تعانى العاصمة الهندية دلهى، من التلوث الشديد للهواء، وهو أحد العوامل التى تبرز الفجوة بين الفقراء والأغنياء بشدة، ففى أكتوبر، تبدأ درجات الحراراة فى الانخفاض، معلنة انتهاء فصل الصيف وتظهر سحب الضباب الدخاني فى سماء المدينة، وتعلن معها أنّ السماء لن تعود إلى زرقتها وصفائها قبل أواخر مارس تقريباً، ووفقا لموقع "اندبندنت" عربية، فإن الشتاء فى دلهى قاس جدا، مشيرًا إلى أن من يخطر في باله أن ينام في غرفة نافذتها مفتوحة قليلاً، تكون العواقب عليه وخيمة، فيستيقظ في اليوم التالي على ألم في الحنجرة وانتفاخ في العينين وطبقة كثيفة من الدخان السام.
هذه القاعدة العامة، لا تنطبق على الميسورين القادرين على تحمل كلفة ممارسة الرياضات على أنواعها في أجواء نظيفة داخل أماكن آمنة ومزودة بأجهزة صناعية لتنقية الهواء، كتلك التي توفرها المدارس الدولية والإدارات الحكومية وسواها من المؤسسات، فلا يمكن للشخص الهندي العادى، ممارسة الرياضة فى الخارج، فهما كان فوائد ممارسة الرياضة لن يمكن مقارنتها بالتأثير السلبى الضخم للتلوث على الرئتين.
الضباب وتلوث الهواء فى دلهى
هذا ولم تصدر حكومة رئيس الوزراء الهندى أي بيانات محدثة عن المبالغ التي صرفتها وتصرفها على أجهزة تنقية الهواء في مكتب رئيس الحكومة والمكاتب الوزارية الأخرى، بعد الضجة التي أُثيرت عام 2018 على خلفية إنفاقها 3.6 مليون روبيه (أي ما يعادل 37 ألفاً و500 جنيه إسترليني) ثمناً لـ140 جهازاً.
أثرياء مدينة دلهى، اعتادوا بل أصبح من المستحيل عليهم أن يغادروا منازلهم من دون القناع الطبي الواقي من التلوثN95، وعندما تزيد كثافة السُخاب (خليط من السخام والضباب) عن حدها، تغادر طوابير أصحاب المال العاصمة الهندية، هرباً من سهول شمال الهند المضببة بحثاً عن ملاذ آمن في مدن أخرى أو عند سفوح جبال الهيمالايا التي تتسم بهواء نظيف نسبياً وفق "مؤشر جودة الهواء" (AQI) الذي يتحقق منه يومياً كل سكان دلهي.
لكن هذا لا ينطبق على أغلبية السكان في دلهي وغيرها من المدن الهندية الكبرى، فالحقيقة أنه ليس هناك مفر أو راحة من الضباب السام، وليس أمام عمال الأجرة اليومية خيار سوى العمل في الخارج والتعرض للهواء الملوث طيلة النهار وحتى المساء، حينما تتفاقم المشكلة مع انخفاض درجات الحرارة واستخدام الوقود الصلب للتدفئة.
وصدر عن معهد التأثير الصحي" (HEI) الأسبوع الماضى، أرقام تصنف الهند بصفتها البلد ذات الهواء الأشد تلوثاً في العالم، وأكد تقرير "حالة الهواء العالمي" لعام 2020 أن تلوث الهواء يقتل أكثر من 116 ألف رضيع سنوياً في الهند وحدها، وتشكل هذه النتيجة جزءاً من أول تحليل شامل ومتكامل لتأثير تلوث الهواء في حديثي الولادة حول العالم.
والأكيد أن هؤلاء الأطفال ليسوا من عائلات ثرية في دلهي ، فالأرقام العالمية الواردة في التقرير خير دليل على أن أسوأ التبعات الناجمة عن تلوث الهواء تقع على عاتق الغالبية الساحقة من البلدان الأكثر فقراً.
وكشف التقرير أن وفيات الأطفال جراء تلوث الهواء في مناطق جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تبلغ 422 ألف حالة وفاة سنوية من أصل نصف مليون حالة حول العالم.
وكشف التقرير حجم وتأثير تلوث الهواء على زيادة أعداد كورونا، إذ يرى الأطباء، ثمة موجة ثانية محتومة من حالات الاستشفاء، ففي النهاية، كوفيد-19 هو مرض تنفسي، ولو اجتمع مع السُخاب في وقت واحد، فإنه لا شك سيقضي على الرئتين.
وما يثير القلق في دلهي هو أن الحلول الناجعة لإنقاذ المدينة من الضباب الدخاني معروفة جيداً وعملية؛ وتتضمن تحسين المعايير بشأن الانبعاثات الناتجة من المركبات وتطبيق المعايير الحالية على الصناعات الكبرى والوقاية من حرائق المحاصيل في الولايات الزراعية المجاورة– والتي تعد بالفعل جريمة يُغرّم عليها القانون.
ويبقى النضال في سبيل الدفاع عن حق المواطن في استنشاق هواء نظيف على حاله، مع مشاركة ضئيلة في تحركات الشتاء الماضي التي لم تحظَ باهتمام إعلامي يذكر.
وما لم يتغير هذا الوضع، لن يكون أمام السياسيين أي حوافز انتخابية لاتخاذ الخطوات اللازمة لحل الأزمة – وسيذهب موت الأطفال الـ116 ألفاً هباءً
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة