كثيرا ما يصاب الناس في حوادث طرق، فيسقطوا فاقدي الوعي ويتم على إثرها نقلهم إلى أقرب مستشفى بغية إنقاذهم، ولكن قبل النقل أو في اثناءه أو عند وصول المصاب إلى المستشفى قد يجري تفتيش متعلقاته أو ملابسه بغيه التعرف على شخصيته من واقع بطاقة الرقم القومي أو اي مستند يحقق شخصيته بل أنه عند دخوله المستشفى جري العمل على تفتيشه لجمع ما معه من متعلقات وحصرها خشية السرقة أو الضياع كي ترد إليه أو إلى أهله.
وفى الحقيقة لا يوجد نص في القانون يبيح هذا التفتيش أو على العكس يحظره رغم خطورته، إذ قد يسفر عن كشف جريمة تعد دليل ادانة ضده، كما أن فقدان الشخص لوعيه نتيجة إغماء لا يعني فقدان المغمي للحق في السر طالما أنه لازال على قيد الحياة.
تفتيش فاقدي الوعي في حوادث الطرق العامة في ضوء الفقه والقضاء
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بحوادث الطرق والمتمثلة في تفتيش فاقدي الوعي في حوادث الطرق العامة في ضوء الفقه والقضاء، وذلك في الوقت الذي يرى فيه العديد من جمهور الفقه لا مانع من إجراء هذا التفتيش، إذ دعت إليه الضرورة العاجلة، ويستهدف مصلحة المصاب، فهو ليس تفتيش يستهدف البحث عن أدلة جريمة وقعت وإنما إجراء إدارى أملته ضرورة التعرف على شخصية المصاب والحفاظ على متعلقاته – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.
وبناء على ذلك - لا يتقيد بضمانات التفتيش كإجراء تحقيق ويصح مباشرته من رجال الاسعاف والشرطة، وآحاد الناس بل من إدارة المستشفى المنقول إليها فهو إجراء مشروع، فإذا ظهرت أثناء اجراءه جريمة، كما لو عثر رجل الإسعاف عند تفتيشه في جيوب المصاب أو حقيبته مادة مخدرة أو سلاح غير مرخص تحققت بذلك حالة التلبس، وهنا تحول التفتيش من اجراء يستهدف مصلحة المصاب إلى وبالا عليه، إذ أسفر عن دليل جريمة ضده – الكلام لـ "فاروق".
رأى محكمة النقض في التفتيش
ويجري قضاء النقض منذ زمن علي صحة هذا التفتيش، إذ قضت في هذا الصدد أن تفتيش المصاب الغائب عن الوعى في هذه الحالة لا يعد تفتيشاً بالمعنى الذى قصده الشارع ولا يعتبر عملاً من أعمال التحقيق، ولا ينطوي على اعتداء على حرية المريض أو المصاب ومن صميم واجبات رجل الإسعاف في الظروف التي تؤدى فيها خدماته، فهو اجراء مشروع وأن اسفر عن دليل جريمة اخذ المصاب به وعوقب علي أساسه - غير أن هذا الاستقرار القضائي والفقهي لم يمنع نفر من الفقهاء من معارضة هذا التفتيش ونعته بعدم المشروعية، إذ في ظاهره الرحمة بالمصاب وباطنه العذاب بتعرضه للعقاب أن أسفر التفتيش عن دليل جريمة.
ولقد استعرضنا تفتيش الضرورة تأصيلا وتحليلا - وقلنا إن مجرد الاغماء لا يصلح مبررا لتفتيش المغمي عليه، وإنما يعد مبررا إذا اقتضي الأمر التدخل لإسعافه، وكانت هناك ضرورة لتفتيشه للتعرف على شخصيته وإبلاغ ذويه أو البحث عما يكون معه من دواء لمعالجة الحالة المرضية التي يعاني منها أو معرفة فصيلة دمه حتي يمكن الاتصال بالمستشفى لتجهيز الدم اللازم لتعويض ما نزف منه، وقد يكون الغرض من تفتيش المغمي عليه حصر ما معه من اشياء ومتعلقات قيمة والتحفظ عليها خشية تعرضها للسرقة أو الضياع.
3 ضمانات وضعها المشرع عند تفتيش فاقد الوعى
وهذا كله مشروط أن يكون الشخص قد فقد الوعي تماما وبات عاجزا عن ادراك ما حوله، ولم يكن معه مرافق يتولى هذه الأمور بنفسه، ولهذا فإن مشروعية هذا التفتيش مقيد بالعديد من الضمانات أولها؛ ألا يستطيع المصاب التعبير عن إرادته بسبب الإصابة وثانيها؛ تعذر التعرف علي شخصيه المصاب إلا بتفتيشه، بمعني أنه إذا كان رفقه المصاب أحد من اهله أو معارفة يمكن من خلاله التعرف علي المصاب امتنع التفتيش، وثالث هذه الضمانات؛ التقيد بالغرض من التفتيش وهو التعرف علي شخصية المصاب، فإن استهدف التفتيش غايه أخري كضبط أدلة جريمة، كما لو جري التفتيش في موضع يستحيل أن يضع فيه الشخص بطاقة الرقم القومي كورقة سلفونية مغلفة صغيرة الحجم أو استنفد التفتيش غرضه بالحصول علي تحقيق الشخصية ورغم ذلك تم مواصلة التفتيش وقع باطلا في حدود التجاوز، ولكن هذه الضمانات لم يلتفت إليها الفقه كما اضطرب بدوره قضاء النقض في شأنها ففي البعض من الأحكام طبقتها وفي البعض الاخر اغفلتها.
حكم للنقض يأخذ بشروط تفتيش فاقد الوعى
ومن الأحكام التي طبقت فيها محكمة النقض هذه الضمانات ما قضت به من أن تفتيش فاقدي الوعي مقيد بالغرض منه وهو التحقق من شخصية المصاب من واقع بطاقة الرقم القومي ولا يصح تجاوز هذا الغرض بالتنقيب في ملابسه، وامتعته وما يحمله بحثا عن دليل جريمة وإلا غدا تفتيش باطل.
لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه أثناء وجود ضابط الواقعة بكمين بخدمته الليلية حضرت له سيدة في حالة إعياء شديد وعدم اتزان وفوجئ بها تسقط مغشياً عليها فطلب لها سيارة إسعاف ثم فتح حقيبة يدها للتعرف على بياناتها من واقع بطاقة تحقيق شخصيتها فوجد بها ورقة مالية فئة الخمسة جنيهات ملفوفة بطريقة غير منتظمة، ففضها ليتبين بها كمية من مسحوق بيج اللون يشبه مخدر الهيروين، فأبلغ ضابط المباحث الذي حضر لضبطها و اصطحابها لديوان القسم.
وتساند الحكم إلى ما أورده فيما سلف في معرض رده على دفع الطاعنة المشار إليه بوجه الطعن - لما كان ذلك - وكان الواضح مما سرده الحكم المطعون فيه أن ضابط الواقعة في سبيل معرفة شخصية الطاعنة قد قام بفتح حقيبة يدها وهو في مباشرته لهذا الإجراء إنما يقوم بدوره الإداري الذى خوله إياه القانون إلا أن ذلك مشروط بمراعاة ضوابط الشرعية المقررة للعمل الإداري، فلابد أن يستهدف مصلحة عامة وأن يكون له سند من القانون وأن يلتزم بالحدود اللازمة لتحقيق غاية المشرع من منحه هذه الصلاحية وأن يلتزم في مباشرتها بالقواعد الدستورية والقانونية وإلا وصف عمله بعدم المشروعية والانحراف بالسلطة.
وإذ كان البين مما سرده الحكم المطعون فيه أن المخدر المضبوط لم يضبط مع شخص الطاعنة بل تم ضبطه في حقيبة يدها بداخل لفافة من العملة الورقية، وأن ضابط الواقعة لم يقف دوره عند التحقق من شخصيتها ومعرفة بياناتها من واقع بطاقة تحقيق شخصيتها التي وجدها بالحقيبة بيد أنه جاوز في مباشرته لهذا الإجراء حدود غرض المشرع من منحه هذه الصلاحية إلى اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق ، بأن فتش في حقيبة يدها ليستكشف الأشياء المغلقة غير الظاهرة دون مبرر فإن تجاوزه لحدود الإجراءات الواجبة للتحقق من شخصيتها وعسه في أمتعتها ليفض لفافة العملة الورقية يتسم بعدم المشروعية، وينطوي على انحراف بالسلطة يؤدى به إلى البطلان، وذلك طبقا رقم 6370 لسنة 75 قضائية.
حكم نقض أخر لا يأخذ بضمانات تفتيش فاقد الوعى
ومن الأحكام التي أغفلت فيها محكمة النقض أعمال هذه الضمانات ما قضت به من أن بحث الضابط في جيوب الشخص الغائب عن صوابه لجمع ما فيها وتعرفه عليه قبل نقله إلى المستشفى لعلاجه جائز بحسبانه تفتيش ضرورة اجراء مشروع، وبالتالي فإن دفع المتهم المصاب ببطلان التفتيش لانتفاء التلبس يعد دفعا ظاهر البطلان لا يعيب الحكم أن التفت عنه ايرادا وردا.
وقالت في ذلك - لما كان الحكم المطعون فيه في معرض تحصيله لواقعة الدعوى وأقوال ضابط الواقعة أورد بما مفاده، أنه أثناء مروره بدائرة مركز "...." شاهد حادث طريق لدراجة بخارية وأن سائقها ملقى على الأرض، فاقداً للوعي وبه عدة إصابات من جراء الحادث الذي تعرض له وبالبحث عن تحقيق شخصيته ليتمكن من نقله للمستشفى لإسعافه عثر على المضبوطات".
لما كان ذلك - وكان من المقرر أن ما يقوم به الضابط من البحث في جيوب الشخص الغائب عن صوابه قبل نقله إلى المستشفى لجمع ما فيها وتعرفه عليه، هذا الإجراء لا مخالفة فيه للقانون، إذ هو من الواجبات التي تمليها الظروف على من يقوم بنقل المصاب وليس من شأنه أن يكون فيه اعتداء على حرية المريض أو المصاب الذي يقوم بنقله للمستشفى لإسعافه، فهو بذلك لا يعد تفتيشاً بالمعنى الذي قصد الشارع إلى اعتباره عملاً من أعمال التحقيق، ويكون ما دفع به الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون دفعاً ظاهر البطلان لا على المحكمة إن هي التفتت عنه ومن ثم فإن ما ينعاه في هذا الشأن يكون غير سديد، طبقا للطعن رقم 5271 لسنة 82 قضائية.
لماذا الأخذ بقاعدة "الضرورة" عند تفتيش فاقد الوعى؟
ولا شك أن قضاء النقض الذي أغفل ضمانات الضرورة محل نظر، وذلك لأنه ولئن انطلق من مقدمة صحيحة حاصلها أن تفتيش فاقد الوعي للتعرف علي شخصيته لا يرتهن بضوابط الضبط والتفتيش المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، إذ هو إجراء دعت إليه الضرورة إلا أن هذا القضاء لم يراع قاعدة أن الضرورة تقدر بقدرها، كما أن كون تفتيش الضرورة لا يعد تفتيش اجرائي يتقيد بضمانات التفتيش الإجرائي لا يعني إطلاق هذا التفتيش، إذ هو علي أي حال اجراء هاتك لحق الإنسان في السر، فيجب أن يتقيد بالغرض الذي شرع من أجله، ولقد ابهم هذا القضاء وأجمل إذ لم يستظهر ما إذا كان ضبط المخدر بملابس المتهم فاقد الوعي قد حدث عرضا وقبل تحصل رجل الضبط علي تحقيق شخصيته من عدمه؟
أو أن رجل الضبط لم يستمر في مواصلة التفتيش بعد الحصول على تحقيق الشخصية من عدمه؟ فإن كل ذلك يعيب أحكام الجنايات ويكون الدفع ببطلان التفتيش له محل لاسيما وأنه لا يعقل وجود بطاقة رقم قومي داخل لفافة سلفانية، كما أن حصر متعلقات المصاب في المستشفى، إنما يجري علي الظاهر ودون جرد وفحص متعمق وكان يجب على محكمة النقض أن تلزم قضاء الموضوع بأن يورد الدفع ويرد عليه بطريقه سائغة إذ أن استنفاذ الغرض من تفتيش الضرورة، كما أوضحنا وكذا تجاوزه يبطله وهو مالم تتبينه محاكم الموضوع ولم تراجعها فيه محكمة النقض.