن على الإنس سلطان على عباد الله الصالحين، ولذلك يجب على المؤمن ألا يخشى الجن أبدا، بل المؤمن باستطاعته أن يقهر الجن بالأذكار، ولا يستطيع أن يخترقه لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك هو يستضعف الإنسان الضعيف فقط، مضيفا أن القرآن الكريم نص على أن الجن لا يعلمون الغيب عندما تحدث عنهم في سورة الجن قال تعالى: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا)، مشيرا إلى أن ما نسمعه ونشاهده من دعاوى كلام ما يطلق عليه الملبوس هو خيالات واختراعات لا أساس لها من الصحة، فقوة الجن هي في الوسوسة والإضلال، وليس في التلبس لقوله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ).
ونوه شيخ الأزهر إلى أن كل من يدعي إخراج الجن من جسد الإنسان كاذب ومرتزق ومضلل، مبينا أن كثيرا من القنوات التليفزيونية أصبحت تنتفع من خلال السحر والشعوذة، وذلك عندما أصبحت فلسفة المال هي التي تتحكم في الجميع، فكيف تتوقع لأمة يسود فيها إعلام كهذا إلا أن ينتحر الطالب بالحوت الأزرق، فالخطر الأكبر هو أن يكون مبدأ الفلوس أغلى من عقول الناس، وأيضا عندما يكون ثمنها تخريب عقول الناس وتزييف وعي الناس وإضلالهم والكذب على الناس، فالأمم لا تنهض بهذا الأسلوب إطلاقا لكن تنهض بمواجهة الحقيقة والدوران حولها ومعرفة كيف تحل المشكلة.فيما فسر الشعراوي رحمه الله "الآية" خلال إحدى حلقاته ب برنامج خواطر الشعراوي قائلًا: "إنه" تعني هنا الشيطان و"يراكم" تعني أنهم مكلفون بذلك، وقبيله" المراد بها هنا الذرية.
وقال الشعراوي رحمه الله عن تفسير من "حيث لا ترونهم" إن بها أسلوب تغليظ لشدة الحذر، والتنبه؛ لأن العدو الذي تراه تستطيع أن تدفع ضرره، أما العدو الذي لاتراه يكون كيده وضرره أشد إذ لابد أن يتنبه الإنسان إلى مداخل الشيطان؛ لأنه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم.
وتابع الشعراوي أن العلماء وقفوا عند تفسير "إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم" ، وعللوا ذلك بأن الإنسان خلق من طين وهي كثيفة، أما الجن فمخلوق من النار وهي شفيفة، ومن هنا توصل العلماء إلى أن الشيء الشفيف ينفعل للكثيف، ولكن الشيء الكثيف لا يستطيع أن ينفعل للخفيف.
وضرب الشعراوي رحمه الله مثالا علي ذلك قائلا: إن الإنسان إذا جلس وخلفه جدار وخلف الجدار تفاح وفاكهة، فهل يتخلل التفاح الجدار لتصل رائحته وطعمه إلى فمك نافيًا ذلك: بالطبع لا.
وقال الشعراوي لكن إذا كان يوجد خلف الجدار نار مشتعلة مع الوقت يشعر الإنسان بالحرارة، فالشيطان من نار والملائكة من نور وهما جنس خفي.
وهنا وقف الشعراوي ليجيب عن ما إذا الشيطان يرى أم لا.. ليجيب قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه يرى قائلا:
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ لِيَقْطَعَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ ، فَذَعَتُّهُ وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَام: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِيًا".
ومن هنا يتضح لنا أن الشيطان يمكن له أن يتمثل في صورة بشر، ولكننا لا نراه على حقيقته الذي خلقه الله بها.
وأوضح الشيخ الشعراوى أن الجن إذا تصور بصورة إنسان أو حيوان أو أى شيء آخر مادى "منع ذلك الوثوق من معرفة الأشخاص"، مؤكدا أن الوثوق من معرفة الأشخاص أمر ضرورى لحركة وسير الحياة وحركة المجتمع.
وضرب هنا الشعراوي رحمه الله مثال قائلا: "إنك لا تعطف على ابنك إلا أنك تعلم أنه ابنك، ولا تثق في صديق إلا أنك تعلم أنه صديقك، ولا تأخذ علما إلا من شخص تعلم وتتأكد أنه عالم، أما إذا ظهر الجن بصورة هؤلاء فكيف لنا أن نثق في تعاملاتنا مع من حولنا.
وهنا يجيب الشيخ الشعراوى عن حقيقة ظهور الجن للإنسان قائلا: "إذا أراد الجن أن تراه فهو يظهر لك على صورة شيء مادى، لكنه لا يتمثل فى صورة استمرارية، ولكنه يتمثل في صورة ومضة وسريعة، ويختفى وهو أمامك، معللا ذلك بأن الجن يعلم أنه لو تشكل للإنسان فى صورة مادية وظهر له بها حكمته الصورة التى انتقل إليها"؛ موضحًا: أى إذا أطلقت عليه الرصاص عند ظهوره لك بصورة إنسان أو حيوان يموت فى الحال.
وأوضح الشعراوى أن الإنسان إذا تأمل الجن المشكل في صورة غير صورته لابد أن ترى فيه شيئًا يخالف الطبيعة، وتابع الشعراوى لذلك الجن أو الشيطان يخاف منا أكثر ما نخاف منه؛ لأنه يعلم أنه إذا ظهر لنا وتجسد فى أى شيء ظهور استمرارى سوف نعرفه ونتغلب عليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة