تعتبر التماثيل فى الميادين العامة متعة للناظرين والمارين بها، وتساهم فى تحسين الصورة الذهنية والبصرية للمواطنين، لكن عندما تصبح أضحوكة بسبب شكلها وغرابة منظرها تبدأ موجة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما حدث فى مدينة الزقازيق، عاصمة محافظة الشرقية، والتى تعد واحدة من أقدم مدن مصر وعاصمتها لقرون فى العصور الفرعونية، وبالرغم أن الغرض من التماثيل المكشوفة فى الميادين هو إظهار الشكل الجمالى وتزيين الميدان، سواء عن طريق الاحتفاء بالشخصيات المصرية التاريخية والفنية والثقافية، أو من خلال أعمال لأشهر النحاتين فى تاريخ مصر، إلا أن الحال تبدل وأصبحت التماثيل العامة مصدرًا جديدًا للتلوث البصرى.
ويرصد "اليوم السابع" فى هذا التقرير أهم ميادين الزقازيق، والتى هى شاهد على مخالفات الإدارات الهندسية بالمحليات بسبب وضع أشكال تجميلية تفتقد أبسط المواصفات الفنية وبل تشوه الذوق العام نفذتها بعض المؤسسات التجارية والطبية، واعتمدت من رؤساء الأحياء بالمدينة.
ففى منطقة القومية، أشهر أحياء المدينة الراقية، نجد أبرز مثال على ذلك هو ميدان يتوسط المنطقة وعبارة عن قاعدة رخامية سوداء تخرج منها أسياخ برونزية ليس لها معنى أو تعبر عن أى شيء، وبالمرور بشارع القومية أبرز الشوارع التجارية ستصطدم بوجود "مسلة القزمة" أو كما يطلق عليها أهل المنطقة "شاهد مقبرة"، فهى مسلة طولها متر ونصف من الجبس الأبيض تم وضعها مثلث هرمى مقلوب عليها نقوش غير مفهومة، وملاصق لها صندوق كبير للقمامة وحوله أكوام تختلف كمياتها بحسب الورديات.
أما مداخل الزقازيق فحدث ولا حرج، فمن ناحية القنايات وشارع الغشام والذى أصبح أشهر الشوارع لوجود عدد من مطاعم والشركات والأبراج الشاهقة، تجد حصانًا وهو رمز المحافظة، على قاعدة رخامية عالية، ويوجد به تشوهات فنية من حيث الحجم وأعوجاج فى القامة فضلًا عن صغر حجمه.
وبالانتقال إلى مدخل الزقازيق من ناحية طريق بلبيس، سنجد بوابة عليها جدارية رسم عليها مجسم لحصان بالجبس معوج أشبه بالبغل، والذى أثار السخرية من المواطنين، مما دعا محافظ الشرقية إصداره قرار بإزالة المجسم فورًا، وكذلك تمثال أحمد عرابى على الحصان المتواجد بمدخل الزقازيق من ناحية قريته هرية والذى قبل عامين دهن باللون الأخضر، وأثار غضبا شعبيا وقتها وقامت المحافظة بإعادته لشكله الطبيعى، ولم يقتصر حد الاستهتار عند ذلك فنجد الحصان الذى نفذه أحد الفنانين التشكيليين من أبناء المحافظة من الخردة ومطلى بالبرونز ومواد مقاومة للصدأ، لكن وجه أحد التنفيذيين بطلائه بلون رمادى "دوكو" بدعوى تجميله، مما تسبب فى تعرضه لتشوهات.
أما التمثال الوحيد الذى هو مطابق للمواصفات الفنية، لم يسلم من الإهمال، وهو ثمتال أحمد عرابى، قائد الثورة العرابية المتواجد بميدان المحطة، والذى ظل شامخا لأكثر من نصف قرن، ولكن مع أعمال الحفر والإنشاء لنفق مرورى بجواره يحمل ذات الاسم، تعرض للإهمال الشديد.
وبدوره قال الدكتور شحتة حسنى، عضو نقابة الفنانين التشكيليين، إن ما يحدث فى ميادين العاصمة الزقازيق ومدن الشرقية، هو قبح وتشويه بصرى وافتقار للذوق العام، وانتكاسة للحضارة المصرية التى قامت الفنون وإبداع المصريين القدماء فيها، فمحافظة بعراقة الشرقية لا يجب أن يوجد بها مسلة مقزمة ومتواجدة بجوار صندوق قمامة التى تعتبر جريمة فنية بكل المقاييس، فمسلة معروفة بقولها وشكلها الفنى المبدع، وكذلك السيوخ البارزة فى ميدان القومية لا تدل على معنى سوى قبح، أو حتى الحصان المشوه مثل الذى بموقف المنصورة فهو لا يطابق أى مواصفات فنية، فهذه الأعمال نتيجة إسناد التجميل لمقاولين تحت أشراف موظف محليات ليس لديهم أى دارية بالمواصفات الصحيحة للتجميل، هذه الأعمال هى بمثابة عمل فنى لا بد أن يتم تحت إشراف فنانين متخصصين بالأخص خريجى كليه الفنون الجميلة التى بها قسم خاص لتجميل الميادين وبها أساتذة متخصصين بذلك.
ومن جانبه أكد الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية، أنه شكل لجنة برئاسة نائبه المهندسة لبنى عبد العزيز، والتنسيق الحضارى وأساتذة من كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، لوضع تصور للميادين وكيفية تجمليها بالشكل الحضارى، وأنه أصدر تعليمات بعدم وضع أى تماثل أو تجميل فى الميادين دون الرجوع للجنة.
وأضاف محافظ الشرقية لـ"اليوم السابع" أن هناك 35 من رؤساء الإدارات الهندسية ومديرى المشروعات بالمراكز والمدن حصلوا على دورة أسس ومعايير التجميل للفراغات والميادين العامة والتى أقيمت على مدار 3 أيام بنظام التعلم عن بعد، بهدف تعزيز قدرات ورفع كفاءة العاملين بالإدارات الهندسية والتدريب على استخدام أحدث الأساليب العلمية فى أعمال تطوير وتجميل الشوارع والميادين الرئيسية بمختلف مراكز ومدن وأحياء المحافظة، مشيرًا إلى أن خطة المحافظة لتطوير وتجميل الشوارع والميادين الرئيسية تتطلب تطبيق أسس ومعايير التجميل للفراغات والاستفادة من تلك الفراغات كأماكن انتظار للمواطنين أو الإعلانات لإضفاء الطابع الجمالى والحضارى عليها، ليشعر المواطن بالراحة النفسية والبصرية.
بينما أكدت المهندسة لبنى عبد العزيز، نائبة محافظ الشرقية، أنه تنفيذا لقرار محافظ الشرقية رقم 3186 لسنة 2020 بتشكيل لجنة لمراجعة الأعمال الفنية وأعمال تجميل الميادين قامت المحافظة بتنظيم دورة تدريبية (أون لاين) لرؤساء الأقسام الهندسية ومديرى المشروعات بالمراكز والمدن والأحياء لتوضيح أسس ومعايير التجميل للفراغات والميادين العامة والتعريف بالفراغ العام من حيث مكوناته وعناصره ووظائفه وكيفية وضع استراتيجية لرفع كفاءة الفراغ العام وإعداد مقترحات تصميمية للميادين والمنحوتات واستغلال المسطحات الخضراء بالفراغات والميادين العامة.