استمع الرؤساء الأفارقة باهتمام كبير إلى الشرح الذى قدمه الرئيس جمال عبدالناصر، عن دور الاستعمار فى إقامة إسرائيل واغتصاب أرض فلسطين من أصحابها وتشريد أهلها.. كان ذلك أثناء مؤتمر القمة الأفريقى الأول بالقاهرة يوم 17 يوليو 1964، وفقا لمحمود رياض وزير خارجية مصر وقتئذ فى الجزء الثالث من مذكراته «أمريكا والعرب»، مضيفا: «قارن عبدالناصر ذلك بما فعلته بريطانيا فى كينيا، وأيضا بما تفعله حكومة جنوب أفريقيا للاستيلاء على أراضى القبائل الأفريقية، كما شرح دور إسرائيل فى خدمة الدول الاستعمارية فى الشرق الأوسط وفى القارة الأفريقية».
يؤكد رياض: «كانت هذه أول مرة يستمع فيها غالبية الرؤساء لوجهة النظر العربية من رئيس عربى يكنون له كل تقدير لمساندته حركات التحرر الأفريقية».. وفى مذكراته «عبدالناصر والثورة الأفريقية»، يذكر محمد فائق رئيس الشؤون الأفريقية فى رئاسة الجمهورية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى: «كان عبدالناصر يعطى أهمية خاصة لمقاومة النفوذ والنشاط الإسرائيلى فى أفريقيا، وذلك لاستكمال حلقات الحصار الاقتصادى الذى فرضته عليها الدول العربية».
واصلت مصر دورها الحيوى فى أفريقيا، وقطفت ثماره فى حرب 6 أكتوبر 1973.. يذكر الدكتور محمد عبدالمؤمن محمد عبدالغنى، فى كتابه «مصر والصراع حول القرن الأفريقى 1945- 1981»: «أثناء الحرب قامت معظم الدول الأفريقية (ستة عشر دولة) بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، إلا أن إثيوبيا ظلت مترددة لفترة من الوقت على الرغم من الضغوط التى مارسها السادات على امبراطور إثيوبيا «هيلاسلاسى»، فقد أرسل له العديد من الرسائل يطالبه فيها بقطع العلاقات مع إسرائيل، وكان آخرها يوم 19 أكتوبر جاء فيها: «لا حديث بيننا أكثر من ذلك، افعل ما يجب عليك فعله، ولكن لا تتكلم فقط»، وفى يوم 23 أكتوبر 1973 قررت إثيوبيا قطع العلاقات مع إسرائيل.
حتى يوم 27 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1973، بلغ عدد الدول الأفريقية التى ليس لها علاقة مع إسرائيل 31 دولة، وفقا لمصادر فى جامعة الدول العربية، حسبما يذكر سعيد هارون هاشم فى كتابه «أخبار المصريين فى القرن العشرين من 1951-1975»، ويعد هذا العدد كبيرا، خاصة أن مجموع الدول الأفريقية 54 دولة، كان من بينها دول ما زالت تحت الاستعمار أثناء حرب أكتوبر، وكان للرئيس الليبى الراحل معمر القذافى دور بارز فى هذه المسألة خاصة فى الشهور السابقة على حرب أكتوبر، حسب تأكيد «آريه عوديد» الدبلوماسى الإسرائيلى فى أفريقيا فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، فى كتابه «إسرائيل وأفريقيا»، ترجمة عمرو زكريا عن اللغة العبرية، وعرض الزميل محمد البحراوى فى «المصرى اليوم، 13 نوفمبر 2014».
يؤكد «عوديد» أن القذافى تصدى للتغلغل الإسرائيلى فى أفريقيا، فى إطار تنافسه مع النفوذ السعودى فى القارة، مشيرا إلى أنه عرض مساعدات سخية على الرئيس الأوغندى عيدى أمين، مقابل قطع العلاقات نهائيا مع إسرائيل وطرد كل الإسرائيليين منها، ووافق «أمين»، وطرد كل الإسرائيليين فجأة فى مارس 1972، وتحول من صديق عزيز لإسرائيل إلى عدو لدود لها، كما كان سببا رئيسيا لقطع علاقات تشاد مع إسرائيل فى 28 نوفمبر 1972 بفضل المساعدات الاقتصادية التى قدمها للتشاديين، وتقدر بين 50 و90 مليون دولار، وتسبب القذافى والعاهل السعودى الملك فيصل بن عبدالعزيز فى دفع النيجر إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل فى 4 يناير 1973، وتكرر الأمر فى مالى التى قطعت علاقاتها مع إسرائيل فى 5 يناير 1973، كما ساهم مع مصر فى قطع بوروندى لعلاقاتها مع إسرائيل فى 16 مايو 1973، بعد تقديم مساعدات لبوروندى، وتكرر الأمر مع توجو فى 21 سبتمبر 1973، بتدخل شخصى من القذافى ووعوده بتقديم المساعدات لها.
ويشير «عوديد» إلى التأثير المتراكم لقرارات منظمة الوحدة الأفريقية المعادية لإسرائيل، منذ 1970، وبلغت ذروتها بقرارات المنظمة فى الرباط 1972، وفى مؤتمر القمة العاشرة للمنظمة (مايو 1973)، ويؤكد أن ذلك كانت له نتائج خطيرة عشية حرب أكتوبر 1973، خاصة حين أعلن الرئيس الزائيرى موبوتو قطع العلاقات مع إسرائيل فى 4 أكتوبر 1973، ويتابع المؤلف: «كان قرار موبوتو صفعة قوية لإسرائيل، لأن زائير كانت دولة مركزية ومهمة وتعتبر من الدول الصديقة جدا لها فى أفريقيا، وزار موبوتو إسرائيل، وتدرب فيها على القفز بالمظلات، كما أن وحدة حراسته الشخصية مثلها مثل وحدات النخبة فى جيشه تدربت على يد الضباط الإسرائيليين».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة