خلال جولاته وتصريحاته التليفزيونية والصحفية قبل وأثناء حملته الانتخابية، وجه الرئيس الأمريكي “المنتخب” جو بايدن، العديد من السهام صوب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ووصفه بالمستبد، وقال عنه صراحة في 19 أكتوبر 2019: "تركيا هي المشكلة الحقيقية، وسأجري محادثات جادة مع أردوغان لإغلاق أبوابها وإخباره بأنه سيدفع ثمنًا باهظًا لما فعله". وأضاف: "على عكس الرئيس ترامب، أعرف ما يلزم للتفاوض مع أردوغان، وإذا أصبحت رئيسًا، فسأجعله يدفع ثمنًا باهظًا لما فعله."
ووفق تقرير لـ"المرصد المصري"، إن وسائل الإعلام والدوائر السياسية ترقبت رد فعل أردوغان على فوز بايدن وما تحمله التهنئة من إشارات ورسائل، حيث أعرب في برقيته عن تصميمه على العمل بشكل وثيق مع الإدارة الجديدة، موضحا أن تركيا كانت واحدة من عدد قليل من الدول، إلى جانب روسيا، التي لم تعلق على فوز بايدن منذ إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم السبت، وكان مسؤول تركي كبير قال يوم الاثنين إن أنقرة ستنتظر حتى يتم حل الطعون القانونية على نتائج الانتخابات الأمريكية ولإتمام النتيجة.
في البيان الرئاسي، قال أردوغان إنه يأمل في أن تكون نتائج الانتخابات الأمريكية "مفيدة" للولايات المتحدة وأن يبني على المناقشات السابقة مع جو بايدن، الذي شغل منصب نائب الرئيس الأمريكي في عهد باراك أوباما." وقال أردوغان: "إن العلاقات بين البلدين ذات طبيعة استراتيجية تقوم على أساس راسخ… اليوم، التحديات التي نواجهها على المستويين العالمي والإقليمي تتطلب منا مواصلة تطوير وتعزيز هذه العلاقات على أساس المصالح والقيم المشتركة."
وبشكل منفصل، بعث الرئيس التركي برسالة إلى دونالد ترامب يشكره فيها على "رؤيته الصادقة والحازمة"، وعلى توسيع العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه"؛ حيث أقام ترامب وأردوغان علاقة شخصية قوية على الرغم من العلاقات المضطربة بين الحليفين في حلف شمال الأطلسي بشأن سوريا وقرار تركيا شراء أنظمة الصواريخ الروسية المتطورة المضادة للطائرات؛ فقد ضغط المشرعون الأمريكيون في الكونجرس على إدارة ترامب لفرض عقوبات على تركيا.
لقد أتاح نهج ترامب تجاه أردوغان فرصة لمجموعة من السياسات العدوانية التي هددت علاقات تركيا مع أمريكا وأوروبا. من ناحية أخرى، من غير المرجح أن يؤيد بايدن اتساقا مع تصريحاته الانتخابية عدوانية أردوغان. وبالتالي، لا ينبغي أن نتفاجأ إذا تعرضت العلاقات التركية الأمريكية لبعض الخلافات الجادة والخلافية بعد فوز بايدن وصعود الديمقراطيين.
قضية “بنك خلق” و “الكل أو لا شيء”
في السنوات الأربع التي انقضت منذ تولى ترامب الرئاسة، تعرضت العلاقات التركية الأمريكية -على مستوى المؤسسات- لبعض الخلافات والاشتباكات وأيضًا التفاهمات، والقائمة طويلة وتتضمن قضايا مثل التدخل التركي في سوريا ضد حلفاء أمريكا، الأكراد السوريين، الذين قاتلوا بنجاح وبتضحيات كبيرة ضد داعش بإلحاح من واشنطن. لكن ترامب أغضب الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس على حد سواء لإعطاء الضوء الأخضر لسيطرة أردوغان الجزئية على شمال سوريا وتقليل وجود القوات الأمريكية هناك.
كان أردوغان أيضًا عازمًا حال فوز ترامب على توسيع النفوذ التركي في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. في ليبيا، حيث تدخل بشكل غاشم نيابة عن “حكومة طرابلس” من خلال نشر طائرات بدون طيار فعالة للغاية، إلى جانب مستشارين وآلاف المرتزقة السوريين ومنظومات الدفاع الجوي، وهو ما أدى إلى قلب ميزان القوة ضد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، وأوقف تقدمها غربًا صوب العاصمة. (وتم استخدام هذه التكتيكات نفسها، وصولًا إلى نشر المرتزقة السوريين، في الصراع على ناجورنو قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان)؛ وفى كلا الحالتين كان أردوغان ينجح في إقناع ترامب وبعض من رجاله المقربين بأنه يوجد هناك خدمة لمصالح واشنطن أيضًا من خلال وقف التمدد الروسي والوجود في فناء موسكو الخلفي.
ثم، هناك تحدي تركيا المتشدد تجاه المناطق الاقتصادية الحصرية اليونانية والقبرصية في شرق البحر الأبيض المتوسط -وهو تطور هز الاتحاد الأوروبي الذي تنتمي إليه كل من قبرص واليونان. الخلافات البحرية ليست جديدة؛ لكن الجديد، هو نهج أنقرة “الكل أو لا شيء” الذي يخاطر ببدء صراع خطير له تداعيات عسكرية وقد يتغير الموقف الاستراتيجي في شرق المتوسط لاحقًا بناء على ما يرسله بايدن من رسائل وإشارات لتركيا.
وقد أشارت تقارير ظهرت مؤخرًا إلى ما كان يتميز به أردوغان من تواصل غير عادي مع ترامب، حيث اتصل به كثيرًا ونجح في إقناع الرئيس الأمريكي بالموافقة على الطلبات التي أصابت البيروقراطية والمؤسسات الأمريكية بالذهول. من نواحٍ عديدة، الزعيمان متشابهان إلى حدٍ كبير حيث إنهما يفضلان غير الرسمي على الرسمي في إدارة الأعمال، وكلاهما شخصيات نرجسية تتخيل نفسها كقادة “متمردين” عازمين على تغيير النظام العالمي الحالي. وإنهما يستمتعان بوضع خصومهما في موقف دفاعي، من خلال مهاجمتهم باستمرار واتهامهم بارتكاب أخطاء غريبة، لتحقيق أهداف سياسية بذكاء. الفرق هو أن أردوغان قد يسجن أي شخص يكرهه، ولا يستطيع ترامب فعل ذلك.
ولعل قضية بنك خلق وما أحاط بها من ملابسات تعد نموذجًا لطبيعة العلاقة بين أردوغان وترامب ورجالهما؛ حيث تم التدخل في تحقيق جنائي ضد بنك خلق التركي المملوك للدولة بناء على طلب من أردوغان. ومؤخرا كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 30 أكتوبر الماضي تفاصيل جديدة عن كيفية ضغط أردوغان على ترامب، للتأثير على وزارة العدل الأمريكية في الاتهامات الموجهة إلى بنك خلق، مما أثار استياء كبار مساعدي البيت الأبيض حينذاك؛ وقالت “نيويورك تايمز” إن الرئيس التركي ضغط أشهرًا على ترامب لإلغاء التحقيق الذي لم يهدّد البنك فحسب، بل أيضًا أفراد عائلته وحزبه السياسي. وعندما جلس المدعي العام الفيدرالي الأعلى في مانهاتن جيفرى بيرمان مع المدعى العام وليام ب. بار، تفاجأ عندما قُدم له اقتراح تسوية من شأنه أن يمنح أردوغان تنازلًا أساسيًا.
ووفقا لرواية الصحيفة فقد سافر بيرمان إلى واشنطن في يونيو 2019 لمناقشة قضية حساسة بشكل خاص مع المدعي العام وبعض كبار مساعديه. وتتعلق القضية بتحقيق جنائي في بنك خلق، الذي يشتبه في انتهاكه قانون العقوبات الأمريكية عن طريق تحويل مليارات الدولارات من الذهب والنقود إلى إيران. ضغط بار على بيرمان للسماح للبنك بتجنب لائحة الاتهام بدفعه غرامة والاعتراف ببعض المخالفات. إلى ذلك، توافق وزارة العدل على إنهاء التحقيقات والقضايا الجنائية التي تتعلق بمسؤولين أتراك وبنوك متحالفين مع أردوغان ويشتبه في مشاركتهم في خطة خرق العقوبات. ولكن بيرمان لم يوافق.
وكان للبنك الحق في محاولة التفاوض على تسوية، لكن المدعين كانوا لا يزالون يحققون مع أفراد رئيسيين، بمن فيهم بعض الذين لهم صلات بأردوغان، ويعتقدون أن المخطط ساعد في تمويل برنامج الأسلحة النووية الإيراني. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتصدى فيها بيرمان لمحاولات كبار المعينين السياسيين في وزارة العدل لتعطيل التحقيق في بنك خلق.
وقبل ذلك بستة أشهر، رفض ماثيو جى ويتاكر، القائم بأعمال النائب العام الذي تسلم الوزارة من نوفمبر 2018 حتى وصول بار في فبراير 2019، طلبًا من بيرمان للحصول على إذن بتوجيه اتهامات جنائية ضد البنك، بحسب محامين مطلعين على التحقيق.
ومنع ويتاكر هذه الخطوة بعد فترة وجيزة من الضغط الذي مارسه أردوغان على ترامب في سلسلة من المحادثات في نوفمبر وديسمبر 2018 لحل مسألة بنك خلق. وتلفت الصحيفة إلى أن الحرص الواضح لترامب على إرضاء أردوغان أثار القلق مرارًا.
وفي البيت الأبيض، أصبح تعامل ترامب مع الأمر يثير قلقًا لبعض كبار المسؤولين في ذلك الوقت، إذ إن الرئيس يناقش قضية جنائية نشطة مع الزعيم الاستبدادي لدولة يجرى فيها ترامب أعمالًا تجارية، وأفاد أنه تلقى ما لا يقل عن 2.6 مليون دولار من صافي الدخل من العمليات في تركيا من 2015 حتى 2018، وفقًا لسجلات الضرائب التي حصلت عليها صحيفة “نيويورك تايمز”. وكان رد ترامب المتعاطف مع أردوغان متناقضًا لأنه تضمن اتهامات بأن البنك قوّض سياسة إدارته لعزل إيران اقتصاديًا، وهي حجر الزاوية في خطته للشرق الأوسط.
وتلك القضية قد تعيد إدارة بايدن إثارتها مجددًا؛ كشفًا لكل تجاوزات ترامب وللضغط على أردوغان لتطويع مواقفه وترويضه بما لا يخالف رؤية الإدارة ويحقق المصلحة الأمريكية المباشرة.
تحدى الـ S-400
ربما يكون التحدي الأكثر إلحاحًا الذي ينتظر إدارة بايدن هو الخلاف الذي يبدو أنه لا يوجد حل فورى له، وهو قرار تركيا شراء ونشر نظام S-400 الروسي المضاد للطائرات، والذي يُزعم أنه يهدد الطائرات المقاتلة الأمريكية الأكثر حداثة ومتعددة الأغراض F-35. من المهم فهم هذه الأزمة لأنها رمز لحالة العلاقات الحالية بين أنقرة وواشنطن. فقد حذرت الولايات المتحدة تركيا مرارًا وتكرارًا من عواقب وخيمة إذا مضت قدما في شراء S-400.
لكن أردوغان تجاهل تلك التحذيرات حيث افترض أن حلفاءه سيستسلمون في النهاية، كما فعلوا في الماضي لأن “تركيا من وجهة نظره مهمة للغاية” أو هكذا يبدو للمؤسسات الأمريكية، وثقة منه في أن ترامب حال فوزه مجددا سيجد طريقة للتغلب على هذا التحدي الخاص. ولكن ما حدث أن الأمور صارت على نحو ووتيرة مختلفة فقد قامت الولايات المتحدة سريعا بإخراج تركيا من برنامج F-35. وقررت أنها لن تستقبل أيًا من الطائرات التي كان سلاحها الجوي يعتمد عليها في تجديد أسطولها المتقادم. وهي خطوة كانت مؤلمة لتركيا عندما نعلم أنها خططت لكسب مليارات الدولارات من خلال إنتاج وتصدير أجزاء F-35، والآن تجد نفسها مستبعدة من هذا أيضًا، وبالتالي تتخلى أيضًا عن فوائد نقل التكنولوجيا.
ومع ذلك حاول ترامب ورجاله أن تكون أزمة صواريخ S-400 ليست المشكلة الأكثر إلحاحًا، بشرط ألا ينشرها الأتراك. لكن الأمر يبدو غير واقعي بعد أن دفعت تركيا ما يقرب من 2.5 مليار دولار للروس، واستثمر أردوغان الكثير من الهيبة في استحواذهم، فإن أردوغان ليس لديه مخرج حتى الآن يحفظ ماء الوجه. لا يمكنه إعادتها، مثل المشترى الذي لديه أفكار مشوشة أو خيارات أخرى؛ فموسكو ليست أمازون. ولكن المؤكد أنه حتى لو بقيت الصواريخ غير منتشرة في تركيا، فإن الولايات المتحدة لن تؤيد عودة أنقرة إلى برنامج F-35.
وعلى النقيض من محاولات الاحتواء الجارية، في صباح الخميس 12 نوفمبر، خرج علينا وزير الدفاع التركي خلوصي آكار بتصريح أكد فيه عزم بلاده نشر منظومة الصواريخ الروسية “S-400” رغم اعتراض الولايات المتحدة. ولكنه عاد وقال: “إن بلاده مستعدة لتبديد مخاوف أمريكا بشأن توافق منظومة “S-400” مع مقاتلات “F-35 Lightning”. وبحسب وكالة “الأناضول”، فقد أكد آكار أنه مثلما يستخدم بعض أعضاء الناتو منظومات “S-300” داخل نطاق الحلف ستستخدم تركيا منظومة “S-400″ بنفس الشكل”.
بايدن خبير في أردوغان
يؤكد المراقبون أن بايدن سيكون رئيسًا مختلفًا تمامًا حيث إنه رجل مؤسسي، ولن يكون أردوغان قادرًا على التحايل على بيروقراطية المؤسسات الأمريكية ودوائر المساعدين والمستشارين والذهاب مباشرة إلى بايدن، ولن يفكر الرئيس الأمريكي الجديد في عقد صفقات جانبية بمفرده أو بمعزل عن المؤسسات التي تتحفظ على مجمل سياسات أردوغان. فضلا عن أن بايدن وأردوغان على دراية ببعضهما البعض منذ عهد بايدن كنائب للرئيس باراك أوباما. لقد كان أعلى مسؤول أمريكي يزور تركيا في أعقاب الانقلاب الفاشل عام 2016 في البلاد، وألقى خطابًا عاطفيا لتأكيد الدعم الأمريكي لتركيا. وكان بايدن هو الشخص الذي يتولى ملف العلاقات مع أردوغان، خاصة في العامين الأخيرين من إدارة أوباما، بسبب تدهور العلاقات بين أوباما وأردوغان.
وخلال إدارة ترامب، اتخذت مواقف بايدن من تركيا لهجة معارضة جديدة. كمرشح، أدان تصرفات تركيا في سوريا وشرق البحر المتوسط وجنوب القوقاز. وتعمقت الضغينة عندما ظهر مقطع فيديو لبايدن يقول لصحيفة نيويورك تايمز في مقابلة أجريت في يناير الماضي أنه سيدعم المعارضة التركية لهزيمة أردوغان في الانتخابات، وانتقده باعتباره مستبدًا. ورفض الأتراك من مختلف الأطياف السياسية التصريحات ووصفوها بأنها تهديد للتدخل في السياسة التركية.
الآن بعد أن تم اختيار بايدن رئيسًا منتخبًا، تواجه تركيا إدارة قادمة ستكون بالتأكيد أقل صداقة ومرونة من إدارة ترامب. ونظرة أنقرة حاليا ينصب على الإدارة والأسماء التي تطرح وحدود درايتها وعلاقاتها بتركيا ومدى تقديرها لمصالحها ومساحات حركتها وتحالفاتها وطموحها ومخاوفها.
لم يسم بايدن مرشحيه لأي من مناصب السياسة الخارجية حتى الآن، ومع ذلك، في الأشهر التي أعقبت ترشيحه للرئاسة عن الديمقراطيين، بادرت التقارير الإعلامية والصحفية بتسمية المستشارين الذين قد يكونون في طليعة المناصب في ظل رئاسة بايدن.
يأتي العديد من المشاركين في حملة بايدن من إدارة أوباما بما في ذلك وكيلة البنتاجون السابقة للسياسات ميشيل فلورنوى؛ ومستشارة الأمن القومي السابقة سوزان رايس؛ ونائب وزير الخارجية السابق أنتونى بلينكين. وفقًا لـ Politico، فإن هؤلاء المسؤولين الثلاثة السابقين يخضعون للدراسة لشغل مناصب عليا في حكومة بايدن، وجميعهم لديهم دراية وآراء صريحة ومعلنة عن تركيا وأردوغان.
وبالفعل، تبادل بعض المسؤولين المحتملين مواقع داخل إدارة بايدن وجهات نظرهم حول تركيا من خلال المقالات والبيانات والمقابلات في السنوات الأخيرة. ووصفت رايس، المرشحة لتولى وزارة الخارجية، تركيا بأنها “ذئب جائع” يسعى لقتل حلفاء الأكراد السوريين لأمريكا بعد أن سحب ترامب القوات الأمريكية في أكتوبر الماضي.
فيما كتب بلينكين، وهو مساعد منذ فترة طويلة يُتوقع أن يتم تعيينه مستشارًا للأمن القومي لبايدن، مقال رأى عام 2017 في صحيفة نيويورك تايمز حث فيه الولايات المتحدة على مواصلة تسليح الأكراد ضد اعتراضات تركيا.
كانت هناك أيضًا معارضة بالإجماع داخل معسكر بايدن بشأن شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي الصنع S-400. وهددت واشنطن بمزيد من الانتقام الاقتصادي والسياسي بسبب شراء أنقرة للصواريخ، والتي تقول إنها قد تستخدمها روسيا للحصول على معلومات حساسة عن طائرات F-35 وأسلحة الناتو الأخرى. حيث رأى بريان ماكيون، الذي شغل منصبًا سياسيًا في البنتاجون خلال سنوات أوباما ويعتقد أنه مرشح لوظيفة جديدة في عهد بايدن أن تركيا كانت “تضع رهانًا سيئًا”.
ووافقت جوليان سميث، المستشارة السابقة لنائب الرئيس بايدن آنذاك والتي تمت دعوتها للتحدث في ذات الموضوع، على أن القرار لن يترك تركيا إلا أكثر عزلة لتقويض إمكانية التشغيل البيني لحلف الناتو.
على المستوى التشريعي قد يصل بايدن إلى منصبه بأغلبية في مجلس الشيوخ لا تزال تحت سيطرة الجمهوريين، لكن التصورات عن أردوغان في الكونجرس ظلت فاترة في أحسن الأحوال. معارضة الغزو التركي لشمال سوريا وشراء S-400 هي نقاط اتفاق نادرة بين الحزبين مع العديد من أعضاء مجلس الشيوخ المحبطين من رفض ترامب التصرف ضد أردوغان.
وقد استبق أردوغان وفريقه قدوم بايدن برسائل تصعيد في محاولة لمنع أي تغيير في المعاملة تجاه أنقرة من قبل بايدن وإدارته؛ وكان التمهيد بتعليقات من بعض كتاب الأعمدة الموالين للحكومة في وسائل الإعلام التركية بأن مواقف تركيا لن تتغير بغض النظر عمن كان الرئيس. وحذر أردوغان من معاقبة تركيا، قائلا: “إن الولايات المتحدة لا تعرف مع من يتعاملون”؛ وذلك أمام أنصاره من أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في 25 أكتوبر الماضي.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، هذا الشهر، إنها ستعمل مع أي رئيس أمريكي، لكنها تضغط للتخلي عن دعم الجماعات الكردية المتشددة في سوريا، وتسليم رجل الدين الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله جولن، الذي تقول إنه خطط لانقلاب فاشل في عام 2016.
وراء هذا التبجح، هناك مخاوف على الأرجح من أن بايدن سيمضي قدمًا ويقدم ما يمكن أن يكون ضربة قاصمة لاقتصاد تركيا المتدهور (استمر الدولار في الارتفاع بشكل مطرد مقابل الليرة التركية في العام الماضي).
ويوم السبت الماضي، أقال أردوغان رئيس البنك المركزي التركي، وبعد يوم استقال صهره، وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق، بطريقة كانت محرجة سياسيًا. كان البيرق معروفًا أيضًا بعلاقاته الوثيقة مع عائلة ترامب عبر صهره جاريد كوشنر.
يقول أيكان إردمير، كبير مديري برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) ، إن الصراعات الاقتصادية في تركيا ستجبر أردوغان على البحث عن طريقة ما لتجنب استعداء إدارة بايدن. وأضاف إردمير: “أردوغان يعلم أن فوز بايدن في الانتخابات قد زاد بالفعل من مخاطر تركيا لأن معظم المستثمرين العالميين يتوقعون علاقة متوترة بين واشنطن وأنقرة على مدى السنوات الأربع المقبلة”. وأشار إلى إن الدعم الأمريكي سيكون ضروريًا إذا دخلت تركيا في أزمة مالية في عام 2021 – وهو سيناريو يتوقعه العديد من المحللين.
الناتو واحتمالات التعاون
على الرغم من العلاقات السيئة بين أردوغان وبايدن، لا يزال هناك مجال لبعض التعاون في ظل الإدارة الجديدة. كان معسكر بايدن واضحًا في أنه يتطلع إلى تنشيط الناتو بعد تجاهل ترامب للحلف والتحديات التي تواجهه، وهو أمر يراه البعض في تركيا بالفعل كنقطة انطلاق مقبولة للتعاون.
قال مايكل كاربنتر مستشار بايدن يوم الاثنين الماضي؛ إن السياسة الخارجية التركية في منطقتها تطرح “مجموعة من المشاكل التي تتطلب الكثير من الاهتمام في بداية إدارة بايدن والتي ستتطلب تنسيقًا عبر الأطلسي لحلها”.
وقالت صحيفة ديلي صباح في عمود إن تركيا يمكن أن تلعب دورًا في الحد من نفوذ روسيا في الشرق الأوسط وإن تركيا يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في إعادة بناء العلاقات مع أوروبا من خلال الناتو.
قد تكون تجربة بايدن السابقة مع أردوغان – من وجهة نظر البعض – ميزة في إيجاد أرضية مشتركة معًا. ففي مقابلة عام 2016، وصف بايدن فلسفته بطريقة بدت مشابهة بشكل ملحوظ للرئيس ترامب، مؤكدًا العلاقة الشخصية مع نظرائه. قال بلينكين، مستشار الأمن القومي المتوقع لبايدن، في يوليو الماضي، إن هذه التجربة أظهرت أن الدبلوماسية الشخصية هي الأكثر فعالية عند التعامل مع شخصية مثل أردوغان.
قال بلينكين لـ Walter Russell Mead: “أظن أنك سترى بعض التقارب من جانب الرئيس بايدن مع نظيره التركي لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا العمل من خلال مجموعة من القضايا التي نحتاج إلى إيجاد طرق لمعالجتها معًا”.
وبناء على كل ما سبق سيحتاج بايدن – الذي سبق أن وصف أردوغان بأنه “مستبد” – إلى موازنة الرغبة في اتخاذ موقف ضد السياسات التركية التي يعتبرها عدوانية وضارة مع الحاجة إلى تجنب خسارة عضو مهم استراتيجيًا في الناتو يتمركز على الحدود مع سوريا والعراق وإيران. لكن المحللين يقولون إنه على عكس ترامب، من غير المرجح أن يقدم بايدن خدمات شخصية للرئيس التركي ولن يمكن أردوغان من الإفلات من العقاب بسهولة ومن خلال صفقات مكلفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة