الواقع والحقيقة يؤكدان أن من المتعارف عليه قانونا أن جلب المخدر فى القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل معناه - استيراده من الخارج - وذلك لطرحه فى التداول داخل الدولة وهو لا يتحقق إلا إذا كان المخدر المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظا في ذلك طرحه وتداوله بين الناس داخل البلاد.
وبالتالي فإنه أن لم يدخل المتهم بالمخدر الأرض المصرية، وإنما عبرها فحسب "ترانزيت" حاملا للمخدرات قادما من دولة وذاهبا لدولة أخرى لا يحقق معنى الجلب، وأن جاز تحقق الإحراز وأية ذلك أن المشرع استهداف من تجريم الجلب مواجهة عمليات التجارة الدولية في المواد المخدرة والقضاء على تهريبها.
كيف فض المشرع الاشتباك حول قضايا الجلب؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في جناية جلب المواد المخدرة من الخارج المتمثلة في السؤال التالي..كيف ساهم المشرع فى فض الاشتباك حول مفهوم الجلب فى قضايا المخدرات؟ هل عملية عبور المتهم أو الشخص بالمخدر الأرض المصرية قادما من دولة وذاهبا لدول أخرى يحقق جناية جلب المخدر على الأراضي المصرية؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى أحمد الأسيوطى.
في البداية - أرست الهيئة العامة للمواد الجنائية لمحكمة النقض مبدأ قانونيا جديدا يخص قضايا جلب المخدرات من الخارج إلي داخل البلاد، وذلك بعد أن تعارض أكثر من حكم جنائي في تفسير وتأويل مفهوم ومصطلح " الجلب "، فكان لزاما علي الهيئة العامة أن تتدخل لتفض هذا الاشتباك بين الأحكام الجنائية لترسي مبدأ قانوني، كيما ينير الطريق أمام باقي الأحكام المتعلقة بجرائم جلب المخدرات، وبذلك وضعت الهيئة العامة مفهوم جديد لجرائم جلب المخدرات وفقا لما انتهت اليه في حكمها – وفقا لـ"الاسيوطى".
الجلب هو الطرح للتداول داخل البلاد فقط
وأهم ما جاء في الحكم أنه رسخ قاعدة قانونية جديدة في قضايا الجلب إذا ما ثبت أن المتهم لم يكن له قصد خاص بإدخال المخدر للبلاد، إنما المتهم دخل البلاد كترانزيت، وعَدَل عن المبدأ القانوني من أن لفظ الجلب يتسع ليشمل الطرح للتداول سواء داخل البلاد أو خارجها، وأصبح الجلب هو الطرح للتداول داخل البلاد فقط، والغريب في الحكم أنه عاقب المتهم بعقوبة إحراز المخدرات إحراز مجرد فقط بمعنى ليس بغرض التعاطي وليس بغرض الاتجار وليس بغرض الاستعمال الشخصي – الكلام لـ"الأسيوطى".
والتأصيل القانونى لمحكمة النقض، يقول إن جلب المخدر معناه "استيراده"، وهو معنى لا يتحقق إلا إذا كان الشئ المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصى ملحوظاً فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس فى داخل جمهورية مصر العربية، ويدل على ذلك بشكل مباشر منحى التشريع نفسه وسياسته فى التدرج بالعقوبة على قدر جسامة الفعل، ووضع كلمة "الجلب" فى مقابل كلمة "التصدير" فى النص ذاته، وما نصت عليه الاتفاقات الدولية.
وقضت تطبيقا لذلك أن الجانب الذى عناه الشارع فى المواد 1، 2، 3، 33/1، 42 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل استهدف مواجهة عمليات التجارة الدولية فى المواد المخدرة والقضاء على تهريبها وفاء بالتزام دولى عام قننته الاتفاقات الدولية المختلفة، ومنها اتفاقية الأفيون الدولية والبروتوكول الملحق بها والتى تم التوقيع عليها بجنيف فى 19 من فبراير سنة 1925 وبدئ فى تنفيذها فى سبتمبر من العام ذاته، وانضمت إليها مصر فى 16 من مارس سنة 1926 وتعتبر هذه الاتفاقية الأصل التاريخى الذى استمد منه الشارع أحكام الاتجار فى المخدرات.
وانتهت الهيئة العامة لمحكمة النقض بالأغلبية إلى العدول عن المبدأ القانوني المقرر سلفًا من أن لفظ الجلب يتسع ليشمل الطرح للتداول سواء داخل البلاد أو خارجها، وأصبحت القاعدة قانونية منذ ذلك الحكم جريمة الجلب تنطبق في حالة انصراف نية المتهم إلى الطرح للتداول داخل البلاد فقط.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد أصدرت الهيئة العامة للمواد الجنائية لمحكمة النقض حكمها في الطعن رقم 21609 لسنة 62 والذى رسخت فيه لمبدأ قانونياَ جديداَ، وذلك علي اثر اتهام أحد الأشخاص القادمين من الخارج بأنه جلب جوهرا مخدرا – هيروين - إلى داخل جمهورية مصر العربية عن طريق مطار القاهرة الدولي في غير الأحوال المصرح بها قانونا وبدون تصريح كتابي من الجهة الإدارية المختصة، وتمت إحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بآمر الإحالة، ومحكمة جنايات القاهرة، وقضت آنذاك حضوريا بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه 50 الف جنية ومصادرة المخدر.
واعتبرت المحكمة أن المتهم احرز جوهر المخدر بغير قصد الإتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المصرح بها قانونا، واستندت محكمة الجنايات في قضاؤها علي عدم توافر القصد الخاص لجريمة الجلب وهو قصد طرح المخدرات للتداول بين الناس داخل أراضي جمهورية مصر العربية، لأنه أي المتهم كان في طريقه من دولة أجنبية – حاملا المخدر المضبوط – إلى دولة أجنبية أخرى مرورا بمطار القاهرة الدولي، الأمر الذي علي اثره أن قامت النيابة العامة بالطعن علي هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت أسباب الطعن جاء أهمها الخطأ في تطبيق القانون، وذلك لأنه يكفي للعقاب علي جريمة الجلب هو إدخال المخدر إلى البلاد ولو كان المتهم في سبيل لنقله إلي إقليم دولة أخرى، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه، وقررت محكمة النقض دائرة الأربعاء (ب) إحالة الطعن إلي الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه.
والمشرع اعتبر الجلب جريمة تنطبق في حالة انصراف نية المتهم إلى الطرح للتداول داخل البلاد فقط
ونظرت الهيئة العامة الطعن واستندت وفندت الهيئة العامة مفهوم الجلب الذي عناه الشارع في المواد ١و2 و 3 و 33/1 و 42 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل، وكذا اتفاقية الأفيون الدولية والبروتوكول الخاص بها والذي تم التوقيع عليه بجنيف في 19 فبراير 1925 وتعتبر هذه الاتفاقية هي الأصل التاريخي الذي استمد منه الشارع أحكام الإتجار في المخدرات واستعمالها، وكذا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات، وبالتالي رأت الدائرة الجنائية العدول عن المبدأ القانوني من أن الجلب يتحقق بنقل المخدر وإدخاله إلى المجال الخاضع لاختصاص جمهورية مصر العربية الإقليمي علي خلاف الأحكام المنظمة لجلبه المنصوص عليها في القانون ولو كان في طريقة إلى دولة أخرى لطرحه وتداوله بين الناس فيها.
ومن حيث أنه لما كان ما تقدم فان الهيئة العامة تنتهي بأغلبية الآراء المنصوص عليها في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية إلي العدول عن المبدأ القانوني المقرر سابقا من أن لفظ الجلب يتسع ليشمل الطرح للتداول داخل البلاد أو خارجها، لأن الثابت من الأوراق وما تم فيها من تحقيقات أن المتهم احرز المخدر المضبوط متجها بها إلى دولة أخرى بغية طرحها وتداولها في السوق في تلك الدولة، وقد تم ضبطه بمنطقة الترانزيت بمطار القاهرة ولم يدر بخاطره أن يدخل الأراضي المصرية وأية ذلك انه لم يحصل علي تأشيرة دخول او تصريح إقامة ولم تبدي منه أية محاولة لتسريب تلك السموم داخل البلاد، ومن ثم ينتفي قصد طرح المخدر وتداوله بين الناس في داخل الأراضي المصرية وهو القصد الخاص لجريمة جلب المخدرات.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة جنايات القاهرة قد دان المتهم بجريمة أحراز المخدر المضبوط احراز مجردا من أي قصد من القصود الثلاثة "الإتجار، التعاطي، الاستعمال الشخصي"، ولما كان ما قرره الحكم يتفق وصحيح القانون لما هو مقرر من أن جلب المخدر معناه استيراده وهو معني لا يتحقق إلا اذا كان الشيء المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظا في ذلك طرحه وتداوله بين الناس في داخل جمهورية مصر العربية، وبالتالي قضت الهيئة العامة للمواد الجنائية بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه.
2
2
3
4
5
6
7
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة