شهد مهرجان الجونة السينمائي عرض فيلم الرجل الذي باع ظهره، سيناريو وإخراج كوثر بن هنية، بطولة يحيى مهاينى، النجمة العالمية مونيكا بيلوتشى، ديا إليان، كوين دى بو، وهو الفيلم الذي يرصد رحلة الشاب السورى، سام على، المهاجر إلى لبنان، هربا من الحرب الدائرة فى سوريا، يلتقى فى أحد المعارض الفنية، بـ"جيفرى جودفرا" الفنان الأشهر، فى مجال الفن المعاصر، ويتوصلا إلى اتفاق غريب من نوعه، بحيث يرسم على ظهر "سام" جاعلا منه عملا فنيا حيا، مقابل حصوله على فيزا للسفر للقاء حبيبته فى بلجيكا.
ويحصل العمل الفنى المرسوم على ظهره شهرة كبيرة، ويقدر بمبالغ خيالية فى مزادات سوق الفن، فيثير لعاب تجار التحف الفنية، وسخط ناشطى حقوق الإنسان، وهو الفيلم الذي فاز بجائزة أفضل ممثل من نصيب يحيي مهايني بمهرجان فينيسيا، كما فاز الفيلم أيضا بجائزة أديبو كينج للإدماج، وهى جائزة مستوحاة من مبادئ التعاون الاجتماعى.
الفيلم ضم العديد من عناصر التميز على مستوى الصورة والأداء التمثيلي لبطل العمل، فهو بكل تأكيد استحق جائزة أفضل ممثل من مهرجان فينسيا، إضافة إلى أن الموسيقي التصويرية للمؤلف الموسيقي المتميز أمين بوحافة أضافت الكثير من السحر واللألق للعمل، الذي بدأت أحداثه في إطار رومانسي لشاب سوري يدعي سام مغرم بحبيبته عبير إلا أن الأحداث في سوريا تجعله مطارد ما يدفعه للهرب إلي لبنان لتضغط أهل عبير عليها للزواج من دبلوماسي سوري يعيش في بلجيكا، الأمر الذي يدفع سام بقبول أي شئ للخروج من لبنان والوصول إليها في بلجيكا.
حتى الآن جاء الفيلم متماسك وإيقاعه منظبط، وتصاعدت قوته مع قبول سام عرض من الفنان جيفرى جودفرا لشراء ظهر سام ليرسم عليه لوحة فنية يتكشف للمشاهد وقتها أنها علي شكل تأشيرة السفر "شنجن" ليتحول سام إلي قطعة فنية يتحكم فيه عارضيها بمعارض بلجيكا.
وضعت كوثر يدها في الفيلم علي الواقع المرير الذي يعيش فيه اللاجئ وصمده وسكوته علي الإستغلال فقط لكونه آمن في بلاد "الفرنجة"، ولما لا إذا كان هو ذات الأمر في بلاده إضافة إلي كونه غير آمن في أي لحظة، ولكن ما تسبب في عمل حالة من التشويش علي جمال الفيلم هو أن كوثر قدمت نهاية حالمة للعمل ربما حاولت فيها مغازلة جميع الأطراف الجاني والمجني عليه، فبعد أن كان سام سلعة تباع وتشتري من خلال جودفرا الذي لا يهتم سوي بالمادة، حولته كوثر إلي بني آدم من لحم ودم وهو ما يتعارض مع طبيعة شخصيته التي رسمت ملامحها كوثر نفسها، فكيف لفنان استغل ضعف وقلة حيلة سام ليرسم علي ظهره لوحه ويحوله إلي قطعة فنية، مستغلا حاجته، يتحول فجأة إلي رجل طيب القلب ويخلص سام من الطوق الذي طوق به رقبته وجعله مسار جدل بين الحقوقيين والناشطين في مجال حقوق اللاجئين.
قدمت كوثر "الرقة" علي أنها جنة رغم أنها لا تزال تشهد الكثير من التوتر، واعادت له حبيبته أيضا ليجمعهما الحب من جديد داخل سوريا، وهي الأمور التي ربما تحلم بها كوثر أن يعود اللاجئين إلي بلادهم سالمين ويعيشون في هناء، ولكن تلك النهاية السعيد لم تكن سعيدة حقا أو لصالح العمل، لانها افقدته الكثير من المصداقية فالنموذج الذي قدمته كوثر في شخصية الفنان كانت أبرز ملامحه هو النظر للمادة وفقط دون الإلتفات إلي المشاعر وبالتالي التحول المفاجئ من شخص مستغل لشخص رحيم أمر غير وارد، إضافة إلي أن شخصية ثرية والتي قدمتها مونيكا بيلوتشي هي الأخري ذات صفات ليس من طبيعتها أبدا التأثر بمن حولها فالمادة نهشت قلبها وبالتالي محاولة تطويع الأحداث في طريق النهاية السعيدة التي ترضي جميع الأطراف لم تكن في صالح الفيلم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة