بالرغم من مرور 47 عاما على حرب أكتوبر، ونحن نقترب من الذكرى الخمسين، تظل هناك الكثير من التفاصيل المهمة غائبة فى الحرب وما قبلها وما بعدها، أو متناثرة فى أوراق ووثائق.. وخلال هذه العقود تشكلت لجان تاريخية وعلمية قامت بعضها بأدوار مهمة فى جمع وترتيب الوثائق، لكن بقى عمل هذه اللجان ناقصا، ونحن فى عصر المعلومات، وكثيرا ما تظهر شهادات فردية على مواقع التواصل، وحتى «يوتيوب»، فإنها تحمل الكثير من الوثائقيات بعضها مجهول المصدر تروى أطرافا من الحرب أو ما جرى حولها، وبعضها لا يرقى إلى قيمة الحدث، وخلال السنوات الماضية ظهرت بعض القصص والشهادات لأفراد من الضباط والجنود يروون تفاصيل مهمة عن معارك وأحداث ووقائع حية شهدوها أو كانوا أطرافا فيها، وهى شهادات لها قيمتها، وكان يفترض أن يتم تسجيل شهادات الأفراد الذين شاركوا حتى تكتمل القصة.
ويفترض أن تكون لدينا قصصنا حول هذه الحرب، وهى مرحلة طويلة مثلت قاعدة لما جرى بعدها، ويلاحظ أن الكتابات السياسية طغت على التوثيق، وضيعت بعضها الكثير من قوة الحدث وزخمه، بل إن بعض المنصات الخارجية التى قدمت وثائقيات حول الحرب، قدمت فيها وجهة نظر، وبعضها زيّف الروايات وقدمها سياسيا وتاريخيا من وجهة نظره، أما الأفلام التى قدمتها السينما حول هذه الحرب فهى لا تعبر عما جرى على ساحات السياسة والعسكرية والجبهة الداخلية، وأغلب الأفلام هى مشاهد تعبيرية تمت فى مرحلة تالية للحرب، أغلبها تخلو من العمق أو الأبعاد المختلفة لسينما الحرب، كما نعرفها فى الأفلام العالمية، باستثناء أعمال مثل «حكايات الغريب»، و«الطريق على إيلات»، لكن هناك الكثير مما يروى، فقط مع توفير المواد الوثائقية أو الروايات التى تصنع قاعدة انطلاق لأعمال مهمة، ومؤخرا كان هناك عمل مثل «الاختيار»، يمكن القول إنه تم إعداده بشكل جيد وفيه من رائحة السينما الاحترافية.
فى السينما العالمية هناك مئات الأفلام عن الحرب العالمية الأولى والثانية، وبعضها يدور فى فترات زمنية، يرصد ويخلد معارك أو عمليات محددة، بعضها يمثل توثيقا لمعارك حاسمة، ومنها أعمال عن أفراد وبطولات محددة، مثل مدافع نافرون أو Enemy at the Gates عن معركة ستالينجراد للسوفييت، وتدور حول قصة القناص الروسى «فاسيلى» الأسطورة، ومن دون مبالغة لدينا بطولات تنافس فى إنسانيتها وقوتها الكثير مما ورد فى الحروب العالمية، وتكفى قصص عبدالعاطى صائد الدبابات، أو الرفاعى، أسطورة الصاعقة، والذى قام هو وغيره من أبطال الصاعقة والمظلات والمشاة والقناصة بأعمال بطولية أسطورية، سمعنا وقرأنا عنها، ويفترض أن تجد مكانها لثوثيق هذه القصص.
ونحن نقترب من الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر نحتاج إلى تفكير فى سلسلة أفلام وثائقية تعيد تقديم الحكاية، وقد مرت سنوات على الأحداث تسهل التعامل معها بشكل أكثر عمقا، حتى لا تظل الساحة فارغة لأطراف أخرى تفرض وجهة نظرها أو تكتب التاريخ بشكل مشوه مثلما هو حادث الآن.
بشكل عام نحن نعانى من نقص شديد فى الأفلام والمواد الوثائقية، فى وقت تتضاعف فيه المواد المرئية على شبكة الإنترنت التى تمثل الذاكرة الأكبر لأجيال قادمة تتلقى التاريخ وتراه، والمفارقة أن الكثير من المواد المتاحة على «يوتيوب» حول حروب مصر من مصادر أجنبية والقليل جدا منها إنتاج محلى، وبالتالى ببساطة نترك للآخرين حق كتابة وصياغة تاريخنا، بينما يفترض أن نبذل جهدا أكبر فى رواية القصة كما حدثت، بعيدا عن تشوهات وتداخلات أفسدتها طوال عقود، بسبب الانحيازات السياسية وليس التاريخ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة