حالة من الغضب اجتاحت العالم الإسلامي، جراء الرسوم المسيئة للرسول، والتي دأبت على نشرها صحيفة فرنسية ساخرة، في الوقت الذى سعى فيه الإعلام القطرى والتركى، على وضع الزيت على النار، من أجل إثارة مشاعر الكراهية تجاه الدولة الفرنسية، والتي انتفضت جراء ذبح مدرس تاريخ، على يد متطرف فرنسى، لتقوم الألة الإعلامية بترويج فكرة واحدة مفادها أن "فرنسا تحارب الإسلام"، فالصحف تسئ للرسول، بينما يستهدف سيد الإليزيه المسلمين، بينما تتواتر دعوات المقاطعة الاقتصادية لباريس، من الخارج، بينما تضع الدولة في الداخل تحت تهديد المتطرفين، تحت مسمى "نصرة الدين".
وهنا تتبين الكيفية التي يدير بها الإعلام المعادى أجندته التخريبية، لممارسة الضغوط على الخصوم السياسيين، عبر الترويج لمغالطات من شأنها إثارة الغضب العام، بهدف حصارهم فى الداخل، من خلال خلق حالة من الاستقطاب بين عناصر المجتمع، من جانب، ومن الخارج، من خلال استخدام شعارات مغلوطة لا ترتبط بالواقع بصلة، وذلك دون تقديم "الصورة الكاملة"، لخدمة أهدافهم.
الأجندة الإعلامية التي يروج لها الإعلام المناصر للإرهاب، لاستهداف فرنسا، هي نفسها التي سبق استخدامها لتخريب الشرق الأوسط، وتفتيته، إبان ما يسمى بالربيع العربى، عبر تقديم أنصاف الحقائق، وتجميعها معا، لتقديم صورة مشوهة للأوضاع بعيدا عن الحقيقة، بهدف واحد، وهو إثارة غضبة الشعوب ضد حكامهم، وخلق حالة من السخط الدولى، تحت شعارات مختلفة، منها الإساءة للإسلام تارة، وانتهاك حقوق الإنسان تارة أخرى، وتقويض الديمقراطية والمعارضة السياسية تارة ثالثة.
ولعل استهداف فرنسا من قبل قطر وتركيا، يمثل انعكاسا صريحا لحالة من التوتر دامت لسنوات، في ظل الموقف الحاسم الذى اتخذته باريس تجاه العديد من التوجهات التركية المناوئة لأوروبا، وعلى رأسها دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، تصدير المهاجرين لدول القارة العجوز وابتزازهم بها، بالإضافة إلى تأجيج العنف عبر المنابر والانترنت في الداخل الفرنسي، وهو الأمر الذى تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمجابهته خلال السنوات الماضية.
ويعد تجدد الإساءة للرسول، من قبل صحيفة مغمورة سبق لها وأن أساءت لمقدسات الأديان الأخرى، ومن بينها المسيحية نفسها، بمثابة فرصة مهمة لشن الحرب على الدولة الفرنسية، لثنيها عن مواصلة طريقها للقضاء على الجماعات التي تحاول الدول الداعمة للإرهاب استخدامها لتكون أذرع لها في أوروبا، من أجل السيطرة على دوائر صنع القرار في المستقبل، من خلال إثارة الفوضى، واستخدام العنف.
دعوات المقاطعة الأخيرة لفرنسا، تحت ذريعة إساءة صحفية للرسول، تمثل محاولة لصرف الانتباه عن حملات مماثلة استهدفت تركيا في العديد من الدول العربية، للرد على الدور المشبوه الذى تلعبه أنقرة في دول الشرق الأوسط، ومحاولاتها المستمرة لتقويض الدور الذى تلعبه الدول العربية تجاه العديد من القضايا الدولية، مما يعكس حقيقة واحدة، مفادها أن الدعوات ضد باريس لا تهدف إلى نصرة الإسلام، بقدر ما تحمل في طياتها إساءة بالغة للدين الإسلامي الذى يقوم على التسامح ونبذ العنف.
وهنا يمكننا القول بأن السلوك المشين الذى تتبناه تركيا وقطر، يفوق في تداعياته على الإسلام والمسلمين، ما نشرته تلك الصحيفة، خاصة إذا ما قارننا بين التداعيات المترتبة عليه، من حيث تأجيج ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، وخسارة تعاطف قطاع كبير من المفكرين والمثقفين الذين قد يثورون تجاه المحتوى الذى تقدمه تلك الصحف المسيئة، على اعتبار أنها تساهم في زعزعة استقرار المجتمع الفرنسي، والذى يتواجد به ملايين المسلمين.