وتستغل عصابات تهريب المخدرات القادمة من بلدة "شاشامانى"، في وسط إثيوبيا، الحدود الواسعة التي تربط بين البلدين والتي تفتقر إلى مراقبة أمنية منضبطة، فضلاً عن استغلالها لعناصر فاسدة من الشرطة المحلية وإغراقها بالرشاوي للسماح بمرور شحنات مخدرات "الماريغوانا" و"البانجو" القادمة من بلدة شاشاماني الشهيرة بإنتاجه في إثيوبيا.


وتعرف "شاشاماني" بأنها أرض المخدرات وتعود شهرتها إلى الحرب العالمية الثانية، حين منح الإمبراطور الإثيوبي، هايلا سيلاسي، مساحات شاسعة من الأراضي لمستوطني حركة "راستفاراي"، القادمين من منطقة غرب الإنديز في البحر الكاريبي، لجذبهم للعودة إلى موطنهم الأصلي في شاشاماني في إفريقيا. ومنذ ذلك اشتهرت شاشاماني بزراعة المخدرات التي كانت تنُتج في الماضي لتلبية الاستهلاك المحلي داخل إثيوبيا.


لكن المهربين وعصابات المخدرات وجدوا لهم أسواقاً في البلدان المجاورة مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا، خصوصاً أن الإتجار في المخدرات، رغم عدم مشروعيته، يدر عليهم أرباحاً ضخمة، كما أن الأصناف التي يتم جلبها من شاشاماني تتمتع، على حد تعبيرهم، بـ"جودة عالية" وتلقى رواجاً في تلك الأسواق الجديدة.


ويسعى زعماء عصابات المخدرات في المنطقة، حسب تقارير "مكتب مكافحة المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة" UNDOC إلى فتح مسارات جديدة للمهربين لضمان دخول المواد المخدرة إلى مدينة نيروبي، كما يعد مطارا نيروبي وأديس أبابا الدوليان منطقتي دخول رئيسيتين لأنواع أخرى من المخدرات غير المشروعة في المنطقة، خصوصاً بالنسبة للرحلات التجارية القادمة من آسيا والشرق الأوسط.


ويؤكد المكتب في تقاريره أن منطقة شرق أفريقيا تتمتع بجاذبية خاصة من جانب العصابات الدولية المتخصصة في الاتجار في المخدرات، مستغلة في ذلك اهتراء الحدود وعدم فاعلية الرقابة عليها (براً وبحراً وجواً)، ومحدودية التعاون الإقليمي عبر الحدود، علاوة على قلة كفاءة منظومات العدل في المنطقة، على حد تعبير UNDOC.


ورغم أن السلطات الأمنية الكينية أعلنت أخيراً أنها أحبطت محاولة كبرى لتهريب شحنات ضخمة من مخدر البانجو إلى البلاد، فإن عصابات "شاشاماني" ومهربي المخدرات طرقوا دروباً برية جديدة لضمان وصول شحناتهم إلى العاصمة نيروبي ومنها إلى مناطق ودول أخرى مجاورة. وقد أصبحت مدينة مويالي، شمالي كينيا، نقطة دخول رئيسية لشحنات ضخمة من مخدر "البانجو" الذي يزرع في مساحات واسعة جنوبي إثيوبيا.


وابتكر مهربو المخدرات الذين يجلبونها من مدينة "شاشاماني" الواقعة في منطقة "ميزراق شيوا" في إقليم أوروميا الإثيوبي، وتبعد 241 كيلومتراً عن العاصمة أديس أبابا، طريقين جديدين للدخول بشحناتهم إلى العاصمة الكينية نيروبي، أولهما الطريق السريع "مايلولي- نيروبي" عبر بلدتي مارزابيت وإيزيولو. وفي الغالب يستخدم المهربون على هذا الطريق وسائل المواصلات العامة خصوصاً الحافلات.


ومع إعلان سلطات الأمن حالة التأهب القصوى لمواجهة تصاعد عمليات تهريب المخدرات في البلاد، لجأ المهربون إلى الاتجاه بشحنات البانجو القادمة من شاشاماني إلى الجنوب والدخول بها عبر النقاط الحدودية الكينية مايولي، وسولولو، وكورولا، وأوران، ودوكانا. 


وقالت مصادر، في تصريحات نقلتها صحيفة "نيشن" الكينية في تقريرها عن المخدرات في البلاد، إنه لكي تمر تلك الشحنات عبر مناطق التفتيش الأمنية على الحدود الكينية، يقدم المهربون رُشى تجعل تلك الحواجز "أسهل مكان يمكن عبوره"، على حد وصفهم. وأشاروا إلى أن المهربين يستخدمون في نقل تاكسيات "البودا بودا" (الدراجات البخارية التي تعمل بالأجرة والمنتشرة في شرق أفريقيا)، ومركبات صغيرة، وعربات تجرها الحمير والبغال (الكارو).


كانت الشرطة الكينية أعلنت في يونيو من العام الماضي أنها ألقت القبض على امرأتين عثر معهما على أربعة كيلوجرامات من مخدر "البانجو" في ضاحية مارزابيت على محطة ركوب الحافلات المتجهة إلى نيروبي، وقالت إن السيدتين كانتا تخفيان المخدرات تحت عباءتيهما.


في 20 مايو من العام الماضي، تتبع مفتشون شاحنة كانت متجهة من مايولي إلى ناكورو، وبعد استيقافها وتفتيشها عثر فيها على شحنة ضخمة زاد وزنها عن الطن من مخدر "البانجو "، والذي قدرت قيمته السوقية بنحو 6ر3 مليون شلن كيني. وقبل أسبوع منذ ذلك، وبالتحديد في 12 مايو، ضبط رجال الشرطة كمية من البانجو بلغت قيمتها نحو 8 ملايين شلن كانت محمولة على متن شاحنة نقل تعطلت على الطريق في كيريمون. وقبلها بثلاثة أسابيع عثرت قوات البوليس في مارزابيت على خمسة كيلوجرامات من البانجو كانت مخبأة في إطار سيارة قادمة من مايولي.


أما الطريق الثاني الذي يستخدمه حالياً المهربون فيتجه من فونانياتا في سولولو إلى ياميشا في بلدة إيزيولو، حسب تأكيد المصادر. ونظراً لطبيعة التضاريس في تلك المنطقة فإن أغلب المهربين يستخدمون سيارات الدفع الرباعي، وفي بعض الحالات يستخدمون سيارات حكومية لتجنب التفتيش على الحواجز الأمنية على هذا الطريق.


وتشير المصادر إلى أن الطريقين الجديدين يقودان إلى بلدة إيزيولو، ويتجه المهربون بعدها إلى الطريق السريع "نانيوكي – نيروبي" إلى داخل العاصمة. ويشرعون في الوصول بشحنات المخدرات إلى مختلف المدن المحيطة لترويجها عبر وسطاء الذين يقومون من جانبهم بإعطائها إلى التجار الذين يعيدون تعبئتها في عبوات أقل حجماً، تمهيداً لإعطائها إلى صغار الموزعين في المدن. وتقول المصادر إن الموزعين في المدينة بمجرد استلامهم لشحنات المخدرات من التجار والوسطاء يتمتعون بحماية من مسؤولين في الشرطة.


وتعرض صحيفة "نيشن" الحيل التي يستخدمها المهربون في تهريب شحنات المخدرات، وقالت، على لسان أحد المصادر، إن مخدر "البانجو" يحشر في إسطوانات الغاز وينقل من الحدود إلى العاصمة نيروبي. ويقول المصدر "عندما نجد عناصر الشرطة على حواجز التفتيش، فإنهم عادة ما يتركونا نمر بسلام لأنهم لا يرون سوى إسطوانات."


في مارس الماضي، قام أحد المفتشين بإلقاء القبض على رجل معه 65 جوالاً (بالة)، تم تكديسها كما لو كانت بالة ملابس مستعملة، وتبين أن بها 466 كيلو جراما من مخدر البانجو. وفي مايو من العام الماضي، ألقي القبض على سائق شاحنة لنقل الوقود كان يحمل 135 جوالاً (بالة) من مخدر البانجو كانت قادمة من إثيوبيا، وقالت إدارة التحقيقات الجنائية إن المخدرات كانت مخبأة داخل خزان الوقود. ويقول المصدر "من النادر أن توقف الشرطة شاحنة الوقود، خصوصاً أنها تحمل مواد بترولية، وعندما يخفي المهربون البانجو بداخلها، فإنهم يشعرون أنهم في مأمن من التفتيش."


وكشف ضابط بارز في مقر جهاز الشرطة في نيروبي، رفض الإفصاح عن اسمه، في تصريح خاص لصحيفة "نيشن" الكينية أن هناك ضباطاً في الشرطة ومسؤولين بالهجرة فاسدون ويتربحون من أنشطة الإتجار في المخدرات قائلاً "من الواضح أن المخدرات تواصل دخولها إلى البلاد عبر الحدود، وإنه لمن المؤكد أن هناك حفنة من الناس النافذين يتربحون."


وكان ضابط ومساعد له في وحدة الخدمات العامة أُلقي القبض عليهما في مايو الماضي في مقاطعة إيزيولو أثناء استخدامهما سيارة حكومية لنقل 600 كيلو جرام من "البانجو" بقيمة تبلغ 15 مليون شلن، وقد تمكن فريق أمني متعدد بالقبض عليهما أثناء استخدام سيارة نقل رسمية صغيرة لنقل شحنة المخدرات من مدينة مويالي على الحدود مع إثيوبيا. 


وتابع الضابط البارز تصريحاته قائلاً "إن الاتجار في البانجو داخل كينيا يقف وراءه شخصيات نافذة، وإنه رأى رفاقاً له يدفعون ثمناً باهظاً لأنهم كانوا أمناء ومخلصين"، على حد قوله.


وشَبَّه الضابط البارز الاتجار في المخدرات في بلاده بكيس ورقي مملوء بالهواء "إذا ضغطت على جانب منه، يتحرك الهواء إلى الجانب الآخر، وإذا ضغطت على الكيس بأكمله فإنه سينفجر. وتلك هي الحقيقة المحزنة عن هذا النشاط".