تعد عملية اغتيال القيادى الإخوانى السيد فايز من أشد أمثلة الغدر فى تاريخ الجماعة، كما أنها أيضا دليل عملى على أن الجماعة عبارة عن شبكة مافيا ليس لديها أدنى مانع من استخدام أسلوب الاغتيالات والتصفيات الجسدية لحسم خلافاتها الداخلية، تبدأ ملابسات هذه الواقعة بحالة التوتر الناشئة بين حسن الهضيبى المرشد الجديد للجماعة بعد اغتيال مؤسسها حسن البنا، وعبد الرحمن السندى رئيس التنظيم الخاص، وأسباب التوتر كانت متعددة، من بينها عدم رضا الهضيبى على علاقة السندى بثورة يوليو 1952 ورجالها من ناحية، وعدم رضا السندى عن وجود الهضيبى على رأس الجماعة من ناحية أخرى.
فى ضوء هذه الملابسات، قرر الهضيبى عزل عبد الرحمن السندى من رئاسة النظام الخاص، وكانت نيته هى تعيين المهندس السيد فايز بدلا منه وفى كتابه الشهير ذى الأجزاء الـ3 «الإخوان المسلمين أحداث صنعت تاريخ»، يروى محمود عبد الحليم عضو الهيئة التأسيسية للإخوان والراوى الأول لتاريخها وسيرتها، قصة اغتيال السيد فايز، حيث يقول: «إجراء المرشد العام بتنحية رئيس النظام عن رئاسة النظام ليست إلا إجراء عادى كان يجب أن يقابل من أخ بايع على السمع والطاعة بالتسليم والرضا وتوجيه جهوده لميدان آخر من ميادين الدعوة الفسيحة".
ويضيف: «لكن الذى حدث كان عكس هذا تماما، اعتبر هذا الأخ- السندى- هذا الإجراء اعتداء عليه وسلبا لسلطان يرى أنه حق أبدى له، وإذا كان قد ناوأ المرشد العام من قبل فى خفاء، فإنه أصبح الآن فى حل من إعلان الحرب عليه مستحيلا فى سبيل ذلك كل وسيلة تحتاج له. أتدرى أيها القارئ ماذا فعل؟".
ويضيف: «كان يعلم أن المهندس السيد فايز وهو من كبار المسؤولين فى النظام الخاص من أشد الناقمين على تصرفاته، وأنه وضع نفسه تحت أمرة المرشد العام لتحرير هذا النظام فى القاهرة على الأقل من سلطته، وأنه قطع فى ذلك شوط بعيد باتصاله بأعضاء النظام فى القاهرة وإقناعهم بذلك». إذن فالخطوة الأولى فى إعلان الحرب – وكذلك سولت له نفسه – أن يتخلص من السيد فايز، فكيف تخلص منه؟
ويتابع: «إنه تخلص منه بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله، انتهز فرصة حلول المولد النبوى الشريف وأرسل إليه فى منزله هدية، علبة مغلقة عن طريق أحد عملائه، ولم يكن الأخ السيد فايز فى ذلك الوقت موجودا بالمنزل، فلما حضر وفتح العلبة انفجرت فيه وقتلته وقتلت معه شقيقاً له وجرحت باقي الأسرة وهدمت جانبا من جدار الحجرة».
ورغم أن الجماعة حاولت وقتها الترويج لأكذوبة أن ثورة يوليو هى المسؤولة عن هذا الحدث فى إطار الحرب غير المعلنة آنذاك بينها وبين الجماعة –قبل 1954 – فإن رواية مؤرخ الجماعة الرسمى فضحت هذا التدليس، حيث قال بوضوح:«وقد ثبت ثبوتا قطعيا أن هذه الجريمة الآثمة الغادرة كانت بتدبير من هذا الرئيس – أى عبد الرحمن السندى- وقد قامت مجموعة من كبار المسؤولين فى هذا النظام تتقصى الأمور فى شأن هذه الجريمة، وأخذوا فى تضييق الخناق حول هذا الرئيس حتى صدر منه اعتراف ضمنى».
ليست رواية محمود عبد الحليم وحدها هى التى قطعت بتورط السندى فى الحادث، لكن كتب كثيرون فى هذا الشأن، من أهمهم محمود عساف السكرتير الخاص بحسن البنا مؤسس الجماعة فى كتابه حسن البنا، حيث قال:«ذهب شخص ما بصندوق من حلوى المولد، وفى اليوم التالى وكان ليلة مولد النبى، وطرق باب بيت السيد فايز فى شارع عشرة بالعباسية، وسلم صندوق الحلوى إلى شقيقته قائلا: إنه لا يجب أن يفتحه إلا السيد، وبالفعل حضر السيد فايز وتسلم الصندوق، وبدأ يفتحه وإذا بالصندوق ينفجر ويودى بحياته.
وأضاف: «تلك جريمة رهيبة لا شك عندى أنها من فعل النظام الخاص لمجرد أن السيد فايز يعارض وجوده».
- سألت الشيخ السيد سابق عن هذه الواقعة فقال إن رئيس النظام – عبد الرحمن السندى- هو الذى خططها، ونفذها أحد معاونيه بناء على فتوى نسبت للشيخ السيد سابق وهو برىء منها، وقال لى: إنه يعرف الشخص الذى قام بتلك الفعلة النكراء.
الأخطر فى شهادة محمود عساف أنه روى جانب مما جرى بعد هذه العملية تؤكد أن التنظيم الخاص كان عازما على التخلص من كل معارضيه، حيث يقول:«بعد هذا الحادث بحوالى شهرين، كنت آنذاك أعمل فى الفترة المسائية سكرتيرا لتحرير مجلة الاقتصاد والمحاسبة، التى يصدرها نادى التجارة، وكان معى موظف للكتابة على الآلة الكاتبة فى المساء كذلك. اختلى بى بعد انتهاء العمل وقال: هناك شىء أحب أن أبلغك به، فأنا أعمل موظفاً بالمباحث العامة ومهمتى كتابة التقارير على الآلة، وقد ورد تقريران أحدهما عبارة عن تحريات لأحد المخبرين يفيد أن «محمود عساف» كان فى دار الإخوان بالأمس وكان يهتف بهتافات الإخوان بحماس زائد، وأنا أعلم أنك لم تكن هناك لأنك كنت معى هنا حتى منتصف الليل.
أما التقرير الثانى فهو عبارة عن كشف موجود مع أحد الإخوان الذين قبض عليهم مؤخرا، وفى هذا الكشف اسم السيد فايز تحت رقم «1» واسمك تحت رقم «3» ولما قرأت خبر جريمة اغتيال السيد فايز، رأيت أن أحذرك، وهذا الكشف يحتوى على عشرة أسماء يبدو أنه يراد اغتيالهم وفيهم الشيخ السيد سابق.
ويضيف عساف:« فوضت أمرى إلى الله فقد انحرف النظام وقائده وثلاثة من مجلس إدارته وأصبح وجود النظام غاية فى حد ذاته».