اشتدت حاجة القوات العسكرية للاحتلال البريطانى فى مصر إلى «الحمير والجمال» أثناء الحرب العالمية الأولى، فأصدرت السلطات إعلانا يوم 26 نوفمبر، مثل هذا اليوم، عام 1917، أمرت فيه جميع المصريين أن يقدموا دوابهم، وأصبح غير مصرح لهم بالتصرف فيها أو حتى نقلها، وفرضت العقوبة على من يخالف تلك الأوامر، وازدادت حركة المصادرة لأعز ما يملكه الفلاحون، وفقا للدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «مصر فى الحرب العالمية الأولى».
كان هذا الإعلان تعبيرا عن حالة القهر التى يعيش المصريون فى ظلها تحت الاحتلال البريطانى أثناء الحرب العالمية الأولى، التى بدأت من 28 يوليو 1914 إلى 11 نوفمبر 1918، وانتصرت فيها «قوات الحلفاء» بقيادة بريطانيا وفرنسا وروسيا على «قوات المحور» بقيادة تركيا العثمانية وألمانيا، وأصبحت مصر جزءا من هذه الحرب بعد إعلان الحماية البريطانية عليها يوم 18 ديسمبر 1914.. يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 1919» أنه بهذا الإعلان «حلت الحماية السافرة، محل الحماية المقنعة التى فرضتها إنجلترا على مصر منذ سنة 1882».. يضيف: «وضعت الحكومة المصرية سلطتها وموظفيها رهن أوامر السلطة العسكرية البريطانية، فكان الحكام الإداريون من المديرين إلى عمد البلاد وخفرائها يقومون بعملية جمع الرجال قسرا وتجنيدهم، وإرسالهم إلى مختلف النواحى فى شبه جزيرة سيناء، أو فى العراق وفلسطين والدردنيل وفرنسا للعمل فيما تحتاج إليه الجيوش».
مثلما جمعت السلطة الرجال بطريق الإكراه لخدمة القوات البريطانية، لم تبق على جمل أو حمار أو حصان إلا واستولت عليها، وطبقت نفس طريقة جمع الرجال على الحيوانات.. تؤكد سالم: «منذ أن بدأت الحرب كان لا بد من الاستيلاء على قطعان من الجمال، حيث احتاجت إليها القوات البريطانية لنقل المهمات، وهنا بدأت السلطة تجمع الجمال من المديريات، وفى بادئ الأمر جعلت أجرة الجمل الواحد خمسة عشر قرشا يوميا، ولم يمض شهر فبراير 1915 حتى جمعت ألفين ومائتى جمل».
فى عام 1917 اشتدت الحاجة إلى استخدام الجمال فى النقل الحربى، ووجدت الجهات المكلفة بالشراء من قبل الجيش صعوبة كبيرة فى الحصول على العدد اللازم، فأرسلت الحكومة المنشورات السرية إلى المديرين لحثهم على بذل جهود قوية، لكنها لم تحدث نتيجة سوى نشر الظلم، فكبار أصحاب الأراضى وشيوخ القرى كانوا يتمتعون بميزة الإعفاء، والفلاحون والفقراء هم الذين كان عليهم أن يقدموا جمالهم.
كانت «الحمير» هى الأخرى محط الأنظار والحاجة، وحسب «سالم» فإن الحكومة أظهرت كرما فى معاملة السلطة العسكرية، حيث فتحت وزارة المالية فى 22 أغسطس 1917 بعض الاعتمادات للمديريات لابتياع الحمير اللازمة للسلطة، وقالت الحكومة فى بلاغها إن الغرض من ابتياع هذه الحمير أنها لازمة للخدمة العمومية، ثم صدرت الأوامر للمديريات بأن ينتقى المفتشون البيطريون الحمير الصالحة للعمل، وأن تقدر أثمانها التى تدفع من خزانة المديرية من الاعتمادات المفتوحة، واستولت أيضا على ركائب المهندسين التى وجدتها صالحة للاستعمال، وهنا كان على الحكومة التعويض لهؤلاء، وعلى سبيل المثال وافق مجلس الوزراء فى جلسته يوم 23 فبراير 1918 على إعطاء عبدالمسيح فهمى وحسين كامل ماهر وكامل ميخائيل، المهندسين برى الفيوم، مصاريف الركائب التى يتكبدونها، بسبب استيلاء السلطة العسكرية على ركائبهم.
تقدم «سالم» إحصاءً لعدد الجمال التى تم جمعها، مؤكدة: «فى بداية عام 1916 كان هناك 20 ألف جمل مستخدمة، وفى أواسط 1917 ارتفع العدد إلى 35 ألفا، وقسمت إلى مجموعات حوت كل مجموعة ألفى جمل، وهذه المجموعات عملت فى خط النقل الأول تنقل الأحجار وتحضر الإمدادات، وتم جمع الجمال من مختلف المديريات، فكان نصيب البحيرة 2526، والغربية 4218، والدقهلية 1560، والمنوفية 2740، والشرقية 5817، والقليوبية 2096، والجيزة 1426، والفيوم 1201، وبنى سويف 1380، والمنيا 2106، وأسيوط 3543، وجرجا 2363، وقنا 208، وأسوان 363، والقاهرة 203، والإسكندرية 186، والإسماعيلية 33.
أدت هذه السياسة إلى أن يصبح عدد الجمال قليلا، بتأكيد «سالم».. توضح: «ارتفعت أسعارها بمعدل ثمانى مرات عما كانت عليه قبل الحرب، وبلغ من جبروت السلطة أنها بعد الحرب أرادت أن تبيع ما تبقى من الجمال للمصريين بأسعار قدرتها وفق مصالحها، أما بالنسبة للحمير فكانت لها منفعة تامة، قمست إلى أربع مجموعات كل منها تحتوى على ألفى حمار عملت بكل طاقتها مع المصريين فى خطوط القنال».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة