الأصل أن تغيير الحقيقة في بيانات تتعلق بالوفاة أو الوراثة أو الوصية الواجبة هو تزوير في محرر رسمي أي جناية، بجعل واقعة مزورة في صورة صحيحة غير أنه، لما كان التزوير يفترض علم المتهم بالواقعة الصحيحة، ويعمد إلى إبدالها بأخرى مزورة بحيث أن جهلها فلا تزوير، لذا خرج عن هذا الأصل وجعل من هذا التغيير جنحة في جميع الأحوال اي سواء علم المتهم بالحقيقة أو جهلها متي تم هذا الإدلاء بالبيانات الغير صحيحة أمام السلطة المختصة بضبط الإعلام وجري الضبط بناء على هذه البيانات.
نص المادة 226 عقوبات
ونص على ذلك في المادة 226 عقوبات بقوله: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على 500 جنيه كل من قرر في إجراءات تتعلق بتحقيق الوفاة والوراثة والوصية الواجبة أمام السلطة المختصة بأخذ الإعلام أقوالاً غير صحيحة عن الوقائع المرغوب إثباتها وهو يجهل حقيقتها أو يعلم أنها غير صحيحة، وذلك متى ضبط الإعلام على أساس هذه الأقوال، ويضرب الفقه مثلا الأقوال التي تحقق الجريمة مثل التقرير كذبا بالوفاة أو الغش في تعداد اشخاص الورثة بالإسقاط منهم أو بالزيادة عليهم.
كيف تصدى القانون لألاعيب المواريث؟
في التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية مناط العقاب على تقرير أقوال غير صادقة تتعلق بتحقيق الوفاة أو الوراثة أو الوصية الواجبة طبقا للمادة 226 عقوبات، وهل مثل هذا الفعل يعد شهادة زور؟ وعلاقة المادة 226 من قانون العقوبات بالفعل من حيث التأثيم من عدمه، وكيف تصدت محكمة النقض لتلك الإشكالية؟ – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - هذه الجريمة لا تعتبر شهادة زور طالما تم اداؤها بمناسبة تحقيق وفاة أو وراثة على اعتبار أن تجريمها تم بنص خاص يقيد النصوص العامة للشهادة الزور، ويلزم لقيام تلك الجريمة توافر عدة شروط؛ فيلزم التالي – وفقا لـ "فاروق":
أولا: أن تتعلق الأقوال بتحقيق وفاة أو وراثة أو وصية واجبة، فلا ينطبق النص إذ تعلقت الأقوال بموضوع آخر مما يختص به قاضي الاسرة، كدعوي نفقه أو حضانة، وأن جاز أن تقوم بموجبة جريمة الشهادة الزور بالنسبة للشاهد وليس لرافع الدعوي بطبيعة الحال.
و4 عناصر شريطة توافر جريمة الشهادة الزور
ثانيا: يلزم أن يكون نشاط الجاني ابداء أقوال، ومن ثم فإن مجرد تقديم طلب بدون إبداء أقوال لا يحقق هذه الجريمة، وعلة ذلك أنه لا خطورة من مجرد تقديم الطلب عن تحقيق وراثة، إذ هذا الطلب يعقبه سماع شاهدين أمام القضاء وأقوال هؤلاء الشهود هي التي تعتبر أساسا ما للموضوع، وهي التي أراد القانون العقاب عليها أن كانت غير صادقة، وفى ذلك قضت محكمة النقض بإن مناط العقاب بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 226 من قانون العقوبات هو أن يكون الشاهد قد أدلى بمعلومات يعلم أنها غير صحيحة أمام جهة القضاء المختصة بضبط الإشهاد هذا هو الواضح من نص المادة المذكورة.
ويزيد في إيضاحه ما جاء بالمذكرة التفسيرية للقانون من أن هذه المادة إنما أثمت الشهود الذين يؤدون الشهادة أمام القاضي الشرعي أو أمام إحدى جهات القضاء عندما يراد تحقيق الوفاة أو الوراثة، أما الأشخاص الذين يطلبون في تحقيق إداري تمهيدي بقصد الإدلاء بمعلومات فلا عقاب عليهم بموجب هذا القانون، ما دامت هذه التحريات التمهيدية، لابد أن يعقبها سماع شاهدين على الأقل أمام القضاء الشرعي أو القضاء وإقرارات هؤلاء الشهود الأخيرة هى التى تعتبر على وجه ما أساساً في الموضوع وهى التى أراد القانون المعاقبة عليها إذا كانت غير صادقة.
المشرع وضع عقوبة تصل للحبس سنتين والغرامة
وقضت أيضا بأنه لا جريمة ولا عقاب على من يتقدم بطلب من هذا القبيل إلى قلم الكتاب لقيده، إذ لا يعدوا ذلك كذب في الدعوى لا تزوير فيه، ولهذا لم تتردد محكمة النقض في الغاء حكم اغفل بيان ما إذا كانت المتهمة قد مثلت أمام قاضى الاسرة الذى ضبط الإعلام وتقريرها أمامه أقوالاً غير صحيحة أم أن ما وقع منها كان في ورقة طلب التحقيق أمام جهة الإدارة، كما لا يحقق هذه الجريمة اي فعل مادي آخر غير إبداء الأقوال كاصطناع اعلام مزور أو التغيير في اعلام صحيح أو انتحال شخصية الغير في اعلام أو تغيير الموظف إقرارات أولي الشأن حال ضبطه للإعلام إذ تسري في هذه الحالة القواعد العامة للتزوير.
ثالثا: يلزم ابداء الأقوال غير الصادقة أمام الجهة المختصة بضبط إعلام الوفاة أو الوراثة أو الوصية الواجبة وهي محكمة الاسرة، وفي ذلك تقول النقض أن الفقرتان الأولى والثانية من المادة 266 عقوبات مفادهما أن مناط العقاب على جريمة التقرير بأقوال غير صحيحة تتعلق بتحقيق الوفاة والوراثة أمام السلطة المختصة التى ضبطت الإعلام، وبالتالي لا ينصرف التأثيم لما يدلي به الطالب أو الشاهد في تحقيق إداري تمهيدي كمعلومات أو ما يرد بالطلب على اعتباراً بأن الضرر المباشر هو مناط العقاب عليها إذا صدر حكم من المحكمة المختصة دالاً على عدم صحتها.
رابعاَ: أخيراَ يلزم أن يتم ضبط الإعلام فعلا علي أساس الأقوال غير الصحيحة، فإن فطنت المحكمة إلي كذب هذه الأقوال تكون الواقعة مجرد شروعا غير معاقبا عليه لعدم النص، وهذه الجريمة عمدية، فيجب العلم لتحققها أما في صورة يقين الجاني في أن ما يبديه من أقوال غير صادقة أو يقينه بأنه لا يعلم ما يبديه من أقوال، إذ مادام يجهل كان يتعين عليه الأحجام عن إدلاء الاقوال أو البيانات، وهو ما يستوجب من حكم الإدانة بيان أن المتهم قد عمد إلى تقرير أقوال عن الوقائع المطلوب إثباتها والتي ضبط الإعلام على أساسها أو أنه كان يعلم بأنه لا يدرى حقيقة الأمر فيها وإلا كان الحكم معيب، ولهذا لا تتحقق الجريمة بالخطأ مثل السهو عن ذكر أحد الورثة او نسيانه دون تعمد استبعاده.
ويقع عبء إثبات عدم صدق الأقوال علي جهة الاتهام والمدعي المدني، ومن ثم فإن تبرئة المتهم على أساس أن الأوراق المقدمة من المدعى بالحق المدنى لا تصلح لإثبات عكس الوارد بإعلام الوراثة الذى يعتبر حجة بما فيه حتى يصدر حكم شرعى على خلافه صحيحة قانوناً.