دفع الشوق بشقيق لرؤية شقيقه الذي فقده فى مجزرة الروضة بشمال سيناء أن يصبح "رساما " يجيد تجسيد ملامح الوجوه على لوحات الورق والجدران، الشاب "محمود مجدي"، 20 سنة من قرية الروضة بشمال سيناء، واحدا من بين الناجين من مجزرة الروضة التى وقعت احداثها فى 24نوفمبر من عام 2017 توقيت صلاة الجمعة عندما اقتحم ارهابيين مسجد القرية وأطلقوا النار على من بالمسجد ليسقط أكثر من 300 شهيدا و128 مصابا فى حادث وصف وقتها بالأبشع من نوعه.
قال محمود لـ "اليوم السابع"، إنه كان فى هذا اليوم كان يتهيأ للذهاب للمسجد عندما وقعت المجزرة فنجى منها، لكن سبقه لأداء الصلاة والده الذي أصيب بثلاث طلقات وشقيقه " أمير" الذي لقى ربه شهيدا من بين الشهداء فى صحن المسجد.
وأضاف أن ذكرى استشهاد شقيقه وفقده لم تفارقه والشوق إلى رؤيته حلم يعيشه ليل نهار، وأثناء دراسته فى المرحلة الثانوية وفى لحظة شوق لشقيقه، قرر أن يرسم صورته، وحاول كثيرا وفى كل مرة كان يرى أن ما يرسمه غير مناسب.
وتابع قائلا " من هنا بدأت الاتجاه لرسم الوجوه واجادة اظهار ملامحها بكل دقة وكانت هذه خربشات على الورق أثناء الدراسة ".
وقال "هذه الرسومات لفتت نظر معلم اللغة الانجليزية بالمدرسة أحمد عبد الجواد، الذي نبهنى لضرورة أن أخرج هذه الموهبة ويكون الاتجاه للدراسة فى مجال الفنون".
وأضاف أن هذه النصيحة كانت جرس إنذار له، حيث كانت فكرته عن دراسة الفنون أنها مجرد دراسة يعقبها التخرج معلم رسم، وبعد أن استجاب لنصيحة معلمه وبدأ البحث عن الطريق لدراسة الفنون وجد أن كليات الفنون تضم أقسام فى تعليم فن الديكور والنحت والرسم والفنون التطبيقية وغيرها، هى أقسام مبهرة تصل لإحياء كل ما داخل الشخص من موهبة وتنميها، وقررت ان اتجه لها فور التخرج.
وتابع قائلا أنه بعد الحصول على الثانوية العامة، فوجئ أن مجموعه لا يؤهله لدخول كلية الفنون الجميلة وقرر أن لا ييأس واتجه للدراسة بكلية التربية الفنية بجامعة قناة السويس، وهو الآن طالب بالسنة الثالثة.
وقال إنه خلال سنوات دراسته سخر كل جهده فى خدمة موهبته، وكان لذكرى شهداء الروضة فى يوميات فنه الكثير، حيث استطاع بمساعدة والده المعلم بمدرسة الروضة الوصول لصور من سقط شهيدا من أطفال القرية فى المجزرة وخلد ذكراهم بلوحة جمعتهم وأصبحت تتصدر واجهة مدرستهم الابتدائية التى خرجوا منها ولَم يعودوا اليها حيث رحلوا لهناك مع قوافل الشهداء.
وقال إن اللوحة التى تجسد وجوه عصافير الجنة تضم رسم لعدد 7 أطفال شهداء على مقاس متر فى 70 سم مرسومة بخامة الفحم.
وأضاف أنه يقوم برسم لوحات تعتمد على تجسيد الوجوه وملامحها، ويشارك مع زملاء له اثناء الدراسة فى مشروعات رسم جداريات وتزيين شوارع، وأصبح يتقن تفاصيل دقيقة فى عالم الرسم وهذا استثمره فى الاتجاه لتعليم الموهوبين الصغار فن الرسم وأصبح يقوم بهذا الجهد ويكتشف يوميا كثير من المواهب الصغيرة لأطفال يملكون ملكة هذا الفن.
وقال إنه رغم دراسته فى مدينة الإسماعيلية، إلا أن قرية الروضة التى عاش فيها سنوات عمره مع أسرته التى لاتزال تقيم فيها يعتبرها ملهمة ابداعه، حيث الأجواء الصافية والافق الممتد والطبيعة البكر واهلها الطيبين، لافتا إلى أنه فى الأصل من أبناء محافظة البحيرة، وانتقل والده للعمل معلما فى القرية، وأحب المكان واستقر به حتى أصبح جزء منهم لا يغادروه تحت أى ظرف.
وأشار الفنان الشاب محمود مجدي، إلى أنه متأثر جدا بلوحات الفنانين الكبار مايكل انجلو وبيكاسوا، ويقف مبهورا أمام تفاصيلها ودقة كل خط فيها، ومايتمناه أن يكون يوما واحدا من عمالقة الفنانين الذين يجسدون فن رسم الوجوه بعمق أكثر وأكثر لافتا انه فن يحتاج لحضور وقوة بديهة وذاكرة واصرار على الوصول لكل التفاصيل التى قد تكون فى مشهد مصور بشكل عادى لكن الفنان يقرأه بلغته ويترجم قرأته لخطوط تكون اللوحة التى يريد اخراجها للنور.
وأعرب الفنان الشاب محمود مجدي عن أمله أن يكون فى كل مدرسة اهتمام بالموهوبين من الفنانين، وقال إن لدى أبناء شمال سيناء تحديدا قدرة على التعبير بفن الرسم لاحدود لها حيث حولتهم الظروف التى يعيشونها لفنانين بالفطرة يرسمون كل مايمر امام اعينهم من مشاهد وتختزله ذاكرتهم من احداث واذا اعطيت اى طفل ورقة وقلت له ارسم سنجد كثير من الابهار.
وقال إنه من واقع تجربته يزعجه أن حصة التربية الفنية مجرد وقت روتينى يقضيه الأطفال فى اللعب دون فائدة تذكر، مطالبا بمزيد من فرض كل ماينمى روح الابداع عند الطلبة بكل مدرسة بشكل واقعي وليس مجرد برامج روتينية.
وأكد أن رسالته فىً حياته ومستقبله أن ينشر ويعمم الفن بالرسم ويتكفل بإظهار كل صاحب موهبة يستطيع الوصول إليه.
f0b1fd7f-c623-420e-82ed-81b8aae7f408