كشف المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية فى تقرير حديث له تاريخ جماعة الإخوان الإرهابية الطويل فى الاستقواء بالولايات المتحدة الأمريكية وسعيها الدائم للتقرب من الأنظمة الأمريكية المختلفة، وجاء التقرير بعنوان "الإخوان وواشنطن.. خذلان مستمر على مدار 80 سنة".
أوضح التقرير، أن عناصر تنظيم الإخوان يستمرون فى تصدير أن نتائج الانتخابات الأمريكية ستمنحها قُبلة الحياة التى تعيدها للمشهد المصرى من جديد، وهو حلقة جديدة من مسلسل الرهان على جدوى الاستقواء بالخارج فى وجه الدولة الوطنية، وربما حقق ذلك الرهان مكاسب مرحلية لصالح التنظيم، فى فترات سابقة كانت الدولة فيها فى أضعف حالاتها، مثل فترة ما بعد ثورة 1952 وثورة يناير 2011.
ولكن مع استعادة الدولة المصرية كاملة مؤسساتها وقدراتها، أصبح رهان الإخوان على حدوث مثل هذا التأثير على القرار المصرى دربا من الخيال وأحلام اليقظة، التى يسعى عناصره للتمسك بها بعد أن قضت ثورة 30 يونيو على قواعد التنظيم فى مصر، ولعل أبرز أسباب هذا الاتجاه داخل التنظيم ما ناله الإخوان من دعم كبير عبر إدارة الرئيس الديمقراطى "باراك أوباما"، كباقى تنظيمات الإسلام السياسى خلال تلك الفترة، وكشف تسلسل الأحداث أن التنسيق بين مكتب الإرشاد والخارجية الأمريكية انطوى على توظيف هيكلى لمركز وأفرع الإخوان فى العديد من الدول المنتشر بها.
وقد جاء ذاك التوظيف كنتاج للرغبة الأمريكية فى جر التيارات العنيفة إلى مربع العمل السياسى بديلا للممارسات الإرهابية، مع ضمانة تصدر تنظيم الإخوان لهذا المسار باعتباره القوة التى يمكن السيطرة عليها، ولأنها داومت على الحديث عن كونها الممثل الأقرب للإسلام الوسطى بين عدة اتجاهات أكثر خطورة.
ووفقا للتقرير، فقد كانت بداية التعاون الأمريكي الإخوانى فى الأربعينيات، حينما التقى مؤسس التنظيم "حسن البنا" مع السكرتير الأول للسفارة الأمريكية فى القاهرة آنذاك "فيليب أيرلاند"، وجرى الاتفاق على التعاون بين الطرفين لمواجهة الفكر الشيوعى، وكانت آلية التعاون التى اقترحها "أيرلاند" خلال الاجتماع: "برجالكم ومعلوماتكم ونحن بمعلوماتنا وأموالنا"، وهو أمر رّحب به البّنا، ووثق هذا اللقاء القيادى الإخواني وسكرتير البنا "محمود عساف"، فى كتابه "مع الإمام الشهيد حسن البنا"، والذى أفرد فيه فصلا كاملا للحديث عن ذلك بعنوان "سكرتير السفارة الأمريكية".
وفى مطلع الخمسينيات، كشف عميل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية فى القاهرة "مايلز كوبلاند"، فى كتابه "لعبة الأمم"، أنه تلقى أوامر من مدير الوكالة "ألين دولز" بإيجاد وسيلة للإطاحة بسياسات عبد الناصر المناهضة للولايات المتحدة، وقامت الخطة على إيجاد شخصية دينية - واعظ إسلامى - مؤثرة في الشارع المصرى، وتواصل "كوبلاند" مع قيادات الإخوان وقتها فاتحا بوابة جديدة لإحياء علاقة واشنطن بالتنظيم.
ومن أبرز هؤلاء القيادات: مرشد الإخوان الثانى "حسن الهضيبى"، الذى كان اختياره بالتوافق بين الاستخبارات الأمريكية والإخوان والملك فاروق، بعد رفض القصر وواشنطن لاختيار مرشد للتنظيم من قيادات التنظيم السرى.
وحرصت الولايات المتحدة على توطيد روابط الإخوان بها، وتوسيع الملفات المشتركة، فانتظمت اللقاءات بين السفير الأمريكى "جيفرسون كافرى" والعديد من قيادات الجماعة، وعلى رأسهم المرشد الهضيبى والشيخ الباقورى ومحمود مخلوف.
وتوسعت دائرة التعاون من مواجهة الفكر الشيوعى لتشمل تقويض الجمهورية، وإعادة هندسة المشهد السياسي المصرى، بالإضافة إلى منح زخم لما تصدره الولايات المتحدة من محددات فكرية، والترويج للكتابات التى تطبعها على نفقتها وينشرها الإخوان بالأسواق.
وفى عام 1953، رشح القيادى الإخوانى وصهر حسن البنا "سعيد رمضان" للمشاركة بمؤتمر دعائى سرى من تنظيم جامعة برنستون للدراسات الإسلامية، كان يستهدف الترويج لأجندة معادية للشيوعية في الدول ذات الأغلبية المسلمة حديثة الاستقلال، وجاءت مشاركة "رمضان" بالمؤتمر آخذا بنصيحة المؤرخ اليهودى "برنارد لويس" - صاحب خرائط تقسيم وتفتيت المنطقة والمشرق العربى - الذى طلب من المخابرات الأمريكية وضع خطط طويلة المدى لدعم تنظيم الإخوان فى المنطقة، ومن ظهور "رمضان" إلى جوار الرئيس الأمريكى "دوايت آيزنهاور" بالمكتب البيضاوى، أصبح حلقة الوصل بين التنظيم وواشنطن، وعُرف بـ"وزير خارجية الإخوان"، رغم وصف تحليلات وكالة الاستخبارات المركزية له بالشخص الفظ، ووصفها له بـ"المليشاوي" و"الفاشى المهتم بحشد الناس من أجل السلطة".
وقد شكل لقاء سعيد رمضان مع الرئيس الأمريكي آيزنهاور إشارة البدء للطرفين للعمل معاً، فالولايات المتحدة بدأت تسمح للعناصر الإخوانية بالتواجد بكثافة على أراضيها، مقابل أوامر من قادة الإخوان لقواعدهم بأهمية الذهاب للولايات المتحدة، وكانت الدراسة هى المدخل الطبيعى لوصول مئات الإخوان إلى أمريكا، وسجلت جامعات مثل النيوى، وإنديانا وميتشجان حضورا لافتا لطلاب الإخوان، وأسس هؤلاء الطلاب ما سمى بعد ذلك بـ"رابطة شباب المسلمين" عام 1963، وقبل نهاية النصف الأول من ستينات القرن الماضى تأسس أول فرع لتنظيم الإخوان فى الولايات المتحدة تحت اسم "الرابطة الإسلامية لأمريكا الشمالية" المعروفة اختصارا باسم ISNA.
وسيطرت "إيسنا" على أكثر من 75% من المساجد والجمعيات والمراكز فى الولايات المتحدة، وكشفت وثائق نشرتها المخابرات الأمريكية عام 1999 أن غالبية الأعضاء الإخوان الذين أسسوا "إيسنا" كانوا ينتمون للإخوان في بلادهم قبل الوصول للولايات المتحدة ثم انضم لهم الطلاب الإخوان فى الجامعات الأمريكية، وأطلق على هذه المرحلة من الخمسينات حتى منتصف الستينات مرحلة "التعبئة والتحشيد"، بينما اعتبرت الأوساط الأمريكية أن تأسيس "إيسنا" هو بداية العمل التنظيمي الإخوانى فى الولايات المتحدة.
واتجه نشاط "رمضان" لاحقا إلى أوروبا بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حين تعاون مع استخبارات ألمانيا الغربية لبناء مسجد في مدينة ميونخ لمحاربة الشيوعية، وقدمت الأجهزة الاستخبارية له التمويل ودعمته لتولى إدارته، وتحول المسجد بعد ذلك إلى مركزا إسلاميا كبيرا، يعمل على استقطاب الجاليات الإسلامية فى أوروبا، وينشر قياداته الإخوانية للسيطرة على مسلمى تلك الدول، وفى مقدمة هؤلاء القيادات السورلا "همت غالب" والمصرلا "يوسف ندا"، وتولى مرشد الإخوان الأسبق "مهدى عاكف" إدارة المركز فى الثمانينيات.
وانطلق الإخوان فى مخططهم التوسعى دوليا بعد ذلك، حتى بالفترات التى شهدت انخفاًضا لدرجة الاتصال الأمريكي بهم، وفيما لم تقدم واشنطن دعما ماليا مباشرا للتنظيم، إلا أنها حرصت على توظيف الاستقطاب الإقليمى ضد سياسات الرئيس عبد الناصر لتوجيه موجات تمويلية إلى الإخوان عبر بعض الدول الأخرى.
وتحرك الإخوان ضد أهداف الدولة المصرية فى اليمن حتى عاد الاتصال الأمريكى بهم بشكل أكبر خلال أزمتى الرهائن الأمريكيين بسفارتها بطهران، حيث وظفت علاقات التنظيم لتحرير هؤلاء الرهائن، كما استفادت الولايات المتحدة من تنظيم الإخوان عندما دخل الاتحاد السوفيتى إلى أفغانستان عام 1979، ولعبت إدارة الرئيس "رونالد ريجان" الدور المحورى فى توسيع نشاط التنظيم على المستوى العالمى خاصة فى آسيا، عندما قام الإخوان بتجنيد الشباب العربى لصالح المشروع الأمريكي لإسقاط الاتحاد السوفيتى من أفغانستان، وهو ما تحقق لواشنطن عام 1989.
وفي فترة حكم الرئيس الأسبق "حسنى مبارك"، تجنب الأمريكان الاتصال المباشر بالجماعة؛ خوفا على مصالحهم فى المنطقة، وعلى رأسها اتفاقية السلام مع إسرائيل، واكتفى الأمريكان الحريصون على عدم إغضاب مبارك بالاتصال بأعضاء الجماعة بصفتهم أعضاء برلمان أو رؤساء نقابات مهنية، وليس بصفتهم أعضاء فى جماعة محظورة، وعاد الرهان الأمريكي على جماعة الإخوان مرة أخرى مع دخول الألفية الجديدة، وتحديدا مع صعود الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وتمكنت الجماعة من الوصول إلى سدة الحكم في مصر عام 2012 بعد 25 يناير 2011، والتي استغلها الإخوان لتنفيذ مخططاتهم.
وشكلت إدارة الرئيس الأمريكى السابق "باراك أوباما" أبرز حلقات دعم وتمكين التنظيم فى المؤسسات الأمريكية، خاصة فى عهد وزيرة خارجيته "هيلارى كلينتون" التى تركت كل شىء فى الخارجية الأمريكية إلى "هوما عابدين"، ابنة صالحة عابدين العضو التنظيمى فى الإخوان، وهو ما تأكد عندما سعى أوباما لتنفيذ خطط "برنارد لويس" لتقسيم الشرق الأوسط من خلال تمكين الإخوان من حكم الدول العربية والإسلامية، وكانت هيلارى كلينتون قد لمحت، فى تصريحات صحفية لها، إلى أن اتصال الإدارة الأمريكية بالإخوان هو جزء من سياسة بدأت فى 2006 ،بعد حصول التنظيم على عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات عام 2005.
وبعد ثورة يناير2011، أكدت تقارير السفيرة الأمريكية السابقة بالقاهرة "آن باترسون"، أن الجماعة هى القوة الوحيدة المنظمة والقوية فى مصر، ولديها القدرة الكبيرة على التأثير فى رسم مستقبل الشرق الأوسط، بالإضافة لنجاح رموز الجماعة فى إقناع واشنطن بقدرتهم على هذا التأثير خلال الزيارات والاتصالات المتبادلة ما جعل رهان واشنطن عليهم كبير، ودعمت الولايات المتحدة الإخوان للاستحواذ على البرلمان والرئاسة، بعد حصولها على تعهد من قيادات الإخوان حول أمن إسرائيل، واتباع إدارة الإخوان لذات النسق التركى فى إدارة الاقتصاد بالاعتماد على البنك الدولى.
وعلى الرغم من الإمكانيات المهولة للدفع باستراتيجية الإدارة الديمقراطية لدعم تنظيم الإخوان، إلا أنها أثبتت فشلها، بل كارثيتها، لعدة عوامل أهمها، وفق مراقبين: أولا الإسلام السياسى متلّون ومخادع للوصول إلى السلطة، فأساساته الفكرية مختلفة عما يعلنه، وهذا ثبت عمليا عند وصولهم إلى السلطة فى مصر وتونس وليبيا، حيث وقعوا فيما يسمى "فّخ السلطة"، فى ظل خبرتهم شبه المعدومة فى الحكم إذا ما قورنت بخبرتهم الطويلة في المعارضة.
وقد أدانت جلسات الاستماع بالكونجرس، دور إدارة أوباما فى الانفتاح على جماعة الإخوان، وذلك على ضوء النتائج التى جرت فى مصر، فى الفترة بين عامي 2011 و2013، إذ تعددت اللقاءات بالمسؤولين الأمريكيين وأعضاء جماعة الإخوان، خلال تلك الفترة، وحضر قيادات الجماعة للبيت الأبيض، فى أبريل 2012، لمقابلة عدد من المسؤولين، ومناقشة الأوضاع السياسية والإقليمية، وقد كان مهندس تلك اللقاءات، الدبلوماسي الأمريكى، وليام بنز، والذى تولى منصب نائب وزير الخارجية الأمريكى، بعد أن غادر القاهرة في أغسطس 2013، عقب سقوط الجماعة من الحكم، وفشلت جهود الوساطة لحل الأزمة السياسية، والذى كان أحد المشاركين فيها.
كما أن هناك تقارير عدة تؤكد دعم التنظيم الدولى للإخوان لبايدن، وذلك حتى يتمكن التنظيم من النجاة من سياسات التضييق على حركات الإسلام السياسى، فالانتخابات الأمريكية تأتى هذه المرة، فى ظل تأزم جماعة الإخوان الإرهابية على المستويين الأيديولوجى والتنظيمى، ومواجهتها لاحتمالات القضاء نهائيَا على التنظيم، خاصة فى ظل الانقسامات الحادة داخليًا، إضافة إلى إخفاق التنظيم الدولى فى أكثر من دولة، وقد عمق نجاح الجمهوريين على حساب هيلارى كلينتون، ومجئء ترامب للسلطة، من التأثيرات السلبية على أوضاع التنظيم، وتراجع أى دعم خارجى لهم؛ حيث كانت حقبة أوباما بمثابة فترة مثالية لهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة